مفهوم العفة
حرص الإسلام على إقامة مجتمعٍ مسلمٍ تسوده الأخلاق الحسنة، ومن أبرز الأخلاق الحسنة التي دعا لها الإسلام، وحثّ على التحلّي بها خلق العفة، والعفّة في اللغة تأتي بمعنى الكفّ والامتناع؛ فيقال: كفّ عن الحرام؛ أي امتنع عنه، والعفّة في الاصطلاح الشرعي هي خلقٌ إسلاميٌّ رفيع يفيد ضبط النفس عن الشهوات والملذات، وكفّها عمّا لا يحلّ، وهي حالةٌ وسطٌ بين الإفراط في تلبية شهوات النفس وبين تركها والتفريط فيها.
أشكال العفة
إنّ للعفَّة صورًا وأشكالًا متنوِّعةً، من أبرزها:
- الترفع عمّا في أيدي النّاس: ويشمل ذلك الأشياء المادية التي يحتاجها الإنسان، كالمأكل، والمشرب، والملبس، ونحو ذلك.
- كفّ الجوارح عن المحرّمات: ويشمل ذلك كفّ البصر عن تتبع أعراض الناس، وكفّ الأذن عن سماع ما يدعو إلى الفاحشة أو يشجع عليها، وكفّ اللسان عن التلفّظ بالفحش والسوء من القول؛ كالكذب والغيبة، وكفّ القدم عن السير إلى المحرّمات.
فالعفّة تشمل كل التصرفات الصادرة عن الإنسان فيما يتعلق بصون النفس والعرض والشرف، والكفّ عن كلّ قبائح الأفعال وكلّ ما يحرم.
آثار الالتزام بالعفة
تعود العفّة على المتخلّق بها وعلى المجتمع كلّه بآثارٍ طيِّبةٍ وفوائد عدَّةٍ، منها:
- نيل رضا الله -عز وجل- والتنعّم بالاستظلال بظلّه يوم القيامة؛ فمن الأصناف السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم القيامة: (ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ).
- إعانة الله -تعالى- للمتعفّف ومساندته، ومن ذلك ما رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ تعالى عونُهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والمكاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يريدُ العَفافَ).
- تماسك المجتمع، وانتشار المحبة بين أفراده، ونظافته من الآفات والمآثم.
- العفّة سببٌ للنجاة من الابتلاءات، وطريقٌ للتفريج الكربات.
الوسائل المعينة على تحقيق العفة
من الوسائل التي تعين المسلم على التخلّق بالعفة والتزامها ما يأتي:
- الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- وتقواه في السرّ والعلن؛ فالتقوى تدعو صاحبها إلى التزام كل أعمال الخير، وتردعه عن الوقوع في الفواحش.
- الالتجاء إلى الله -تعالى- بالدعاء بأن يصرف عنه كلّ دواعي الفساد.
- سعي الإنسان إلى ما تحقق كفايته عما في أيدي الناّس.
- تحصين الإنسان نفسه من خلال الزواج.
- تنشئة الأبناء على الالتزام بأخلاق الإسلام وتعاليمه، وغرس قيمة العفّة في نفوسهم.
العفّة في القرآن الكريم
ورد ذكر العفَّة والأمر بها صراحةً في مواطن عدَّةٍ من القرآن الكريم، منها:
- قول الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ).
- قول الله -تعالى- في حفظ أموال الأيتام وعدم اعتداء الأولياء عليها: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).
- قول الله -تعالى- في حثّ القواعد من النساء -أي كبيرات السن- على التزام الستر؛ لكونه أكمل وأفضل لهنّ: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
- ورد في معنى العفّة وتمثّلها، موقف يوسف -عليه السلام- حين راودته امرأة العزيز: (قالَ مَعاذَ اللَّـهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ).