مفهوم الحضارة عند ابن خلدون
الحضارة عند ابن خلدون
عرّف ابن خلدون الحضارة بأنّها "تفنّن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية وسائر عوائد المنزل وأحواله"، كما إنّه عرّفها ضمن الإطار الإجتماعي والتاريخي بأنّها الوصول إلى قمّة العمران والتطوّر الثقافي والشخصي للمجتمع والدخول للرقي الإجتماعي الثابت فالحضارة بوجهة نظره هي نهاية العمران، بيد أنّ ابن خلدون تأثّر في ثقافة عصره وألفاظها التي تختلف عنها الآن، وقد يكون غير دقيق أحياناً في المصطلحات والمفاهيم ويبرز ذلك عنده في لفظ الحضارة حين يستعمل لفظ دولة بمعنى الحضارة بيد أنّ ذلك عائد للمصطلحات واختلافها بين العصور فهو لم يتوقع أن تتطوّر اللغة وتختلف من عصر لآخر، ومع ذلك يُعتبر ابن خلدون أوّل من استخدم مصطلح الحضارة بمفهومه القريب من معناه حديثاً.
تطوّر الحضارة وانهيارها عند ابن خلدون
اهتمام ابن خلدون في مفهوم الحضارة والعمران من خلال بحثه في أسباب قيامها وتطوّرها ومحاولة تبيان العوامل المؤدية إلى انهيارها، فهو يرى أنّ الطبيعة الجغرافيّة لها دور مهم في تطوّر العمران حيث تختلف في الأقاليم المعتدلة عنها في الأقاليم الأخرى كالحارّة والباردة، ومن العوامل الأخرى في تطوّر حضارة العمران التحوّل من البداوة للحضر، وكذلك السياسة والحاكمية لمجتمع العمران والثروة والمال والّلذان يأتيان من العمل والإنتاج، كما أنّ ابن خلدون يرى أنّ العدل عامل مهم في تطوّر العمران والظلم أحد أهم أسباب الإنهيار فهو مؤذن بخراب الحضارة، كما أنّه يرى من مُسببات الأنهيار أيضاً سيطرة طريقة حياة العرب على الأوطان واستبداد الحاكم وتنعّمه بالترف، فيما شبّه الحضارة والعمران بتطوّرها بالإنسان حيث إنّ الوصول للقمّة هو إيذان بالفساد والإنهيار فللدول أعمار كما للبشر.
نسب ابن خلدون ونشأته
هو عبدالرحمن بن محمد بن خلدون أبو زيد وليّ الدين الحضرمي الإشبيلي، مؤرخ وفيلسوف وعالم اجتماع ولد ونشأ في تونس وتنقّل بين عدّة بلدان، ازدادت شهرته من كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر، والمحتوي على سبعة مجلّدات تبدأ بالمقدمة والتي تُعتبر من أساسيات علم الإجتماع ، يُنظر إلى ابن خلدون بأنّه أحد أهم المفكرين الإسلاميين فقد كتب في الثقافة والتاريخ والسلطة والمجتمع والحضارة، ولد ابن خلدون في عام 732 للهجرة وتُقسّم حياته لعدّة مراحل لكل منها مظاهرها ومميزاتها وهي كالآتي:
- مرحلة النشأة والتحصيل العلمي، وتمتد من ميلاده ولمدّة عشرين عاماً، وفي هذه المرحلة عاش في مكان ولادته تونس وحفظ القرآن الكريم وتجويده وتتلمذ على يد الشيوخ وسعى لتحصيل العلوم.
- مرحلة الوظائف الديوانية والسياسية، واستمرت حوالي خمس وعشرين عاماً، تنقّل فيها بين بلاد المغرب الأدنى والأوسط والأقصى وبلاد الأندلس، وكان جُلّ اهتمامه العمل في الدواوين والسياسة.
- مرحلة التأليف واستغرقت ثمان سنوات، وهنا تفرّغ للكتابة وألّف كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبرفي أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، والمعروف بقسمه الأول بمقدمة ابن خلدون.
- مرحلة التدريس والقضاء واستمرت ما يقارب من أربعة وعشرين عاماً، استقرّ بها في مصر، وكان أغلب وقته وجهده في هذه المرحلة العمل في التدريس والقضاء إلى أن توفي في عام 808 للهجرة.