مفهوم الحضارة الإسلامية
الحضارة
الحضارة في اللغة هي الإقامة والسّكن في الحضر. وتُعرّف الحضارة على أنّها إنجازات الإنسان عبر الزّمن، سواء كانت إنجازات ماديّة أو فكريّة، وتتحدد بالمكان الذي احتواها وشهد الصّراع بين الإنسان والطّبيعة المحيطة به. وقد عُرّفت الحضارة أيضاً على أنّها نمطٌ من أنماط الحياة المستقرّة، ويُعتبر التّقدم في العلم والمعرفة أساس كل حضارة وكلّما زاد علم الإنسان ومعرفته زاد وازدهر البناء الحضاري في المجتمع الّذي يعيش فيه. وتعتمد الحضارة الإنسانيّة على بعضها البعض، فكان الإغريق هم من وضعوا أساس البناء الحضاري وتبعهم المسلمون فطوّروا هذا البناء وأصبح مزدهراً في عهدهم، أمّا الأوروبيّون فقد أكملوا هذا البناء وطوّروه.
الحضارة الإسلاميّة
تُعرف الحضارة الإسلاميّة على أنها حضارة ناتجة عن تفاعل الشّعوب وثقافاتهم التي دخلت تحت راية الإسلام ، سواء كانت تلك الشّعوب مؤمنةً بالإسلام أو منتسبةً له، أو مصدّقة ومعتقدة به. وللحضارة الإسلاميّة نوعان؛ النّوع الأول وهو ما يُعرف بحضارة الإبداع والخلق، وهي حضارةٌ إسلاميّةٌ أصيلةٌ، يعد الدّين الإسلامي مصدرها الوحيد، أما النّوع الثّاني وهو ما يطلق عليه اسم حضارة الإحياء والبعث، والّتي قام المسلمون فيها بتحسين وتطوير الفكر البشري عن طريق تجاربهم الّتي قاموا بها.
والحضارة الإسلاميّة هي الحضارة الوحيدة الّتي أقامها دينٌ واحدٌ، إلّا أنّها كانت موجهة لجميع الأديان، كما أن الحضارة الإسلاميّة جزءٌ من سلسلة حضاراتٍ مختلفة، فقد سبقتها حضاراتٌ كثيرةٌ وتبعتها مجموعة من الحضارات، وقد قدمت الحضارة الإسلاميّة خبرات كثيرةً للبشريّة في المجالات العلميّة والفنيّة، إضافةً إلى تطوّراتٍ في مجال العمارة.
بداية الحضارة الإسلاميّة كانت منذ عهد النّبوّة (1- 11هـ)، واستمرّت الحضارة الإسلاميّة في تطوّرها وازدهارها في عهد الخلفاء الرّاشدين (11- 40هـ)، وكان للدوّلة الأمويّة (41 - 132هـ) آثارٌ واضحةٌ في تطور وازدهار الحضارة الإسلاميّة وتوسّعها في إفريقيا والأندلس ( البرتغال ،وجنوب فرنسا، وإسبانيا)، وحتّى العصر العباسي (132- 656هـ)، وعصر المماليك (648- 922هـ)، وكذلك العهد العثماني، فقد استمرّت الحضارة الإسلاميّة بالتّوسّع واستمرّ تأثيرها في شتّى بقاع الأرض.
وقد قامت الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الأسس أهمّها:
- عقيدة التّوحيد: قامت الحضارة الإسلاميّة على عقيدة التّوحيد الّتي تعني أنّ العبادة تكون لله وحده دون الإشراك بأيٍ من مخلوقاته.
- العدل: اهتمّ الإسلام بالعدل وهذا ما جاء في نصوص من القرآن الكريم والسّنة النبويّة.
- العلم: أعاد الإسلام ترتيب المفاهيم في العقل الإنساني، وحثّ النّاس على طلب العلم، لما له من أثرٍ في بناء وازدهار الحضارة الإسلاميّة.
- الأخلاق الفاضلة: للإسلام دستورٌ شاملٌ في التّعامل وتربية الأفراد، وهذا الدّستور هو القرآن الكريم ففيه نجد كل ما يخص تربية الأفراد والجماعات في جميع المجالات.
- العمل: لأنّ العمل هو الّذي يبني الحضارات فقد حثّ الإسلام على العمل، ولهذا فإنّ الدّين الإسلامي هو دين عمليٌ.
خصائص الحضارة الإسلاميّة
تميّزت الحضارة الإسلاميّة بمجموعة من الخصائص، وقد جاءت هذه الخصائص من الأسس الّتي قام عليها الإسلام ومن هذه الخصائص:
- أنّ الحضارة الإسلاميّة تقوم على عقيدة التّوحيد.
- أنّ الحضارة الإسلاميّة حضارةٌ إنسانيّة في هدفها، وعالميّةٌ في رسالتها.
- أنّ الحضارة الإسلاميّة حضارةٌ أخلاقيّةٌ في كلّ نظمها.
- أنّ الحضارة الإسلاميّة حضارة قائمة على العلم في أدقِّ أصوله.
- أنّ الحضارة الإسلاميّة قائمةٌ على التّسامح الدّيني.
منجزات الحضارة الإسلاميّة
كان للحضارة الإسلاميّة مجموعةٌ كبيرةٌ من الآثار الحضارية في مختلف المجالات ومنها:
- المجالات الدّينيّة: إنّ الإصلاحات الدّينيّة الّتي حدثت في أوروبا قد تأثّرت بشكلٍ كبيرٍ بمبادئ الحضارة الإسلاميّة، وذلك بسبب الفتوحات الإسلاميّة في جميع أنحاء العالم، فزال الخصام المذهبي، وأُعلن عن تفرّد الإنسان بعبادته وتواصله مع خالقه.
- مجال الفلك: لقد عرف المسلمون شكل الأرض - كرويّتها- وكذلك عرفوا كيف تدور الأرض، إضافةً إلى معرفتهم لحركة الأجرام السّماويّة.
- مجال الطّب: تميّز العلماء المسلمون في مجال الطّب، فكانوا يكتشفون ويؤلفون الكتب، ونرى ذلك في كتاب ابن سينا (القانون)، وكذلك كتاب الحاوي لأبو بكر الرّازي، وقد اهتمّ الغرب بهذه الكتب، وقاموا بترجمتها إلى اللاتينيّة، وأصبحت تُدرّس في جامعاتهم.
- مجال الأدب: هنالك العديد من الإنجازات الحضاريّة للمسلمين في مجال الأدب، كتأثّر الحضارات الأخرى بالأدب العربي الإسلامي، فنرى مدى تأثّرهم بروايات الأدباء المسلمين، ويرى بعض النّقاد أنّ رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي قد تأثّر بها الكاتب دانتي عند كتابته للقصّة الإلهيّة، وقد أخذ الأوروبيّون من المسلمين التّخيلات في الأدب، وكذلك المجاز وما يُعرف بأدب الحماسة والفروسيّة، ونذكر أيضاً حكايات الصّباحات العشرة الّتي كتبها بوكاشيو، وهي تشبه أيضاً كتاب ألف ليلة وليلة .
- مجال الفلسفة: نرى في مجال الفلسفة أنّ الكثير من الباحثين الغربيين قد تأثّروا بالفلاسفة المسلمين، حتّى إنّ لوثر في حركاته الإصلاحيّة قد تأثّر بما قرأه من كتبٍ للعلماء المسلمين من أمور العقيدة والوحي، وكذلك الفلاسفة العرب ، وقد اعتمدت الكثير من الجامعات الأوروبيّة على ما كتبه الفلاسفة المسلمون.
- مجال التّشريع: إنّ لمجموعة الأحكام الفقهيّة للحضارة الإسلاميّة أكبر الأثر في القوانين المشرّعة في ذلك الوقت في أوروبا، ففي عهد نابليون تُرجمت كتب الإمام المالكي الفقهيّة إلى اللغة الفرنسيّة، وقد كان (كتاب خليل) أساس القانون المدني في فرنسا، كما أنّ كتاب العالم خليل بن إسحاق بن يعقوب (المختصر في الفقه) من ضمن الكتب الفقهيّة المترجمة إلى الفرنسيّة.
- مجال الرّياضيات: ظهرت العديد من الوثائق التّي تؤكّد أنّ بعض العلوم الحديثة هي ذات أصول عربيّة، ومن هذه العلوم علم الجبر، هذا العلم الّذي يعود الفضل بظهوره إلى العالم المسلم محمد بن يوسف الخوارزمي.
- مجال العمارة: لقد اهتمّت الحضارة الإسلامية بالعمارة وأبدعت نماذج معمارية خالدة عبر الزمن، حيث حرص المعماري المسلم على تكامل وظيفة المبنى وتناسق عناصره وجمالها، وتشهد الآثار العمرانية في الحضارة الإسلامية على تعمّق مهندسيها في الهندسة، والرياضيات، والميكانيكا، ومن أهم إسهامات المعماريين المسلمين: تقنية القباب، حيث استطاعوا بناء قبابٍ ضخمة ذات حسابات معقّدة، كما تطوّر استخدام الأقواس علي أيدي المسلمين، حيث ابتدعوا قوس حذوة الفرس، كما ابتدعوا عنصر المقرنصات، والمشربيات التي امتازت بوظيفة بيئية تمثّلت بتخفيف حدّة الشمس، ووظيفة اجتماعية تمثلت بحفظ الخصوصية.