مفهوم الانضباط الذاتي في الإسلام
معنى الانضباط الذاتي
الانضباط الذاتي: هو السيطرة على الذات أو التصرفات بهدف التطوير والتحسين الشخصي، [1] ومنه ضبط النفس أو ضبط الذات: أي سيطرة الشخص على مشاعره أو رغباته أو أفعاله بإرادته الشخصية بهدف التطور والتحسين الشخصي، بالتصبر وعدم الانفعال.
مفهوم الانضباط الذاتي في الإسلام
عبّر الإسلام عن معنى الانضباط الذاتي للمسلم بمفهوم "الاستقامة"، وجعل لمن استقام مكانة وأجرا عظيما لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
الإيمان والاستقامة بينهما ترابط، كل منهما يقوى ويزيد من التحصين الذاتي، ولكن بشرط توافر الإيمان أولاً، فإذا ضعف الإيمان ضعفت الاستقامة، وبالتالي ضعف التحصين، فالمطلوب هو الإيمان الصحيح الصادق الذي يظهر أثرا في الاستقامة، علماً وعملاً، وهذه الاستقامة تؤثر على التحصين قوةً وضعفاً.
ومن الأحاديث ما جاء عن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، وفي حَديثِ أبِي أُسامَةَ غَيْرَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ).
علامات تدل على الانضباط الذاتي
إنّ الإنسان المستقيم على طريق الله -عز وجل- المؤتمر بأوامره والمنتهي بنواهيه هو إنسان منضبط ذاتياً؛ لأنه استطاع التحكّم بنفسه وفق ما أراده الشارع الحكيم، وبدافع ذاتي منه وبإرادته الحرة دون إجبار أو إكراه، فمن أراد أن يعلم إن كان منضبطاً بتصرفاته وفق المفهوم الإسلامي لهذا المصطلح فإن هناك علامات تظهر في شخصية وسلوك الإنسان تدل على أنه متحكم بذاته ومسيطر عليها، ومن هذه العلامات ما يأتي:
- الاستقامة على العقيدة الصحيحة
قال -تعالى-: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، [6]، إذ لا بدّ لمن هو منضبط ذاتيا من الاستقامة على العقيدة الصحيحة، والعقيدة الصحيحة هي: إيمان بالله عز وجل، وتوحيد له بجميع أنواع التوحيد توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، والاستقامة على العقيدة تعني أن الإيمان قول وعمل، وليس هو تلفظ باللسان فقط.
- الالتزام والإصرار
الانضباط هو الاستمرارية والمداومة على الفعل بالالتزام به والإصرار عليه، فإن أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها حيث جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أحَبُّ الأعْمالِ إلى اللهِ تَعالَى أدْوَمُها، وإنْ قَلَّ. قالَ: وكانَتْ عائِشَةُ إذا عَمِلَتِ العَمَلَ لَزِمَتْهُ).
والانضباط يزيد الإصرار قوة، والإصرار يزيد الالتزام قوة، فهم كالإخوة الثلاثة: فالالتزام والإصرار والانضباط يجعلون الإنسان لا يترك هدفه مهما كانت الظروف، ولا يترك رؤيته مهما كانت التحديات، وسيبقى ملتزماً ومصراً عليه ومنضبطاً فيه.
- عدم التسويف
التسويف جزء من عدم الحزم، والإنسان المنضبط لا يسوّف ولا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، لما فيه من تراكم للأعمال عليه، الأمر الذي سيجعلها ثقيلة في أدائها مما قد لا يمكنه من إنجازها أو أنه سينجزها دون أن يعطيها حقها من الأداء فيكون مقصراً.
ولهذا كان السلف يحذرون من التسويف، فقد قيل لعمر بن عبد العزيز وقد أعياه الإرهاق من كثرة العمل: أخر هذا العمل قال: "لقد أعياني عمل يوم واحد، فكيف إذا اجتمع علي عمل يومين". وقيل لرجل من عبد القيس: أوصنا. قال: "احذروا سوف، سوف من جند إبليس".
- الاستقامة في السلوك والأخلاق معاً
الاستقامة تكون في جانب السلوك والأخلاق جنباً إلى جنب، حيث لا بدّ أن يكون سلوك الإنسان مستقيما، وكذلك لا بدّ أن تكون أخلاقه مستقيمة، فلا يتلبس بشيء من سفاسف الأمور أو الأخلاق السيئة، دون أن يقتصر في انضباطه على جانب واحد فقط منهما، فالأخلاق في معاملته مع العباد أمر أساسي، واستقامته في سلوكه الديني مطلب شرعي وباجتماعهما عند المسلم يكونان معنى الاستقامة والانضباط.
- الاتزان في الزهد والإقبال على الدنيا
من مفهوم الانضباط الذاتي عند المسلم ألّا يكون مقبلاً على الدنيا متناسياً أمر الآخرة، وألا يكون مسرفاً بإنفاق المال على الكماليات دون أن يؤدّي حق الله -تعالى- وعباده فيما آتاه الله من فضله، وإنّما الأصل أن يكون المسلم منضبطاً متحكماً بنفسه، فالاعتدال والوسطية مطلب إسلامي في كل شيء، دون أن يكون فيه إفراط ولا تفريط، قال -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).
وخلاصة القول فإنّ الانضباط الذاتي الذي هو بمعنى الاستقامة في الإسلام، يتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، فالاستقامة فيها وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله.
والاستقامة للحال بمنزلة الروح من البدن، فكما أنّ البدن إن خلا عن الروح فهو ميت فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد، حيث قال بعض أهل العلم: كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة؛ فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطالب بالاستقامة.