مفهوم الاستقامة في القرآن
المقصود بالاستقامة في القرآن الكريم
يدور معنى الاستقامة في القرآن الكريم حول ملازمة اتِّباع الصراط المستقيم والثبات على ذلك، بعد الاعتقاد بأنَّ ما يحمله المسلم هو الدين الحق الذي لا شكَّ فيه، وبثبات راسخ دون تردد يحرف صاحبه ذات اليمين وذات الشمال، ويدخل في ذلك: التزام فعل الطاعات التي تقوم بها الجوارح ويقوم بها القلب، وترك منهيات الجوارح والقلب؛ لذا صار التعبير بالاستقامة على الصراط المستقيم وصيةً جامعة في القرآن لكل خصال الدين.
ومن خلال تتبع الآيات التي تحدّثت عن الاستقامة في القرآن الكريم؛ يمكن استنتاج أنها تدور حول معانٍ ستة، وهي كما يأتي:
- الاستقامة باعتقاد أنَّ الله هو الربّ وحده -سبحانه وتعالى-.
- الثبات على طاعة الرب المعبود، وأداء الفرائض التي طلبها.
- ثبات القصد بإخلاص النية في العمل وملازمة ذلك حتى الموت.
- الحرص على الاستقامة في الأفعال كما تستقيم الأقوال.
- العناية بالاستقامة سرّاً كما هي العناية بالاستقامة علناً.
- الثبات والتوازن على الجمع بين فعل الطاعة و اجتناب المعصية .
عناية القرآن بسبل الهداية للاستقامة على الصراط المستقيم
الصراط المستقيم هو الاسم الجامع لكل ما يوصل صاحبه إلى مقصوده الذي يريده، والمطلوب من المسلم في كل صلاة أن يقرأ سورة الفاتحة؛ ليسأل ربه في كل مرة أن يرشده إلى الاستقامة على الطريق الذي ينتهي به إلى رضاه والجنة، وأن يعصمه من السبل المتفرقة.
وهذا المعنى ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (خَطَّ لنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-خَطًّا، ثم قال: هذا سبيلُ اللهِ، ثم خَطَّ خطوطًا عن يمينِه وعن شمالِه، وقال: هذه سُبُلٌ، على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يَدْعُو إليه، وقرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ)).
وهذا يُبيِّنُ أنَّ كل أحكام القرآن الكريم وقصصه ومواعظه تدور حول هداية العبد للصراط المستقيم، وأن سؤال الله الهداية إلى ذاك الصراط يفيد دعاءً جامعاً آخذاً لكل مَجامع الدين، وهي قيام المسلم بين يدي خالقه ثابتاً على الصدق معه والوفاء بالعهد إليه.
وكأنَّ العبد يطلب الثبات على الحق في الأقوال والأفعال والأحوال والنيات؛ لذا قال بعض العارفين: "كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطالبك بالاستقامة".
عناية القرآن باستقامة القلب قبل الجوارح
يتبيَّن المتدبّر للآية: (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا)، أنّه متى يستقيم القلب بإيمانه الراسخ بالله وبأسمائه الحسنى التي تُنمّي في العبد خشية الله وإجلاله ومهابته، فسوف تستقيم الجوارح كلها على طاعة ذلك القلب؛ لأن القلب هو ملك الأعضاء، والأعضاء ما هي إلا جنود تطيع القلب؛ ومن المعلوم أنه إذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه باستقامته.
ولذلك جاء التعبير في الآية بالعطف بـ (ثُمَّ اسْتَقامُوا) التي تفيد التراخي الرتبي؛ لأن الاستقامة أمرٌ زائدٌ في المرتبة على التوحيد ؛ فالاستقامة تشمل التوحيد القلبي، كما تشمل الثبات عليه وعمل الجوارح بما يتطلبه.