مفهوم الإيحاء في اللغة العربية
تعريف الإيحاء لغة واصطلاحًا
الإيحاء لُغةً: هو صوت التكلّم، ويتميّز بأنّه صوت خفيّ لا يظهر للعيان مُباشرة، ويُعَدّ الإيحاء من أهم خصائص اللغة العربية ، وعدّه النّقاد من مقوّمات الأسلوب الفنيّ عند القُدماء والمُحدَثين، كما أنّ للإيحاء ملامح عامة في اللغة العربية من وجهة نظر النُقّاد المُحدَثين وأهل البلاغة مثل: الإيجاز، فيجعلها كثيفة المعنى رغم قصر العبارة، وقال الجاحظ في الإيحاء: أحسن القول ما كان يُغنيك عن كثيره.
عرّف النقّاد المُعاصرون الإيحاء بأنّه إشارة إلى معنى غير مباشر من خلال التلميح، والتعريض والكناية ، والرمز، والإيهام، والإضمار، وبهذا تحمل الكلمات معاني ودلالات ذات تاريخ نفسي، يفضي بالنهاية إلى صورة مُعيّنة في نفس المُتلقي، يُمكن من خلاله استرجاع أحداث مُعيّنة، وتداعي معانٍ غير حرفيّة.
أشكال الإيحاء في اللغة العربيّة
هنالك العديد من الأشكال للإيحاء في اللغة العربية، أهمّها ما يأتي:
- الرمز
وجد الشعراء ذوو النزعات الإيحائيّة في الشعر العربي أنّ الرمز يُعبّر عمّا يجول في خواطرهم، فكثّفوا الرموز في قصائدهم؛ ولذلك ظهرت مدرسة نقديّة تُسمّى بالمدرسة الرمزية ، ومن أهمّ الأمثلة على الرمز في الشعر العربي قصائد جبران خليل جبران التي تميّزت بالإرهاصات الرمزية الحديثة، كما في قصيدة شجانا نوح شاديها: شجانا نوح شاديها
- وتصويع بواديها
بلاد آانت النعمى
- تراءى في مغنيها
فماذا أنزلت فيها
- من البؤس أعاديها
آوارث أفحشت
- فتهيب الرقام محصيها
رمتها النكبة الكبرى
- بجيش من دواهيها
جنود لا عداد لها
- بها غصت نواحيها
فهبت للزياد ولم
- يرعها بأس غازيها.
- الكناية
يلجأ الشعراء للكناية لغرض تمويه المعنى، وتُعدّ قصائد المتنبي من القصائد المليئة بالكنايات، ومن الأمثلة عليها: قصيدة "فراق ومن فارقت غير مذمم"، ويقول فيها:
رَحَلتُ فَكَم باكٍ بِأَجفانِ شادِنٍ
- عَلَيَّ وَكَم باكٍ بِأَجفانِ ضَيغَمِ
وَما رَبَّةُ القُرطِ المَليحِ مَكانُهُ
- بِأَجزَعَ مِن رَبِّ الحُسامِ المُصَمِّمِ
فَلَو كانَ ما بي مِن حَبيبٍ مُقَنَّعٍ
- عَذَرتُ وَلَكِن مِن حَبيبٍ مُعَمَّمِ.
- الاستعارة
إنّ الاستعارة أكثر أنواع البيان التي تُلبّي مطالب الأديب، وكان عبد القاهر الجرجاني يُعلي من شأنها، فالاستعارة لها القدرة على التخييل، والتصوير، ونقل المشاعر، ومن أهم الأمثلة عليها استعارة ابن الرومي في قصيدته "إن تطل عليك وتعرض":
نَزَعنا بِأَطرافِ الأَحاديثِ بَينَنا
- وَمالَت بِأَعناقِ المَطِيِّ الأَباطِحُ.
أهمية الإيحاء في اللغة العربيّة
أجمعَ النقّاد والبلاغيّون على أنّ للإيحاء أهميّة كبيرة في اللغة العربيّة، ومن الأمور التي يُمكن للإيحاء أن يُثريها في الأدب ما يأتي:
- تعزيز الإيجاز والابتعاد عن الحشو الذي لا يُفيد القارئ، وبهذا يُصبح النص أكثر جاذبيّة، ويُبعد القارئ عن الملل.
- إيصال المعنى المُراد من خلال المجاز، فقد ورد عن اللغويين أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة؛ وذلك يُساعد على تعزيز التواصل بين الناس.
- تعزيز التخييل عند القارئ، لِما له من أهميّة كبيرة عند الفلاسفة، ممّا يجعل ذِهن القارئ أكثر اتقادًا، ويُوسّع من مداركه، ويزيد من فهمه.
أمثلة على الإيحاء في اللغة العربيّة
هنالك العديد من الأمثلة على الإيحاء في اللغة العربيّة، سواء أكانت في الشعر أم في النثر، ومن أهم الأمثلة عليه ما يأتي:
الجملة | التوضيح |
قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} | ظهر في الآية الكريمة أسلوب إيجاز القصر، وذهب ابن الأثير إلى أنّ هذا الأسلوب من أكثر الأساليب البلاغية إيحاءً؛ لغزارة المعاني. |
قول أبي نواس: حامل الهوى تعب ::يستخفه الطرب إن بكى يحق له ::ليس ما به لعب تضحكين لاهيةً ::والمحب ينتحب | استخدم أبو نواس عنصر التجريد، كإيحاء لإخلاص الخطاب للمحبوبة، ويبوح عمّا يُعانيه من شوق وحب. |
قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} | يُسمّى هذا الأسلوب التعريض في البلاغة؛ وغالبًا ما يُستخدم لغايات تأديبيّة وتوجيهات أخلاقيّة، تتعلّق بسلوك الأزواج، وقد عدّه الزمخشري فرعًا من فروع الكنايات. |
قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} | يُسمّى هذا الأسلوب الإيحاء بالحذف، فالمقصود بِـ "جاء ربك" أي: جاء الحساب. |
نستنتج أنّ الإيحاء هو صوت اللغة الخفيّ في التكلّم، ويُعدّ من أساليب اللغة التي تُثري النصّ الأدبي، ومن أهم أشكاله: الرمز، والكناية، والتلميح، والتعريض، وله وظيفة رئيسة في تعزيز الفهم لدى مُتلقّي النص، وأكثر ما يُشاع استخدامه في الشعر العربي الحديث والمعاصر.