معنى الوعد والوعيد في القرآن الكريم
معنى الوعد في اللغة
الجذر (و ع د) وما يشتق منه يدل على الترجية، وتكون الأرض واعدة: إذا رجينا خيرها من المطر والأعشاب، وقد وعدت الأرض: إذا رجينا خيرها، ويدخل في المعنى ذاته: وعد فلان صاحبه بالأمر: إذا قال له إنَّه سيجريه له أو سينيله إياه.
و الحفاظ على الوعد وإنجازه من أفضل العادات العربية؛ لأنَّ إخلاف الوعد مما يُشين؛ "وإذا وعد إنسان وعدًا فعليه الوفاء به؛ لأنَّ مِن شمائل الكريم الوفاء بالوعود والعهود، قالت العرب: خلاف الوعد من أخلاق الوغد".
الفرق بين الوعد والوعيد
يرى بعض اللغويين كأبي عبيدة أنَّ الوعد والوعيد والميعاد بمعنى واحد، لكن المحققين ك ابن الأثير الجزري يفرقون بين اللفظين بأنَّهم جعلوا لفظ (الوعد) إذا تكرر ذكره في مكانٍ لم يُذكر فيه لفظ (الوعيد)؛ فهنا الوعد قد يُستعمل في الخير والشر، يقال: وعدته خيراً ووعدته شراً.
لكن إذا ذُكر اللفظان معاً في مَوضع واحد: فإنَّ لفظ (الوعد) يكون مختصاً بالخير و(الوعيد) يكون مختصاً بالشر. كما فرّق أبو هلال العسكري بين اللفظين فقال: "الفرق بينهما أنَّ الوعيد في الشر، بينما الوعد يصلح بالتقييد للخير والشر، غير أنَّه إذا أطلِق اختص بالخير، وكذلك إذا أُبهم التقييد كقولك: وعدته بأشياء".
إنجاز الوعد بالخير دليل الصدق وطلاقة القدرة
يستخدم القرآن الكريم لفظ (الوعد) وما يُشتق منه عندما يكون السياق في حق الله -جل جلاله- للدلالة على تحقق رجاء الراجي له، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، وهذه الآية جاءت بعد الحديث عن الوعد الكاذب للشيطان قومَه بالتأييد: (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).
ويراد بهذه المقارنة التفريق بين الوعد الإلهي الصادر من أصدق الموجودات وعداً وهو الله -سبحانه وتعالى-، وبين الوعد المكذوب للشيطان؛ فالله -جل جلاله- لا وعد أصدق من وعده الحق؛ لأنَّه هو الوحيد في هذا الكون القادر على أن ينجز كل ما يعد به، لكن الشيطان عاجز عن الوفاء، يُدلِّي أولياءه بغرور؛ فوعده باطل وقوله كذب وزور.
عدم إنجاز الوعيد من القادر دليل رحمته وعفوه
يَمدح الناس السلطان الذي يتوعد لمسيء، ويهدده بالعقاب ثم يخلف وعيده؛ لأنَّ ذلك يدل على رحمته وعفوه عند المقدرة، وتلك ذروة المروءة عند الكرام، ويروى في ذلك أنَّ عمرو بن عبيد قد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فسأله: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لا، فقال: أليس قد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيْهَا)؟
أجابه أبو عمرو: "من العُجمَةِ أُتِيتَ يا أبا عثمان! إنَّ العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خُلفاً وذماً، وإنما تعد إخلاف الوعد خُلفاً وذماً"، وبما أنَّ رحمة الله -سبحانه وتعالى- تسبق غضبه؛ فإنَّ وعيده -جل جلاله- قد يتخلف عن بعض مستحقيه لحكمة يعلمها.
وعلَّل يحيى بن معاذ سبب تخلُّف وعيد الله -تعالى- أحياناً لبعض الناس فقال: "الوعد والوعيد حق فالوعد: حق العباد على الله، ضمِنَ لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا، ومَن أولى بالوفاء من الله؟! والوعيد: حقه على العباد، قال: لا تفعلوا كذا فأعذبكم، ففعلوا، فإن شاء عفا وإن شاء أخذ؛ لأنَّه حقه، والله -تبارك وتعالى- عفو وكريم وهو غفور رحيم".