معنى الإيثار
الإيثار لغةً واصطلاحًا
يعرف الإيثار في اللغة على أنه التَّقديم أو الاختصاص، فعندما نقول آثر فلان بشيءٍ ما، أي: اختار الشيء لنفسه، وتأتي كلمة "إيثار" للتَّفضيل.
وأما في الاصطلاح؛ فيعرف الإيثار على أنه تقديم مصلحة الغير على النّفس لكسب الحظوظ الدينيَّة لا الدُّنيويَّة، فإذا كان خلف الإيثار منفعةٌ أو مصلحةٌ دنيويَّة فلا يعدُّ بذلك إيثاراً، وعُرِّف أيضاً بأنَّه تقديم حظ الغير على حظ النَّفس، دون منفعة أو طلب ما يعوِّضه أو غير ذلك.
وفيما يتعلق بالدّيانة الإسلاميَّة فخلق الإيثار من الأخلاق التي دعاء لها الإسلام، وقد ورد ذلك في العديد من النصوص، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
كما برز هذا الخلق في فعل النّبي -صلى الله عليه وسلم- ووصاياه؛ إذ ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشرَ المُهاجرينَ والأنصارِ، إنَّ مِن إخوانِكُم قومًا ليسَ لَهُم مالٌ ولا عشيرةٌ، فليَضمَّ أحدُكُم إليهِ الرَّجُلَيْنِ أوِ الثَّلاثةِ، فما لأحدِنا من ظَهْرٍ يحملُهُ إلَّا عقبةٌ كعقبةِ، يعني أحدِهِم).
فوائد الإيثار
للإيثارِ توابعٌ عظيمةٌ وفوائدُ كثيرةٌ تعود على الفرد والمجتمع، منها ما يأتي:
- تحقيق لإيمان المؤمن وكماله؛ إذ إنَّه يؤثر غيره على نفسه طلباً للأجر من الله سبحانه.
- الإيثار دليل على حسن الظنَّ بالله تعالى.
- سبب لجلب البركة والخير للمؤمن.
- يبعد المسلم عن التكبُّر والأفعال المذمومة، إذ إنَّ نفس المؤمن الذي يؤثر غيره عالية عن سفاسف الأمور.
- يزيد من الألفة والمحبة بين الناس، وذلك من خلال التَّعاون وإيثار بعضهم على بعض.
- يصل الإيثار بالعبد إلى دار الفلاح؛ إذ إنه يقي العبد من الوقوع في الشح المذموم.
- العبد الذي يؤثر غيره على نفسه يرزقه الله التعالى حسن الخاتمة.
- الإيثار طريقٌ موصلٌ لله -سبحانه وتعالى-.
شروط الإيثار
يحتاج الإيثار لشروط معيَّنة حتى يكون مقبولاً عند الله -سبحانه وتعالى-، ومن هذه الشروط ما يأتي:
- الإيثار في الواجبات من المحرَّمات عند العلماء؛ فلا يجوز للعبد أن يآثر بفرضٍ قد فرضه الله عليه وأمره به، فإنَّ ذلك ضياعٌ لأوامر الله -سبحانه وتعالى-.
- أن لا يكون إيثارُ العبدِ على القربات التي تقرِّبه من ربه -سبحانه وتعالى-؛ فلا يجوز للعبد أن يؤثر الصَّف الأول لمسلمٍ آخر ويرجع إلى الصَّف الثاني مثلاً، فالإيثار بهذه الصُّورة لا يجوز، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
- أن يكون الإيثارُ لمن يستحقُّ، فمن أراد أن يؤثرَ بمالٍ فلا يضعه لغنيٍّ مثلاً، بل يحاول أن يؤثر بهذا المال على من لا مال له، فهذا أعظمُ أجراً عند الله -سبحانه وتعالى-.
أسباب ودوافع الإيثار
للإيثارُ أسبابٌ ودوافعُ كثيرة تدفع المسلم للقيام به، نورد منها الآتي:
- الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-، وإخلاص العمل له، فمن كان يسعى إلى الآخرة وإلى رضى الله -سبحانه وتعالى- فلا تفوته حسنةٌ ولا يفوته أن يتحلَّى بالأخلاق الكريمة.
- اللين والرَّحمة؛ فأصل الإيثار الرَّحمة واللين واللذان يكونان في قلب المسلم.
- أن يكون العبد دائم التَّذكر للموت وللقاء الله والآخرة، فهذا الباب من أعظم الأبواب التي تجعل المؤمن يعمل الخير ويحب للآخرين ما يحبه لنفسه، لأنَّه يعلمُ يقيناً أنَّه في يومٍ من الأيام سيموت، ويحاسبه الله -سبحانه وتعالى- على أعماله.
- تعظيم الأخلاق الحسنة وامتثالها هو سبب لأن يكون صاحبها محبوباً ومحموداً بين النَّاس، فقد جبل الله -سبحانه وتعالى- قلوب العباد على محبة الأخلاق الحسنة وأصحابها، وإنَّ من أعظم الأخلاق المحبّبة بين الناس خلق الإيثار.
- طرد الشّح، فمن التزم بالإيثار عرف أنَّه لا مكان للشُّح في نفسه.
- الرّغبة في التحلِّي بمكارم الأخلاق؛ فالإيثارُ كرمٌ لا يفعله إلَّا كريمُ النَّفس، ومن تمسَّك به كان من أهل الأخلاق الحسنة.
الديانات التي دعت إلى الإيثار
الإيثارُ خلقٌ عظيمٌ حثَّت عليه شريعتنا الإسلاميَّة؛ لما في ذلك من فوائد عائدة على الفرد والمجتمع، وإنَّ من أهم الدِّيانات التي دعت إلى الإيثارالديانات الآتية:
- الإسلام
- المسيحية
- اليهودية
- البوذية
إنَّ من أهم ما يميُّزنا كأمَّةٍ إسلامية الأخلاق الفاضلة التي نعامل بها بعضنا البعض، والإيثار واحد من هذه الأخلاق، فهو خلقٌ فضيل يُحبب الناس في المسلم الذي يتثملهُ، كما أن الله تعالى يجازي فاعله بالدَّرجات العلى في الآخرة؛ لكن ينبغي للإيثار أن لا يكون بشيء من الواجبات أو الفرائض حتى يكون مقبولاً عند الله تعالى، ولمَّا كان للإيثار النفع الكبير على الفرد والجماعة، فقد حثَّ عليه عددٌ كبيرٌ من الديانات.