مظاهر السلم الاجتماعي في الإسلام
مظاهر السلم الاجتماعي في الإسلام
السِّلْم في اللغة هو الصلح، ويُقصد بمصطلح السلم الاجتماعي: حالة التصالح والتسامح والوئام والانسجام بين أفراد المجتمع، وبين القوى والشرائح الموجودة داخله، ومفهوم السلم الاجتماعي في الإسلام يشمل كلّ الأمور المادية والمعنوية في المجتمع، وهو حقٌ لجميع الأفراد والجماعات، مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
وهو يتضمن مقاصد الشريعة الخمسة ، من حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض، ويُعدُّ السلم الاجتماعي في الإسلام ضرورةً وفريضة، والدليل على مشروعيته قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ".
وقد أكّد القرآن الكريم مضامين السلام في سورٍ قرآنيةٍ عديدةٍ وآياتٍ كثيرةٍ، حتى أصبح السلام هو الميزة البارزة لهذا الدين الحنيف؛ لأنّ هذا الدين يحرص بشدّة على دعوة أعدائه إلى الإسلام والسلم بدلاً من محاربتهم؛ لأنّ الحرب والقتال ليس مقصوداً لذاته فيه.
ولأنّ دين الإسلام جاء لإرشاد الناس جميعهم إلى سبيل الله -تعالى-، فمقصده وغايته نشرالأُلفة والمودة، ونبذ التنازع والتخاصم، ونشر السلام والإسلام في كلّ بقاع الأرض، وذلك ما أرشدت إليه الآيات الكثيرة التي احتوت على الجذر اللغوي "سلم" وما يدور في فلك معناه من الأمن والإصلاح.
مظاهر السلم الاجتماعي في الإسلام
المساواة ونبذ التفرقة والتمييز
إنّ المساواة بين أبناء المجتمع هي من أهم مظاهر السلم الاجتماعي في الإسلام، والمساواة مبدأٌ عظيمٌ من مبادئ الإسلام ، وأصلٌ ثابتٌ من أصوله، فقد جاء الإسلام محارباً لكلّ أشكال التفرقة والتمييز، مهما كان سبب التفرقة والتمييز، فالإسلام لا يعترف بالعصبية القبلية، وليس لديه تمييزٌ عنصري على أي أساسٍ كان.
ويتجلى هذا المبدأ في قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناسُ، إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى).
العدل والإحسان
إنّ الإسلام هو دين العدل والإحسان، ولم يعرف التاريخ عدلاً كعدل الإسلام ، فهو سمةٌ واضحةٌ في هذا الدين، وقد جاءت النصوص الكثيرة داعيةً إليه وآمرةً به، ومنها قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، وقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)، فالعدل والإحسان من أهم أسباب ومظاهر السلم الاجتماعيّ.
وإذا ساد العدل والإحسان في المجتمع؛ ساد السلام والوئام، وانتشر الأمن والطمأنينة فيه، وقد أكدَّ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى وشددَّ على خطورة التهاون فيه بقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).
التعاون والتآخي والتكافل
أمر الإسلام أبناءه بالتعاون في كلّ خيرٍ، وعلّمهم أنّهم إخوةٌ ما دامت تجمعهم رابطة الدين و الإيمان ، فالتعاون والتآخي خلقٌ إسلاميٌ عظيم، وصفةٌ إيمانيةٌ عظيمة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،وقال أيضاً: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وإذا التزم المسلمون بأمر الله -تعالى- صنعوا مجتمعاً سليماً وسالماً من كلّ شرٍّ، تسوده المحبة ويعمه السلام، وهذا ما حدث فعلاً عندما آخى الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وتكافل المسلمون فيما بينهم؛ فساعدَ الغنيُّ منهم الفقير، وأعانَ القوي منهم الضعيف.
وقد حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذا التكافل بقوله: "الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ" .