مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
إعجاز القرآن
قضى الله -تعالى- أن يؤيّد رُسله بالمعجزات الدّالة على صدقهم، فقد خلق الله -تعالى- الرسل دون أن يُميّزهم عن غيرهم في الأُمور المادية، لذلك ذهب العلماء إلى أنَّ المعجزةَ مقترنةٌ بالرسالة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبيٌّ إِلَّا أُعطي من الآيات ما مثلهُ أُومن، أَو آمن، عليه البشرُ، وإنَّما كان الذي أُوتيت وحياً أوحاهُ اللَّه إِليَّ، فأرجو أنِّي أكثرُهُم تابعاً يوم القيامة)، والمعجزة في اللغة تقابل العجز وعدم القدرة، أمَّا في الاصطلاح الشرعي؛ فهي "أمرٌ خارقٌ للعادة، مقرونٌ بالتحدي، سالمٌ من المعارضة، يُظهره الله على يد رسله"، وشاء الله -تعالى- أن تكون معجزة الرسل من جنس ما اشتهر به أقوامهم، فكانت معجزة موسى -عليه السلام- السحر ، وهو ما اشتهر به قومه، أمَّا عيسى -عليه السلام- فقد كانت معجزته الطب، فقد أيّده الله -تعالى- بإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص.
أمَّا معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كانت من جنس ما برع به العرب، واشتهروا به من الفصاحة والبلاغة، فكان القرآن الكريم معجزته الذي يُعدُّ المعجزة الخالدة، والدستور الإسلامي الصالح لكل زمانٍ ومكانٍ، كما تحداهم الله -تعالى- أن يأتوا بمثله، أو بمثل عشر سورٍ منه، أو بمثل سورة، فما كان منهم إلا العجز، وقد أثبت القرآن الكريم عجزهم عن الإتيان بمثله.
مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم عن حقائق علمية لم تعرفها البشرية زمن نزول القرآن الكريم، ولم تُكتشف إلا في يومنا هذا، ويُعدُّ هذا الإعجاز من أقوى الأدلة على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنَّ القرآن الكريم من عند الله تعالى، فهو الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومن الحقائق العلمية التي ذكرها القرآن الكريم ما هو عامٌ، ومنها ما هو مفصّلٌ، ومن الجدير بالذكر أنَّ القرآن الكريم ليس كتاب للعلوم، ولكنَّه حوى قبساً منها؛ لتحقيق الهداية للبشرية، ودليلٌ على أن القرآن الكريم من عند الله تعالى، وحتى لا تكون آيات القرآن مقتصرة على جيلٍ من الأجيال، وقد شهد النّاس في يومنا هذا تقدماً علمياً مذهلاً، فهم بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى الإقناع العلمي، فالعلم وسيلةٌ للإيمان بالله -تعالى- إيماناً يقيناً، والقناعات المستندة إلى الحقائق العلمية من أكثر القناعات فاعلية، فالإيمان ليس مجرد تخمين أو تقليد، وإنَّما هو إقناعٌ مستندٌ إلى العلم.
ولم يتطرق العلماء القدامى إلى هذا النوع من الإعجاز، فقد كان جلُّ اهتمامهم يتمحور حول بلاغة القرآن الكريم، ومن الآيات القرآنية الدالة على الحقائق العلمية: نظرية تمدّد الكون، فقد وصف القرآن -الكريم- الذي نزل قبل أربعة عشر قرناً الكون، بقول الله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، والسماء في القرآن تأتي بمعنى الكون، وفي الآية إشارة إلى أنَّ الكون يتَّسع ويتمدَّد، وقد أيَّد العلم الحديث هذه الحقيقة بواسطة التقنيات الحديثة، حيث ذهب عالم فلك أمريكي إلى أنَّ المجرَّات والنجوم تتحرك بعيداً عن بعضها البعض.
ومن الآيات الدالة على الإعجاز العلمي، قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، حيث إنّ الفعل تجري لا يقتصر على الحركة الظاهرية التي يراها النّاس عند إشراقها، وإنّما تُشير إلى حركةٍ واقعيةٍ أثبتها العلم، بأنَّ الشمس تدور حول محورها مرة كل خمسة وعشرين يوماً، ومنها قول الله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ)، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ البحر الأبيض المتوسط في لقائه مع المحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق بينهما برزخ ، وعند عمل تحليل كيميائي لجزيئات الماء تبيَّن أنَّ البحر المتوسط أكثر ملوحةً وحرارةً من الأطلسي، فالقرآن وحي أنزله الله -تعالى- بلفظه ومعناه المُعجز.
ضوابط الإعجاز العلمي
تُساعد ضوابط الإعجاز العلمي في إرشاد الباحثين في هذا المجال، خاصة في هذا الوقت الذي كَثُر فيه الكاتبين في هذا القسم من الإعجاز، لأهميته في الدعوة إلى الله تعالى، ولِما يتميَّز به هذا العصر من الاكتشافات العلمية، ولمَّا كثُر الباحثين كثُرت المزالق، فكان هذا الإقبال حافزاً لوضع ضوابط مانعة من الأخطاء لحل الخلاف بين المؤيّدين والمعارضين للتفسير العلمي، ومن هذه الضوابط:
- الاستفادة من حقائق العلم عند تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، مع التأكد من تجاوز الحقيقة لمرحلة النظرية.
- عدم تحميل الآيات القرآنية من أوجه المجاز ما لا تحتمل، يقول ابن عثيمين رحمه الله: "الإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره، لا ننكر أن في القرآن أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة، لكن غالى بعض الناس في الإعجاز العلمي، حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة، وهذا خطأ".
- عدم البحث في أمور الغيب، مثل: موعد الساعة، والجنّة، والنّار .
مثال على الإعجاز العلمي في آيات السمع
فرَّق القرآن -الكريم- بين السَّمع، والإصغاء، والاستماع، والإنصات، فالسمع يكون بقصدٍ أو بدون قصد، قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، أمَّا الاستماع فلا يكون إلا من أجل الاستفادة، قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)، والإصغاء لا يكون إلا بالتركيز، وتفاعل القلب، أمَّا الإنصات فهو ترك الأشغال، والتفرغ الكامل للاستماع، وقد ذكر القرآن -الكريم- أنَّ السمع في الآخرة يكون من وسائل التنعيم والتكريم للمؤمنين ، بالتالي فالحرمان منه من أنواع العذاب التي ستعدّ للكافرين.
التفريق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي
يحتوي القرآن -الكريم- على دلالاتٍ علميةٍ لا تتعارض بحالٍ من الأحوال مع الحقائق، بخلاف النظريات العلمية القابلة للصواب والخطأ، والتي تحتاج إلى التطوير والتغيير، ومن الجدير بالذكر أنَّ عدم وجود دليل على البحث العلمي من القرآن والسنة لا يعني المخالفة، مثل ذكر مراحل تحلل الجثث فهي لا تُخالف الشرع، أمَّا عن الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي؛ فإنَّ التفسير العلمي اجتهاد من المُفسر يكشف به الارتباط بين آيات القرآن الكريم وما يُكتشف في العلم التجريبي، وعلى المفسر أن يُميّز بين النظريات والحقائق، ويقتصر في تفسيره على الحقائق، فالتفسير العلمي قابلٌ للبحث والمناقشة بخلاف الإعجاز العلمي؛ فهو من المُسلَّمات التي أقرَّ بها المؤيّدين والمعارضين للتفسير العلمي؛ لإدراكهم أنَّ القرآن لا يتعارض من الحقائق العلمية.