مراحل توسعة المسجد النبوي
مراحل توسعة المسجد النبوي
قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ببناء المسجد النبوي في السنة الأولى التي هاجر بها من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقد اتّخذ رسول الله من النخيل جدراناً له ومن الجريد جعل السقف، ورفع السقف عن الأرض ما يقرب من المترين وأكثر بقليل؛ وذلك حتى يسعه حين يقف على الجذع إذا أراد أن يخطب بالناس، وذكر النووي أنّ مساحته قد بلغت سبعين ذراعاً بستين، وهو ما يساوي ألف وثلاثون متراً مربعاً.
وبقي المسجد على هذا البناء والاتساع دون تغيير فيه من العام الأول للهجرة، وحتى العام السابع من الهجرة، ثمّ قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بتوسعته، وما زالت هذه التوسعة منذ ذلك الحين إلى عصرنا الحاضر.
التوسعة في زمن الرسول عليه السلام
ازدادت أعداد المسلمين بعد غزوة خيبر حتى لم يعد المسجد يتّسع لهم، فاشترى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أرضاً مجاورة لأرض المسجد من عثمان بن عفان -رضيَ الله عنه-؛ ودفع له عشرين ألفاً أو خمسة وعشرين ألفاً.
ومدّ أرض المسجد إلى هذه الأرض وجعلهما أرضاً واحدة، وابتدأ المسلمون بالعمل في التوسعة جميعاً، وكان رسول الله أولهم، حتى صار اتّساع المسجد مئة ذراع بمئة ذراع، ما يقرب من الألف وأربعمئة وخمسة وأربعين متراً.
التوسعة في عهد الخلفاء الراشدين
بقي المسجد النبوي على حاله طيلة الفترة التي تولّى فيها أبو بكر الصديق - رضيَ الله عنه-، ثمّ لما تولّى عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- الخلافة وقام بتوسعة المسجد، والعمل على جعل بنائه ذا متانة أكبر؛ فوضع اللّبِن والجريد فوق ما كان رسول الله قد وضعه، وجعل أعمدته من الخشب.
وكان-رضيَ الله عنه- قد حرص على عدم وضع أيّ زخارف أو زينة ونهى عن ذلك، فقد روى البخاري معلَّقاً عن عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- فقال: (أَكنَّ النَّاسَ منَ المطرِ، وإيَّاكَ أن تحمِّرَ أو تصفِّرَ فتفتنَ النَّاسَ).
ولمّا تولى الخلافة عثمان بن عفان -رضيَ الله عنه- قام بتغييرات كبيرة وتوسيعات في المسجد النبوي، وأضاف النقش إلى جدرانه، فقد أعاد بناء جدران المسجد باستخدام الحجارة المنقوشة والقصّة، وكذلك أعمدته، واستخدم في سقفه السّاج.
وذلك بعدما تأوّل قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن بَنى مَسجدًا للَّهِ كمِفحَصِ قَطاةٍ، أو أصغرَ، بَنى اللَّهُ لَهُ بيتًا في الجنَّةِ)، واستشار الصحابة فأشاروا عليه بذلك، فقام بفعل ما فعل، إضافةً إلى ما قام به من فتح نوافذ في أعلى الجدران قريباً من السقف.
توسعة الوليد بن مروان
أراد عبد الملك أن يوسع في المسجد النبوي من خلال فتح حجرات أمهات المؤمنين -رضيَ الله عنهنّ-، على المسجد النبوي ممّا يؤدي إلى اتّساعه، لكنّ الناس لمّا علموا بالخبر اعترضوا اعتراضاً شديداً؛ حتى بدأ الناس بالبكاء كأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد توفي يومها، فباءت هذه المحاولة من قبل عبد الملك بن مروان بالفشل.
ثمّ لما تولّى الخلافة الوليد بن عبد الملك كان حينها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أميراً على المدينة، فأراد أن يقوم الوليد بما لم يستطع عبد الملك القيام به، ثمّ ازدادت ثقته بقدرته على القيام بما يريد من خلال ثقته بموافقة عمر بن الخطاب على ذلك.
ثم أرسل إلى عمر يخبره، فلمّا علم عمر -رضي الله عنه- جمع فقهاء المدينة وأخبرهم بما يريد الوليد واستشارهم في الأمر، فما كان منهم إلّا أن وافقوا، فلمّا وافق الفقهاء ورأى الناس موافقتهم وافق عامة الناس.
فقام عمر بن الخطاب بإدخال حُجُرات زوجات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التسعة في المسجد، وقام أيضاً بشراء الأرض المجاورة للمسجد وضمّها إليه، وأقام البناء ووضع الزخرفة عليه، وقدّم القبلة والمحراب، ورفع المئذنة.
وكان ذلك أول انتشار للمآذن في بلاد الشام تشبّهاً بمئذنة المسجد النبوي، وقد وصل اتّساع المسجد بعد هذه التوسعة إلى مئتي ذراع في الطول، ومئتي في مقدمة العرض، ومئة وثمانين ذراعاً في مؤخرة عرضه.
التوسعة في العصر الحديث
شهد المسجد النبوي في العصر الحديث في عهد الملك فهد بن عبد العزيز توسعة لم يشهدها في أيّ عصر من العصور قبله؛ فقد قام بالتعمير والتوسعة والتحسين، ورفع المآذن، وإضافة الساحات، وفتح أبواب جديدة، كما وضع سلّماً يصل بالناس إلى سطح المسجد.
وعمل على تحسين الطابق الأرضي والعلوي، ووضع القباب المتحركة التي يتحكّم بها العاملون في المسجد من خلال الحواسيب، وعمل على نظام تكييف وتبريد كهربائي، وفتح ساحات مصفّات للسيارات، ثمّ قام بوضع كاميرات وأجهزة إنذارات حديثة، إضافة إلى تزويد المسجد بشبكة اتصلات حديثة.