مدينة وليلي المغربية
مدينة وليلي
تُدعى أيضاً مدينة فولوبيليس ، وهي واحدة من أفضل الآثار الرومانية المغربية، والتي تأسست قبل العصر المسيحي؛ حيثُ كانت جزءاً من الأراضي الموريتانية، وكانت المركز الإداري لمملكة موريتانيا في ذلك الوقت، ونمت المدينة وتطوّرت في القرنين الثاني والثالث الميلادي حتى امتدت إلى 42 هكتاراً، وسكنها نحو 20,000 نسمة، وبُنيَت فيها المساكن الكبيرة، والحمامات العامة، وتميّزت بوجود أقواس النصر، كما تميّزت بالفسيفساء والتي لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم، واشتهرت بإنتاجها للزيتون الذي كان يمثّل الثروة الطبيعية فيها.
وقد كان أقصى توسُّع للمدينة هو 42 هكتاراً في الفترة 168-169م، وحينها تمت إحاطتها بسور كبير يشتمل على أبراج شبه دائرية وسبعة أبواب من أهمها باب الكوى الثلاث، وفي عهد الإمبراطورية الرومانية بُنِيَت في المدينة صروحاً شامخة، مثل: مبنى البازيليك، ومقرّ الحاكم، وقوس النصر ، وازدانت بالفسيفساء والنقوش، ولم تكن المدينة خالية من حدوث التوترات السياسية على المدى الطويل، ففي عام 40م بدأ سكانها بالثورة على الإمبراطورية الرومانية؛ الأمر الذي أدّى إلى إصدار قرار بإعفائهم من الضرائب لمدة عشر سنوات لتهدئة الأوضاع؛ إلّا أنّ شعب الأمازيغ عاد للثورة، ونتيجة الضغط على الإمبراطورية الرومانية من قِبَلهم انسحب الرومان من المدينة في عام 285م.
وقد وصل الإسلام إلى المنطقة في القرن الثالث الميلادي مع بقاء سكان المدينة المحليين الذين واصلوا احتلالهم لها حتى القرن الحادي عشر، وبقيت مأهولة بالسكان، كما حافظت على مكانتها كعاصمة لعدة قرون حتى بعد انسحاب الرومان منها؛ إلّا أنّذها فقدت مكانتها ومركزها الإداري عندما تم إنشاء مدينة فاس، وعندها انتقل السكان للعيش في قرية مولاي إدريس الجبلية، وفي القرن التاسع عشر ضرب زلزال المنطقة ودمر أغلب المباني فيها، إلّا أنها صُنفت في عام 1997م على أنّها تراثاً عالمياً إنسانياً؛ حيث أصبحت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو ، وهي اليوم من أهم المواقع الأثرية المغربية التي يزورها آلاف السياح سنوياً سواء من داخل المغرب أو خارجها، ومع دمار المدينة إلّا أنها لا تزال تدل على حضارة عريقة بين الأنقاض والتي بدأت قيل الميلاد واستمرت حتى دخول الإسلام إليها، وتتجلى حضارتها في الأقواس والممرات فيها.
تاريخ مدينة وليلي
تطورت مدينة وليلي وازدهرت منذ القرن الثالث قبل الميلاد إلى عام 40ق.م، وكان ذلك في ظل حكم الملوك المستقلين، وهم: بوخوس الأكبر، وبوغود الأول وبوغود الثاني، وبعد اغتيال الملك بطليموس في عام 40ق.م من قِبَل كاليجولا، سيطر الإمبراطور كلوديوس على المنطقة، وقسمها إلى قمسين، هما: قسم غربي وعاصمته طنجة ، وقسم شرقي واقع في الجزائر، وتم اعتماد مدينة وليلي أو فولوبيليس لتكون بلدية رسمياً، ومنذ عام 40ق.م إلى عام 285م، نمت المدينة واتسعت بشكل كبير جداً، وبُنيت فيها العديد من الأماكن الحضرية، والأماكن العامة مثل الحمامات الساخنة والمعابد، وشُقّت الطرق الواسعة، بالإضافة إلى إنشاء جدار يحيط بالمدينة في الفترة 168-169م على يد ماركوس أوريليوس، وكان في الجدار بوابات تربط المدينة بالعالم الخارجي.
وفي الفترة 193-235م بُنيت المنازل الفخمة وانتشرت الفسيفساء بشكل كبير، ومنها فسيفساء أورفيوس، والفسيفساء الي تزيّن جدران حمام ديانا، بالإضافة إلى أعمال هرقل، وأنشئت العديد من المخابز والمطابع وازدهر الاقتصاد، وفي نهاية القرن الثالث الميلادي بدأت حضارة المدينة بالتراجع؛ حيث أمر الإمبراطور ديوكليتس الإدارة الرومانية والجيش بترك المدينة وإخلائها، أما بقية السكان فقد رحلوا إلى الجهة الغربية من قوس كاراكالا، وبنوا جداراً لحمايتهم، واستمروا في إنشاء الهياكل والمباني، وقد وُجِدَت بعض الآثار والنقوش المكتوبة باللغة اللاتينية في الفترة 599-655م، والتي تدل على أن السكان كانوا ينتمون إلى المسيحية، أما وجود العرب المسلمين فقد دلّت عليه بعض المصادر العربية مثل القطع النقدية، والتي أشارت بدورها إلى وجود إسلامي في بداية القرن الثامن الميلادي، إلّا أنّ تركز السلطة الإسلامية بدأ بوصول إدريس الأول والذي أسّس مع ابنه أول سلالة عربية إسلامية في المغرب ، وكانت مدينة وليلي عاصمة المملكة الإسلامية الجديدة.
وبعد اغتيال إدريس الأول تخلّى ابنه إدريس الثاني عن المدينة إلى فاس ، والذي جعلها بدوره عاصمة الأسرة الحاكمة، وواصلت المدينة تطوّرها وأصبحت تستقبل العديد من المستوطنين، واستمرت في الازدهار إلى عام 1086م؛ حيث بدأت بالانهيار، وقد عاش الناس في المدينة لأكثر من 1,000 عام؛ إلّا أنّها تعرضت للانهيار والخراب في القرن الثامن عشر، عندما تم استخدام حجارة أبنيتها بعد هدمها لبناء قصور مولاي إسماعيل في مدينة مكناس ؛ الأمر الذي حدّ من بقائها لتصبح من أفضل مواقع التراث الروماني المحفوظ، وبقي جزء من المدينة ماثلاً إلى الآن ويتميز بوجود الفسيفساء، كما يجذب السياح إليه من مختلف الأنحاء، ونُقِلَت العديد من الآثار إلى متحف أثري قريب من القصر الملكي في مدينة الرباط، والجدير بالذكر أنّه بعد عام 1915م، بادرت المحمية الفرنسية في بدء أعمال الحفريات في مدينة وليلي لاستكشاف تاريخها الطويل الذي يحمل بين طياته العديد من المجتمعات المتعاقبة لعدة قرون.
موقع مدينة وليلي
تقع مدينة وليلي شمال أفريقيا في دولة المغرب، وتقع بين مدينتي فاس ومكناس؛ حيث تبعد نحو 58كم خارج مدينة فاس التاريخية، كما تبعد نحو 29كم عن مدينة مكناس ، أما عن مدينة مولاي إرديس زرهون فتبعد نحو 3كم، وتقع على ارتفاع 400 متراً على سهل ثلاثي الشكل، يحدّه من جانبيه نهران صغران، وهما: وادي فرتاسا ووادي خومان، أما اسم وليلي فقد سماها العرب به، كما أطلقوا عليها اسم قصر فارون أو قصر فرعون، وقد تم إثبات هذه الأسماء من خلال المصادر العربية المدونة والكتابات اللاتينية والنقود المعدنية التي تعود إلى العصر الإدريسي وما قبله.
المعالم الأثرية في مدينة وليلي
تجذب بقايا الآثار في مدينة وليلي العديد من الزوار من مختلف الأنحاء، وقد تمّ تصنيفها ضمن قائمة التراث والمواقع الأثرية التابعة لمنظمة اليونسكو، وتحتوي المدينة على بقايا آثار رومانية قديمة، وللمدينة أهمية تراثية كبيرة لما تحمله من مظاهر التنمية الحضرية الرومانية واللاتينية والتي تتجلّى في الكتابات اللاتينية والرسومات التوضيحية التي تربط بين الثقافات الرومانية الأصيلة، وتتمتّع المدينة بموقع غني ذي إطلالة رائعة من مناطق شمال أفريقيا، وتوجد في المدينة بعض الآثار الدالة على النشاط القديم المتمثّل في وجود مصانع للنفط، بالإضافة إلى وجود المخابز، كما عُثر في عام 1946م على تمثال برونزي يحمل بين ثناياه الكثيرمن المعاني الأثرية المتعلقة بالمدينة، كما وُجِدَت فيها الحمامات البخارية التي ترجع إلى فترة من الفترات العربية، وفيها العديد من لوحات الفيسفساء القديمة التي تُعطيها طابعاً فنياً فاخراً.