مدرسة براغ الوظيفية
مدرسة براغ الوظيفية
هي إحدى المدارس اللغوية التي تأثرت بثنائيات سوسير وآرائه في اللّغة، في البداية عُرفت هذه المدرسة باسم نادي براغ اللّساني، والتي قام على تأسيسها العالم التشيكي فيلام ماتيزيوس، مع مجموعة من معاونيه اللّغويين الروس الهاربين من تعسُّف الثورة الشيوعية في موسكو سنة 1926م، وفي وقت لاحق عُرف هذا النادي بمدرسة براغ أو المدرسة الفونيمية، بلغت المدرسة ذروة نفوذها في الثلاثينات.
ولا يزال نفوذها مستمراً حتى الآن، لم تقتصر هذه المدرسة في عضويتها على لسانيين مقيمين في براغ فقط على خلاف بقية المدارس، وإنما ضمَّت كثيراً مـن الباحثين المتخصصين في اللغات السلافية من تشيكوسلوفاكيا وخارجها، ومن هؤلاء الباحثين اللساني البولندي رومان جاكبسون، والفيلسوف جان موكرسفسكي، الذي قام بوضع مبادئ الجمالية بمدرسـة بـراغ.
وكذلك نيكولاي تروبتسكوي وكارل بوهلر، وترينكا وفاشيك الذين كانوا يشاركون المدرسـة أصـولها وأفكارها الأساسية،ومن الأمور التي غلبت على أصحاب هذه المدرسة الاهتمام بالصوتيات، ثم الاهتمام بالوظائف اللغوية، أو المهام التي تؤديها اللغة.
وقد وضعوا على منهاجهم الخاص بالدراسة الصوتية عنوان الصوتيات الوظيفيـة، والتي تعتبر إحدى فروع اللسانيات الحديثة حيث تتولى دراسة المعنى للنمط الصوتي ضمن نظام اللغة الشامل، واستخراج كل الفونيمات وضبط خصائصها وتحديد كيفية توزيع ألوفوناها.
مبادئ مدرسة براغ الوظيفية
تقوم مدرسة براغ على مجموعة من المبادئ وهي كالآتي:
- اللغة حقيقة واقعة، وظاهرة طبيعية فعلية، يشرط نموذجها بعوامل خارجية أي إنها غير لغوية كالمحيط الاجتماعي، السامعون، الموضوع، ومن خلالها يمكن التمييز بين لغة الأدب ولغة الثقافة، ولغة المجلات العلمية والصحف.
- تقوم بالتركيز على دراسة الوظيفة الحقيقة للغة، والتي تتمثل في الاتصال وكيفياته ومناسباته ولمن يوجه، لأنَّ اللغة عبارة عن نظام للاتصال والتعبير والتي تستخدم من أجل الرقي والتفاهم المشترك.
- عدم تطابق اللغة المنطوقة مع المكتوبة، فلكلِّ واحدة منهما مجموعة من الخصائص الخاصة بها والتي وجب على اللغوي فحص العلاقة بينهما.
- اشتمال البحث اللساني على العلاقة بين البنية اللسانية والأفكار والعواطف التي توصلها هذه البنية، وذلك لأنَّ اللغة كثيرة الصلة بالمظاهر العقلية والنفسية للشخصية الإنسانية.
- المنهج المقارن في علم اللغة مطلوب.
- عدم فصل الظواهر المورفولوجية عن الظواهر الفونولوجية، فغالبًا ما ترتبط التقابلات الفونيمية بالتغيرات الصرفية.
أعلام مدرسة براغ
فيلام مثيزيوس
هو واحد من أهم العلماء، ليس في اللّسانيات فحسب، بل في اللّغة والأدب الإنجليزي أيضاً، ولد 1882م، وقد قام بتأسيس نادي براغ اللساني بمساعدة معاونيه، وبعد ذلك شغل منصب أستاذ اللّغة الإنجليزية بجامعة كارولين الأمريكية، التفَّ حوله مجموعة من الباحثين المثقفين فكرياً، قاموا بعقد اجتماعات لغوية للبحث المنظّم عام 1926م، وعُرفوا بجماعة براغ، وقد توفي عام 1945م.
من أهم الأبحاث التي قام بها ما يأتي:
- استعماله للدراسة الوظيفية وذلك من أجل التمييز بين النحو والأسلوبية.
- تمييزه بين مفهومي الموضوع والخبر وتطويره لمنظور الجملة الوظيفي.
نيكولاي تروبتسكوي
يعد من أبرز أقطاب مدرسة براغ، وهو عالم لسـاني روسـي ولـد سـنة 1890م، كان طالباً في قسم اللّغة الهندوأوروبية في جامعة موسكو التي كان يديرها والده، وأصـبح في العـام 1916م، عضواً في هيئة التدريس، وبعد ذلك حصل على منصب في الجامعة الإقليمية، وقد درس فقه اللّغة السلافية في فِيَّنا بعد هروبه إليها، وأصـبح عضـوا في مدرسة براغ اللّسانية.
برع في ميدان الصوتيات الوظيفية وكانت له إسهامات قيّمة منـها مؤلّفه الشهير مبادئ الفونولوجيا (1939م) والذي يحتوي على مبادئ الفونولوجيا ومناهج تحليل السمات القطعية والفوقطعية، ودراسات حول الفونولوجيا الإحصائية، والفونولوجيا التاريخية، توفي في فِيَّنا عام 1938م.
رومان جاكبسون
هو عالم لغوي روسي الأصل أمريكي الجنسية، ولد عام 1896م، كان مولعاً بالمطالعة منذ الصغر، فأتقن اللّغة الفرنسية، وتعلّم الألمانية واللاتينية، كما اهتم بالشعر وقرأ لكبار الشعراء، ونظم الشعر وهو في سن الخامسة عشر، زاول دراسته بمعهد اللّغات الشرقية ثمّ بالجامعة المركزية، حيـث تخصص في اللّسـانيات المقارنـة والفيلولوجيا السلافية.
اهتم بالعلاقة بين اللّغة والأدب، وبدروس "سوسير"، وشارك في إنشاء مدرسة "براغ" اللّسانية عام 1915م، ويعد من أوائل اللّسانيين في تناول التحليل البنيوي للأشكال الأدبية، ودراسة النص الأدبي لذاته بمعزل عن صاحبه.
قام بوضع النظريات اللّسانية التي اعتمدها مدرسة براغ عام 1928م مع تروبتسكوي وكارسفسكي، وألّف ما يقارب 370 كتاباً ومقالاً، وكذلك ما يقارب 100 عمل شملت العديـد من النصوص والمقدمات والأشعار المختلفة.
أندري مارتين
عالم لساني فرنسي، ولد سنة 1908م، اخـتص باللّغـة الإنجليزية ثمّ اللّسانيات العامة، درس في جامعة كولومبيا، تأثر باللّساني "بلومفيلد"، ويعد أحد أبرز المشاركين في أعمال مدرسة براغ، كما أنَّه أحد أعلام الفونولوجيا، كانت له صـلة منهجية وشخصية برؤساء فونولوجيا براغ، بحكم إقامته في الدانمارك لفترة من الزمن وهذا جعله يتابع تطورات مذهب الغلوسيماتيك.
كما اطّلع على علم لغة سابير و"بلومفيلد"، وبالتالي فقد كان على صلة بالمدارس الـثلاث: بـراغ، كوبنهاجن، الأمريكية، وبمختلف أعمالهم وإبداعاهم، وقد اعتمد خلال دراسته للأصوات الوظيفية على مبادئ مدرسة براغ.
فتطورت على يده اللّسانيات في أوروبا بصفة عامة، وفرنسا بصفة خاصة، وقد عمل على تأليف ما يقارب مائتين وسبعين مؤلفاً، تتعلق العديد منها باللّسانيات العامة، اللّسـانيات الوصـفية، والفونولوجيا الوظيفية، والفونولوجيا التاريخية.