أهمية المسجد ودوره في حياة الفرد والمجتمع
أهميَّة المسجد
إنَّ المساجد في ديننا الحنيف لها شأنٌ عظيمٌ، ولقد أولاها الإسلام أهميَّةً كبيرةً، وورد هذا في العديد من الأدلَّة من القرآن الكريم والسنّة النّبوية، والمسجد مَعلَمٌ مرتبطٌ بالإسلام والمسلمين ارتباطاً وثيقاً، حيث قال الله -تعالى- مخاطباً المسلمين: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، وتكمن أهميَّة المسجد فيما يأتي:
- يعدُّ المسجد المكان الذي يؤدِّي به المسلمون أهمَّ أركان الإسلام وثانيها، وهي الصلاة، فيجتمعون فيه خمس مرَّاتٍ في اليوم واللَّيلة، ليؤدُّوا صلاتهم في جماعة كما أمر الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، وهو المكان الذي يقصده من أراد الاعتكاف والتَّقرب من الله -تعالى- ومناجاته والخلوّ معه.
- يجتمع المسلمون في المساجد ليس للصّلاة فحسب، بل هي أيضاً مكانٌ لتدارس القرآن الكريم وحفظه، وتعلُّم علومه؛ كأحكام التِّلاوة والتَّجويد وتفسير القرآن الكريم، كما تُقام فيه الدُّروس والمواعظ لتذكير المسلمين بالله -تعالى- وحثِّهم على الأخلاق الفاضلة والتَّمثُّل بها، فينهل المسلمون من المساجد كلَّ ما ينفعهم في دينهم.
- يعتبر المسجد في الاسلام داراً للإفتاء؛ لأنَّ المساجد لا تخلو من العلماء والفقهاء ومن حلقات العلم، فيقصدها كلُّ من أراد أن يتعلَّم شيئاً من الدِّين، وكذلك من التبس عليه حكمٌ في مسألةٍ ما، أو أراد التَّفقه وتعلُّم علوم الشَّريعة الإسلامية .
- يجتمع الخصوم لحلِّ مشاكلهم في المسجد، فيسألون شخصاً حكيماً أو إماماً عادلاً فيقضي بينهم بالعدل، كما كان يفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما يأتيه خصمان متنازعان فيحكم بينهما، وكان المسجد مكاناً للتَّقاضي في زمن النَّبيِّ -عليه الصلاة والسّلام- وفي عهد الخلفاء الرَّاشدين، لكنَّه لا يصلح لذلك في زمننا الحالي مع ازدياد أعداد المسلمين، فخُصِّص للقضاء مكان محدَّد غير المسجد.
- تصقل المساجد شخصيَّة المسلمين وتصنع منهم رجالاً حقيقيّين، قلوبهم مُعلَّقة بالله -تعالى- ولا يخافون لومة لائم، ولكونها المكان الذي يربط الأرض بالسَّماء فقد كانت منبعاً للتُّقاة المُصلحين، كيف لا وقد حوَّلت المساجد أهل الجاهليَّة من جَهلةٍ غليظي القلب إلى صحابةٍ كرامٍ حملوا دين الإسلام على عاتقهم ونشروه في شتى بقاع الأرض.
- يعدُّ المسجد المكان الذي كانت تنطلق منه جيوش المسلمين في الغزوات والحروب كافَّة، منطلقين وفاتحين البلدان، فكانت بيوت الله -تعالى- هي منبع نشر الإسلام والقضاء على الشِّرك وتخليص البشريَّة من الظّلم والعبوديَّة.
- يُعتبر المسجد المكان الذي يقوِّي الأواصر والرَّوابط بين المسلمين، ويحقِّق بينهم المساواة، فيجتمعون كلُّهم على اختلاف أعمارهم وأشكالهم وأصولهم، ويقفون في صفٍّ واحدٍ متماسكين، وتزداد الألفة بينهم وتصفو قلوبهم من البغض والكراهية، ويتفقَّد حاضرهم الغائب.
- تعدُّ المساجد ملجأً لكلِّ ملهوفٍ من الفقراء والمساكين، فقد كان رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يوزِّع عليهم الأموال والغنائم في المسجد، كما فعل مع فقراء قوم مُضَر عندما رأى حالتهم، فخطب بالمسلمين يحثّهم على الصّدقة ، ثمَّ أعطاهم ما يكفيهم لسدِّ حاجتهم، كما يفتح المسجد أبوابه للنَّاس في الحروب والكوارث ليلتجئوا فيه، ومن أجل التَّطبُّب والتَّداوي، فقد كان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- يُمرَّض في المسجد يوم غزوة الخندق عندما أُصيب.
ويتَّضح ممَّا سبق عظمة المساجد وكم لها من الأهميَّة في ديننا، وتجدر الإشارة لعظمة المسجد النّبوي ، فله من المكانة ما يميِّزه عن باقي المساجد، إذ أنشأه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فور وصوله المدينة المنوَّرة ؛ ليكون المكان الأوَّل لاجتماع المسلمين وتعليمهم دينهم، ولا يزال المسجد النَّبويُّ إلى يومنا هذا يحظى بميزةٍ خاصَّةٍ عند المسلمين، ويقصدونه من كلِّ البقاع، ويشدُّون له الرِّحال، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأقْصَى)، وهذا المسجد فيه من الخير والبركة ما ليس في سواه، إذ يستشعر زائره في كلِّ زاوية من زواياه ذكريات رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- وأصحابه.
دور المسجد في حياة الفرد والمجتمع
دور المسجد في حياة الفرد
إنَّ للمساجد دوراً فاعلاً في حياة الفرد المسلم، فهي ليست مجرَّد مكانٍ تُؤدَّى فيه الصَّلوات فحسب، إنَّما كان له أدوار عظيمةُ، منها ما يأتي:
- تخليص النَّفس البشريَّة من العبوديَّة والتَّذلُّل لغير الله -تعالى-، وتجريدها من التعلُّق بأمور الدُّنيا وصغائر الأمور، فتسمو النُّفوس لباريها وتسكن داخل أُطُر المساجد، فلا سلطةً لقويٍّ على ضعيفٍ فيها، إذ تذوب فيه كلُّ الفروقات الدُّنيويَّة، ولا اعتبار لها في المسجد.
- نشر شتّى العلوم والمعارف بين الأفراد، وغرس الإيمان في قلوبهم، إذ إنَّ المساجد تُعدُّ مَنهلاً يستقي منه كلُّ متعطِّشٍ للعلم، وهي لا تزال مكاناً ثابتاً للتّعلُّم من زمن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والتابعين إلى يومنا هذا، ولولا حلقات العلم التي كانت تُقام في المساجد لما وصلتنا الكثير من أمور الشَّريعة.
- فقد كان العلماء يتحلَّقون حول شيوخهم على قدمٍ وساق، ثمَّ ينشرون ويدوِّنون ما تعلَّموا من التَّفسير أوالفقه أو الأحاديث النَّبويَّة، مع صعوبة الأمر عليهم في زمنٍ لم يكن فيه وسيلةٌ سهلةٌ للتّنقّل أو الكتابة، وبالتالي تعتبر المساجد مكان التَّعلم الأوَّل الذي سبق المدارس والجامعات والمعاهد، وهو لا يزال كذلك في عصرنا؛ لأنَّ من يتعلَّم شيئاً داخل المسجد لا يكتم هذا العلم لنفسه، بل يُعلِّمه لمن حوله من الأهل والأصدقاء، فينتشر العلم بينهم ويقلُّ الجهل بين المسلمين.
- القضاء على المنكرات وتقليل وقوعها بين الأفراد؛ وذلك لأنَّ الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وانغماس الأفراد بالمساجد وتعلُّقهم بصلاة الجماعة يُبعدهم عن إتيان الفواحش صغيرةً كانت أو كبيرةً؛ لأنَّ المسلم يبقى متعلِّقاً بالمسجد في يومه وليله، يتذلَّل بين يدي الله -تعالى- بكلِّ جوارحه، ويحبُّ الله ورسوله، فيبتعد عن كلِّ ما قد يُبطل صلاته أو يجعلها غير مقبولةً عند الله -تعالى-.
- تنمية الوازع الدِّيني في نفس المسلم؛ لأنَّه يحرص على ترجمة ما تعلَّمه من قيم ومبادئ داخل المساجد إلى سلوكيات وأفعال تظهر عليه.
- التَّوجيه المستمر من العلماء وأئمَّة المساجد للمصلِّين، وحثِّهم على الالتزام بالدِّين والتَّمسُّك بالأخلاق الفاضلة، كما يوجِّهونهم لكلِّ ما يلتبس عليهم في أمور دينهم.
دور المسجد في المجتمع المسلم
تؤدِّي المساجد أدواراً تعود كلُّها بالنَّفع والخير على المجتمع المسلم، ومنها ما يأتي:
- نشر الدَّعوة الإسلاميَّة إلى شتى بقاع المعمورة، حيث إنَّ المساجد كانت ولا تزال المنارة التي يشعُّ منها الإسلام؛ لأنَّها لا تخلو من الدُّعاة والمُصلحين.
- تماسك المجتمع، والحفاظ على الأسرة المسلمة، وتحقيق التَّكافل الاجتماعي؛ وذلك بسبب الوعظ الدَّائم في المساجد حول ما يخصُّ وحدة المسلمين وتآلفهم.
- القضاء على الجهل بين المسلمين ونشر العلوم والمعارف بينهم، فهو كما أشرنا مكانٌ لتعلُّم المسلمين شؤون دينهم؛ لاحتوائه على حلقات العلم، ودروس الوعظ والإرشاد من العلماء والفقهاء المختصّين.
- توحيد كلمة المسلمين، وتقوية الرَّوابط بينهم، وتقوية روابط الأخوَّة الإسلاميَّة؛ وذلك لأنَّ المساجد تُنشئ بين المصلّين علاقات سامية، إذ يجتمعون في اليوم واللَّيلة خمس مرَّات، ويجتمعون كلَّ أسبوع في صلاة الجمعة ، كما يجتمعون في المواسم المختلفة كما في صلاة العيدين، ممَّا يقوِّي العلاقات الودِّية بينهم، فيتعارفون ويتزاورون فيما بينهم، ويتعاونون على البرّ والتقوى، وتصفو نفوسهم من الحقد والضّغينة والحسد، وبذلك تنتشر بين المسلمين العادات الحسنة من عيادة المريض وإغاثة الملهوف وإجابة الدّعوة وغيرها الكثير.
- تفعيل مبدأ الشُّورى بين صفوف المسلمين، إذ يتناقش المسلمون فيما بينهم بما يخصُّ مصلحتهم بموضوعيَّة، ويتقبَّل كلٌّ منهم الآخر.
- تقليل وقوع الجرائم والفواحش في المجتمع؛ لأنَّ ارتباط المسلم بالمسجد وبالصّلاة يُبعده عن الوقوع في المعاصي والمنكرات، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).