متى يجب الوضوء
متى يجب الوضوء
يجب على المُسلم أن يتوضّأ عند أداء عبادةِ الصَّلاةِ ، بدليل حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةَ أَحدِكم إذا أحدَثَ حتى يتوَضَّأَ)، وكذلك للطَّواف بالبيتِ الحرامِ باتِّفاق العلماء، وتعدّدت آراؤهم في حُكم الوضوء لمسِّ المصحف، ويختلف حكم الوضوء باختلاف العبادة التي يريد المُسلم القيامَ بها، فمرةً يكون الوضوء واجباً، ومرةً يكون الوضوء مندوباً، ومرةً يكون الوضوء مكروهاً، وفي غيرها قد يكون الوضوء مُحرَّماً. وفيما يأتي في المقال بيان وتفصيل ذلك.
الوضوء للصَّلاة
يَجِب الوضوء والطهارة من الحَدَث الأصغر والأكبر قبل أداءِ الصًّلاةِ المفروضة أو الصَّلاة المندوبة؛ لأنّ الله -تعالى- لا يَقبل الصَّلاة من غير طهارةٍ، ودلَّ على ذلك القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة وإجماع علماء الأمَّةِ الإسلاميَّةِ، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وصحَّ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ)، وذهب الفقهاء إلى القول بوجوب الوضوء عند أداء صلاة الجنازة؛ لأنّها صلاةٌ حتى لو لم تكن كاملةً، وقال جمهور الفقهاء بوجوب الوضوء عند أداء سجدة التِّلاوة؛ لأنّه يجِبُ لها ما يَجِبُ لأداء الصَّلاة العاديّة.
ويُسنُّ للمسلم الوضوء لكلّ صلاةٍ حتى لو كان متوضّئاً ولم ينتقض؛ وذلك للفضل والثواب العظيم المترتب على الوضوء، وكان الصَّحابة -رضوان الله عليهم- يُكثرون منه ويتوضّؤون لكلّ صلاةٍ، ومنهم ابن عمر -رضي الله عنه-، ويصحُّ للمسلمِ القيام بصلواتٍ عديدةٍ بنفس الوضوء ما لم ينتقض، فقد أقام النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صلاتين بوضوءٍ واحدٍ، وفي فتح مكة أقام جميع الصلوات المفروضة بوضوءٍ واحدٍ، فدلّ ذلك على صحَّة أداءِ عدّة صلواتٍ بوضوءٍ واحدٍ.
الوضوء للطَّواف
اتَّفق الفقهاء على وجوب الوضوء لطوافِ الفرض وطواف النَّافلة، ولا يصحُّ الطَّواف من غير وضوءٍ، لأنه شرطٌ من شروط الطَّواف، أمّا من انتقض وضوءه وهو في الطَّواف فعليه الخروج والوضوء ثم العودة لإكمال ما تبقّى عليه من الطَّواف؛ فمثلاً إذا انتقض وضوء المسلم وهو في الشوط الثالث من الطَّواف، فإنه يخرج فيتوضّأ ثم يأتي بالشوط الثالث منه ويُكمل ما تبقَّى من أشواط الطَّواف، ودلَّ على ذلك القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة، فقد قال الله -تعالى-: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)، والآيةُ تدلُّ على وجوب الطَّهارة للطَّائفين، ولا تتحقّق الطَّهارة إلَّا بالوضوء، وثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّها قالت عندما حجَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّهُ أَوَّلُ شيءٍ بَدَأَ به حِينَ قَدِمَ أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بالبَيْتِ)؛ فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- توضّأ ثم طاف، فدلَّ ذلك على وجوب الوضوء عند الطَّواف اقتداءً بفعل النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فالطَّواف مثل الصَّلاةِ يجب الوضوء له ليصحَّ فِعلهُ.
الوضوء لِمَسِّ المصحف
تعدّدت آراء العلماء في حكم الوضوء لمسِّ المصحف، وذهب جمهور الفقهاء إلى القول بوجوب الوضوء لِمسِّ المصحف لقول الله -تعالى-: (لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)، وقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (لا يمسُّ القرآنَ إلا طاهرٌ)، فدلَّ ذلك على وجوب الطَّهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، والطَّهارة تستلزم الوضوء لمسِّ المصحف، ولا بدَّ من التّفريق بين مسِّ المُصحف وقراءة القرآن الكريم.
متى يُسنُّ الوضوء
يُسنُّ الوضوء قَبل أمورٍ كثيرةٍ يقوم بها المسلم، نذكر بعضها فيما يأتي:
- قبل النوم: يُسنُّ الوضوء للنوم سواءً كان المُسلم طاهراً أو على جُنبٍ، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة، واستدلّوا بقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ)، وقال المالكيَّة إنَّ الوضوء قبل النوم مستحبٌ.
- قبل قراءة القرآن: يُستحَبّ للمسلم أن يتوضّأ عند قراءة القرآن الكريم، لأنّ قراءة القرآن الكريم أفضل أنواعِ ذكر الله -تعالى-، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَكره أن يُذكر اسم الله -تعالى- من غير وضوء، فيُستحَبّ الوضوء عند قراءته لشرفه ومنزلته العظيمة.
- قبل ذكر الله -تعالى-: يُستحَبّ للمسلم إذا أرادَ أن يذكر الله -تعالى- أن يتوضّأ، ولا يُمنَع من انتقض وضوءه من ذكر الله -تعالى-، لكنَّ الأفضل والمُستحَب عند الفقهاء أن يتوضّأ، فقد صحَّ عن أبي جهيم الأنصاري -رضي الله عنه- أنه قال: (أقْبَلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِن نَحْوِ بئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عليه فَلَمْ يَرُدَّ عليه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى أقْبَلَ علَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بوَجْهِهِ ويَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السَّلَامَ)، فمن أراد أن يجلس مع الله -تعالى- ليذكره فالأفضل والمستحبّ أن يتوضأ ثم يجلس جلسة الذكر لله - تعالى-.
- قبل الأذان والإقامة والخطبة: اتَّفق الفقهاء على أنَّ حكم الوضوء قبل الأذان مستحبٌ، وتعدّدت آراؤهم في حكم الوضوء قبل الإقامة، ويستحبّ عند جمهور العلماء الوضوء قبل الخطبة؛ لأنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يصلّي بعد انتهاء الخطبة مباشرةً ولا يفصل بينهما، فيكون على وضوءٍ في الخطبة، ويُستحب للإمام أن يكون على وضوءٍ وهو يخطب اقتداءً بالنبيَّ -صلى الله عليه وسلم-.
- قبل البدء بدراسة العلم الشرعيّ : يُستحبّ لطالب العلم الشرعيِّ ومعلِّم العلم الشَّرعيِّ أن يتوضّأ قبل البدء بتدريس أو تلقّي العلم الشرعيِّ، وذلك باتِّفاق الفقهاء.
- قبل الوقوف بعرفة ، وعند السعي بين الصفا والمروة: يُستحبّ للمسلم أن يتوضّأ عند إرادة الوقوف بعرفة؛ لأنَّ المكان الذي يقف فيه النَّاس بعرفة مكانٌ عظيمٌ وشريف، ولأنَّ الله -تعالى- يُباهي بالواقفين بعرفة الملائكة، ويُستحبّ أيضاً الوضوء عند السعيِّ بين الصفا والمروة، لأنّها عبادة، ولأنه مكانٌ عظيمٌ في الإسلام.
- قبل زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-: اتَّفق الفقهاء على أنَّه يُستحب لمن يريد زيارة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضّأ؛ تعظيماً وتشريفاً لمقام النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيماً للمكان الذي يريد أن يدخله وهو مسجد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.