قصة أصحاب السبت
قصة أصحاب السبت
لقد قصَّ القرآنُ الكريم حكايةَ أصحابِ السبتِ؛ وهم يهودٌ من بني إسرائيلَ كانوا يقطنونَ قريةً تطلُّ على شاطئِ بحرِ قلزومِ ، الواقعِ بينَ مدينَ والطورِ، وكان أهلُ هذه القرية يعملونَ بصيدِ الأسماكِ والحيتانِ، وكانوا قد طلبوا يوماً مقدساً يتفرغونَ فيه للعبادةِ، ويكونَ يومَ راحةٍ لهم من العملِ.
وبالفعلِ جعلَ الله -عزَّ وجلَّ- يومَ راحتهم من العملِ هو يومُ السبتِ، وحرَّم عليهم العمل وصيدَ الأسماكِ والحيتانِ في هذا اليومِ، ثمَّ ابتلاهم بكثرةِ خروجِ الأسماكِ والحيتانِ إلى الشاطئ وسهولةِ صيدها في هذا اليومِ، فما كان من كل فرقةٍ منهم إلَّا أن ابتكروا طريقةً ملتويةً يستطيعونَ الحصول على الحيتانِ فيها، من غيرِ أن يقوموا باصطيادها يومَ السبتِ.
وتتمثل هذه الحيلة بوضعِ شباكٍ حول الشاطئِ يومَ الجمعةِ؛ وحينَ تخرج الحيتانُ يومَ السبتِ فإنَّها تقعُ في الشباكِ والمصائدِ، ثمَّ يقومونَ بإخراجها يومَ الأحدِ خداعاً وتحايلاً، وحجَّتهم في ذلك أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- إنَّما نهاهم عن الصيدِ والعملِ يومَ السبتِ،وبالطبعِ ليس هناكَ بيئةٌ تخلوا من الصلاحِ، فقامت فرقةٌ أخرى بعدما رأت تحايلهم، بنصحهم وأمرهم بالمعروفِ و نهيهم عن المنكرِ .
وبيان عاقبةَ صنعهم الوخيم؛ إلَّا أنَّ الفرقةَ الأولى لم تتعظ، وتمسكوا برأيهم وحجَّتهم، ولا سيما أنَّ هناك فرقةً ثالثةً لم تنهى عن المنكرِ، بل قامت بلومِ الفرقةِ التي نهت عن ذاكَ المنكرِ، وبعد أن تمسَّكت الفرقةِ العاصيةِ بحيلتهم، واستمروا على فعلِ ما نُهوا عنه من الصيدِ يومَ السبتِ، ما كانَ من الله -عزَّ وجلَّ- إلَّا أن أراهم عاقبةَ صنيعهم هذا، فعاقبهم بالمسخِ؛ حيثُ إنَّه قلبهم ومسخهم إلى قردةٍ خاسئينَ.
قصة أصحاب السبت في القرآن الكريم
لقد جاءت قصةُ أصحابِ السبتِ كاملةً في سورة الأعراف ، في قول الله -تعالى-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وقوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
سبب نزول قصة أصحاب السبت في القرآن الكريم
يرجعُ سبب نزول الآياتِ التي تحدثت عن قصة أصحاب السبتِ؛ إلى أنَّ اليهودَ المعارضينَ لرسالةِ النبيِّ محمد -صَّلى الله عليه وسلم- ادَّعوا وزعموا أنَّ بني إسرائيل لم يقعوا في العصيانِ، ولم يصدر منهم أيُّ عنادٍ؛ فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- هذه الآياتِ التي تأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسؤالِ اليهودِ على جهةِ التوبيخِ عن أمرِ هذه القريةِ، وعن شأنِ صنيعهم هذا.
الدروس والعبر المستفادة من قصة أصحاب السبت
لقد بيَّن الله -عزَّ وجلَّ- في قوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، أنَّ الغاية من إنزالِ القرآنِ الكريمِ هو تدبر آياته، ومعلومٌ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- لم يذكر قصص الأمم السالفةِ من بابِ اللهوِ، إنَّما ذكرها ليتعظَ المسلمونَ منها، ومن هذا المنطلق فإنَّه سيتمُّ في هذه الفقرة استنباط عددٍ من الدروسِ والعبرِ من قصة أصحاب السبتِ، وفيما يأتي ذلك:
- الحذر من المسالك التي يسلكها اليهودُ، مهما كانت حجتهم في ذلك قوية؛ إذ إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قد بيَّن خبث نواياهم وتحايلهم على الشرعِ الحنيفِ في هذه القصةِ.
- الحذر من الوقوعِ في المعاصي والذنوبِ، والحذر من التحايل على الشرعِ الحنيفِ.
- ضرورة الاستسلامِ لأمرِ الله -عزَّ وجلَّ- وشرعه.
- ضرورة إدراكِ أنَّ الاستسلام لله ولكلِّ ما أمرَ وما نهى عنه سببٌ من أسبابِ الحصولِ على سعادة الدارينِ .
- إنَّ الإعراضَ عن أمرِ الله -عزَّ وجلَّ- سببٌ من أسباب هلاكِ الأممِ وخسرانهم الخسرانَ المبينِ.
- إنَّ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ سبب من أسباب نجاةِ المسلمِ من الهلاكِ.
- إنَّ من باع دينه بالدنيا فقد خاب وخسر.
- إنَّ التحايل على الشرعِ الحنيف كبيرةً تُوجب مقتَ الله، وتسبب هلاكَ صاحبها.
- إنَّ جدالَ أهل الباطلِ وإسكاتهم عن طريق إحراجهم إن كانوا من أصحاب التنطعِ جائزٌ في الشرعِ الحنيفِ، والدليل سبب نزول الآيات.