متى يجب الصوم بعد الحيض
وقت الصيام بعد الحَيض
طهارة الحائض في النهار
اختلف أهل العلم في صيام الحائض في حال تحقُّق طهارتها في نهار رمضان ، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما آتياً:
- القول الأوّل: ذهب فقهاء الحنفيّة، والحنابلة إلى وجوب إمساك الحائض عن الأَكْل، والشُّرب، والجِماع إذا تطهّرت في نهار رمضان؛ وعلّل الحنفيّة بأنّ الإفطار جائزٌ للعُذر، ويجب الإمساك في حال زوال العُذر، كما هو الحال بالنسبة إلى السليم إن دخل في الصيام، ثمّ مرض فأفطر، ثمّ شُفِيَ فأمسكَ، وذهب الحنابلة إلى أنّ ما جاز بالعُذر بَطُلَ بزواله، وبناءً عليه، فلا يجوز للمرأة الحائض، أو النفساء الإفطار بقيّة اليوم الذي تطهّرت فيه، ويجب عليها الإمساك عن الأَكْل والشُّرب، والجِماع ذلك اليوم، وقضاؤه.
- القول الثاني: خالف فقهاء الشافعيّة، والمالكيّة القول الأوّل؛ فقد قالوا بعدم وجوب إمساك الحائض بقيّة اليوم الذي تطهّرت فيه، ويجوز لها الأَكْل والشُّرب؛ وقال المالكيّة إنّ زوال العُذر الشرعيّ المُبيح للإفطار لا يُوجب الإمساك بقيّة اليوم، وقال الشافعيّة إنّ إمساك الحائض عن الأَكْل والشُّرب والجِماع بقيّة اليوم الذي تطهّرت فيه ليس واجباً، وإنّما مُستحَبٌّ.
طهارة الحائض قبل الفجر
يصحّ صيام الحائض في حال طُهرها قبل الفجر، مع عَقْدها النيّة على الصيام، ولا يُشترَط الاغتسال لصحّة الصيام ؛ إذ يمكن أن تُؤخّرَه إلى ما بعد الفجر؛ قياساً على حُكم صيام الجُنب؛ وقد استدلّوا بما ثبت فيما أخرجه الإمام مسلم عن أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِن غيرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ)، وقد نقل الإمام النوويّ -رحمه الله- الإجماع على صحّة صيام الجُنب، فقال: "أَجْمَعَ أَهْل هَذِهِ الأَمْصَار عَلَى صِحَّة صَوْم الْجُنُب، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ اِحْتِلام أَوْ جِمَاعٍ".
حُكم صيام الحائض
جاء التشريع الإسلامي يقضي بتحريم أداء المرأة الحائض ، أو النفساء لبعض العبادات، كالصلاة، والصيام؛ فلا يجوز لهما عَقْد نيّة صيام الفريضة، أو النافلة على حَدٍّ سواء، وإن صامتا، فلا يُقبَل منهما صيامهما، وتأثَمان بذلك، إلّا أنّه يترتّب عليهما قضاء ما أفطرتاه من الصيام، دون قضاء الصلاة؛ إذ يَشُقّ عليهما قضاء الصلاة، وقد رُفِعت المَشقَّة في الإسلام، قال -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
الحِكمة من عدم تكليف الحائض بالصيام
يجدر بالمسلم الامتثال لأوامر الله -تعالى-، واجتناب نواهيه؛ سواء عَلِمَ الحكمةَ من التكليف، أم لم يعلم؛ لقَوْل الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، ولمّا سُئِلت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ)، فبيّنت الحُكم الشرعيّ دون أن تُبيّن الحِكمة منه، وفي الحقيقة أنّ كلّ أمرٍ يُوجِبه الشَّرع على المُكلَّف فيه مصلحةٌ له؛ سواء عُلِمت، أم خفيت. وعلى الرّغم من أنّ حكمة التحريم ليست مُتيقّنة، إلا أنّ بعض أهل العلم رأوا إنّ نهي الحائض عن الصيام وقت الحيض جاء رحمةً بها؛ فخروج الدّم يضعف من عزيمتها، فإذا صامت وهي حائض اجتمع عليها الضعف بسبب الحيض وبسبب الصوم، وقد يصل إلى حدّ الإضرار، وهو ما لا يقبله الإسلام.