ما هي مبطلات الصيام في شهر رمضان
مبطلات الصيام المُتَّفق عليها
اتّفق العلماء على عدّةٍ أعمالٍ يبطل الصيام بإتيانها، بيانها وتفصيلها آتياً:
الجماع
اتّفق العلماء على أنّ الجماع في نهار رمضان يُبطل الصيام؛ لقول الله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ)، وما أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ).
للمزيد من التفاصيل عن أحكام الصيام للمتزوّجين الاطّلاع على مقالة: (( أحكام الصيام للمتزوجين )).
الاستقاءة
وتُعرَّف الاستقاءة بأنّها: التكلُّف في القيء؛ بتعمُّد إخراج ما في الجوف، وقد ذهب جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى أنّ الاستقاءة مُبطلةٌ للصيام في رمضان، ويتوجّب القضاء بسببها.
واستدلّوا على قولهم بما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (مَنْ ذرعَهُ القيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومنِ استقاء عمدًا فلْيقضِ)، أمّا الحنفيّة ففصّلوا في بطلان الصيام بالاستقاءة، ووجوب القضاء بسببها؛ إذ اشترطوا أن يكون الصائم عامداً للقيء، ومُتذكِّراً الصيام، وأن يكون القيء ملء الفم، أو أكثر.
الأكل أو الشُّرب عمداً
اتّفق أهل العلم على أنّ تعمُّد الأكل أو الشُّرب في نهار رمضان من مُبطلات الصيام، ويأثم فاعله، ويجب عليه إمساك بقيّة يومه، والقضاء، دون وجوب الكفّارة عليه، أمّا الأكل أو الشُّرب في نهار رمضان سهواً من غير قصدٍ، فلا يُبطل الصيام، ولا يُوجب القضاء، ولا الكفّارة؛ لِما ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (مَن نَسِيَ وَهو صَائِمٌ، فأكَلَ، أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ).
للمزيد من التفصيل عن حكم من شرب الماء مع الأذان الاطّلاع على مقالة: (( حكم شرب الماء مع الأذان في رمضان )).
دخول شيءٍ إلى الجوف من مَنفذٍ مفتوحٍ
عرّف أهل اللغة الجوف لغةً بعدّة تعريفات، منها: الواسع من الشيء، والخلاء، وبطن الإنسان، ومنها: الأجوفان، وهما: البطن، والفرج، أمّا اصطلاحاً، فقد عرّف العلماء الجوف بأنّه: كلّ فارغٍ يقبل الشغل والامتلاء، ويُستفاد ممّا سبق أنّ الفقهاء واللغويّين لم يختلفوا في مفهوم الجوف.
وقد عدّ أئمّة المذاهب الأربعة المَعِدة من الجوف، وذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ الدماغ من الجوف، وخالفهم المالكيّة، واتّفق كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة، دون الحنفيّة على أنّ مُجمَل الحلق من الجوف مع اختلافهم في التفصيل، ومن الجدير بالذكر أنّ دخول أيّ شيءٍ إلى الجوف يُعَدّ سبباً لفساد الصيام باتّفاق المذاهب الأربعة.
واستدلّوا على ذلك بما ورد في الأثر عن عددٍ من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومنهم: ابن عباس -رضي الله عنه-، وعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ إذ قالوا: "الفطر ممّا دخل، وليس ممّا خرج".
للمزيد من التفاصيل عن أحكام متعلّقة بذلك الاطّلاع على المقالات الآتية:
(( ما حكم استخدام بخاخ الربو في رمضان )).
(( هل مرهم العين يفطر الصائم )).
(( ما حكم استخدام التحاميل في نهار رمضان )).
(( هل البخور يفطر الصائم )).
(( ما حكم العطور في رمضان )).
الرِدّة
تُعرَّف الردّة لغةً بأنّها: الرجوع عن الشيء، أمّا شرعاً فتُعرَّف بأنّها: رجوع المُسلم عن دِينه، وقد أجمع أهل العلم على أنّ الردّة عن الإسلام تُبطل الصيام.
الحيض والنفاس والولادة
وهي من مُبطلات الصيام الخاصّة بالنساء؛ فدم الحيض أو النفاس يُبطل الصيام وإن كان نزوله قبل غروب الشمس بلحظاتٍ، ويجب عليها الإفطار، والقضاء بعد الطُّهر، ولا حرج عليها في ذلك، ولا إثم، لا سيّما أنّ الأمر خارجٌ عن إرادتها.
واستدلّ أهل العلم على فساد صيام الحائض والنّفساء بما صحّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ).
للمزيد من التفاصيل عن أحكام الصيام للنساء الاطّلاع على المقالات الآتية:
(( أحكام الصيام للنساء )).
(( أحكام الدورة الشهرية والصيام )).
للمزيد من التفاصيل عن مقالات لها علاقة بمبطلات الصيام الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( حكم من أفطر عمداً في رمضان وما كفارته )).
- (( كم مقدار كفارة الصيام )).
مُبطلات الصيام غير المتّفق عليها
لم تكن كل المسائل في مبطلات الصيام موضع اتّفاق بين جمهور أهل العلم، ومنها مسألة الإغماء والجنون والحجامة أثناء الصوم، وفيما يأتي استعراض لأقوال الفقهاء في هذه المسائل:
الإغماء
أجمع العلماء على أنّ الإغماء يُبطل الصيام، ويُوجِب القضاء، وخالفهم الإمام الحسن البصريّ؛ إذ ذهب إلى عدم وجوب القضاء على المُكلّف في حال الإغماء؛ لأنّ زوال العقل بسبب الإغماء يمنع وجوب الأداء، ووجوب القضاء يُبنى على وجوب الأداء.
الجنون
أجمع أهل العلم على عدم وجوب الصيام على المجنون، وبُطلان صيامه، ونقل الإجماع الإمام النوويّ، إذ قال: "المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع، للحديث والإجماع"، بالإضافة إلى الحديث الذي رُوي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، إذ قال: (يا أميرَ المؤمنين، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ)، وهذا في حال كان الجنون مُلازماً مُطبِقاً.
أمّا إن كان الجنون مُؤقّتاً، وأفاق المُكلَّف في جميع نهار رمضان، وجب عليه الصيام، وتجدر الإشارة إلى اختلاف أهل العلم في صحّة صيام المُكلّف الذي شرعَ في الصيام، ثمّ طرأ عليه الجنون:
- فقد ذهب المالكيّة ، والشافعيّة إلى بطلان الصيام بالجنون الطارئ؛ قياساً على بطلان صيام المرأة بسبب الحيض، وكلاهما عارضٌ يُفسد الصيام، كما قال الإمام الشافعيّ -رحمه الله-: "إذا وُجد الجنون في جزء من النهار أفسد الصوم؛ لأنّه معنى يمنع الوجوب، فأفسده وجوده في بعضه كالحيض".
- ذهب الحنابلة؛ إذ قالوا بعدم فساد صيام المُكلّف بسبب الجنون الطارئ الذي لا يبقى طوال النهار، ولم يأخذوا بقياس الجنون بالحيض، واعتبروه قياساً فاسداً؛ لوجود اختلافٍ عظيمٍ بين الجنون و الحيض ، لا سيّما أنّ الحيض لا يمنع وجوب الصيام؛ إذ يجب على الحائض قضاء ما أفطرته، أمّا المجنون فلا يجب عليه قضاء ما فاته من الصيام بسبب الجنون، وبيّنوا أنّ أقرب ما يُمكن قياس الجنون الطارئ به هو الإغماء، والمُغمى عليه لا يبطل صيامه في حال كان الإغماء في جزءٍ من النهار؛ ولذلك قالوا بصحّة صيام من طرأ عليه الجنون جزءاً من النهار، ووافقهم الحنفيّة بعدم فساد الصيام بسبب الجنون الطارئ.
الحُجامة
اتّفق جمهور أهل العلم من الحنفيّة والمالكية والشافعية على صحة صيام المحجوم، مع اختلافهم في حُكم الحُجامة للصائم:
- ذهب الحنفيّة إلى جوازها إن كانت لا تُضعف الصائم، وكراهتها في حال كانت تُضعفه.
- المالكيّة فذهبوا إلى حُرمة الحُجامة للصائم إن غَلِبَ على ظنّه أنّها ستُضعفه، ولن يتمكّن من مواصلة الصيام بسببها.
- الحنابلة الذين قالوا ببُطلان الصيام بسبب الحُجامة، كما قال ابن قدامة -رحمه الله-: "الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم".
للمزيد من التفصيل عن حكم الحجامة في رمضان الاطّلاع على مقالة: (( ما حكم الحجامة في رمضان )).
مسائل مُتعلّقةٌ بمبطلات الصيام
أحكام مبطلات الصيام ترتبط ببعض المسائل التفصيلية الأخرى، وفيما يأتي توضيح لبعضها:
ضوابط تحقُّق بطلان الصيام
لا يُعَدّ ارتكاب أحد مُبطلات الصيام مُفسداً للصيام إلّا بتوفّر عدّة شروطٍ؛ منها: العلم وعدم الجهل؛ إذ يُعذَر المُكلّف إن ارتكب أحد مبطلات الصوم وهو جاهلٌ بأنّه مبطلٌ للصيام، إلّا أنّ بعض الفقهاء لم يعذر بالجهل إلّا من كان حديث عهدٍ بالإسلام، أو نشأ في غير دار الإسلام.
ومنها أيضاً الاختيار وعدم الإكراه؛ إذ يُعذَر المُكلّف في حال الإكراه على ارتكاب أحد مُبطلات الصيام ، ويُعَدّ صيامه صحيحاً؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ، والنسيانَ، وما اسْتُكرِهوا عليه).
ومنها كذلك الذِّكْر وعدم النسيان؛ فلا يُؤاخَذ المُكلّف في حال ارتكاب أحد مُبطلات الصيام نسياناً.
- مَن نَوَى الصيام من الليل فأُغمِيَ عليه قبل طلوع الفجر
اختلف أهل العلم في صحّة صيام مَن نوى الصيام من الليل فأُغمي عليه قبل طلوع الفجر، ولم يُفق إلى غروب الشمس؛ فذهب الشافعيّة، والحنابلة والمالكية
- مَن أَفطر خطأً ظانّاً أنّ الفجر لم يحلّ وظهر خِلاف ذلك
فإن ارتكب المُكلّف أحد مُبطلات الصيام؛ ظنّاً منه أنّ الفجر لم يطلع، وكان قد طلع، فإنّه يُفطر، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم.
- مَن أَفطر خطأً ظانّاً أنّ المغرب حلّ وظهر خِلاف ذلك
فإن أفطر المُكلّف؛ ظنّاً منه أنّ الشمس قد غابت، وتبيّن بعدها أنّها لم تغب بعد، فلا إثم عليه، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لِما رُوي عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (أفطَرنا علَى عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في يومِ غَيمٍ ثمَّ طلَعتِ الشَّمسُ قلتُ لِهشامٍ أُمِروا بالقَضاءِ قالَ فلا بدَّ من ذلِكَ).
أركان الصيام
من الجدير بالذكر أنّ للعبادة شروطاً، وأركاناً لا تصحّ إلّا بها، كما أنّ هناك ثمّة مبطلاتٍ ومُفسداتٍ إذا أتى بها المسلم أبطلت العبادة، وأفسدتها، ويُعَدّ الصيام عبادةً من العبادات الواجبة، وهو يتحقّق بتحقُّق رُكنَين أساسيّين، بيانهما آتياً:
- الرُّكن الأوّل:النيّة
النيّة ، ومَحلّها القلب؛ وهي اعتقاد القلب، وعَزْمه على فِعل الشيء، وممّا يدلّ على أنّ النيّة رُكنٌ لصحّة الصيام، ما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (من لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفَجرِ، فلا صيامَ لَهُ)، وثَمّة ما يدلّ على أنّ النيّة رُكن صحّةٍ لكلّ العبادات، ومنها الصيام، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).
- الرُّكن الثاني: الإمساك عن سائر المُفطرات
كالطعام، والشراب، والجماع، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس؛ قال الله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، وقد بيّن أهل العلم أنّ المقصود بالخيط الأبيض: بياض النهار، أمّا الخيط الأسود، فهو: سواد الليل.
للمزيد من التفاصيل عن أركان الصيام الاطّلاع على مقالة: (( ما هي أركان الصيام )).
للمزيد من التفاصيل عن الصيام وأحكامه الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( ما هي احكام الصيام )).
- (( مفهوم فقه الصيام )).