ما هي مبطلات الصلاة
مبطلات الصلاة
اتّفق الفقهاء على مُبطلاتٍ عدة للصلاة، سنُبيّنها فيما يأتي:
الكلام الخارجي
اتّفق الفقهاء على أنّ الكلام الذي ليس من جنس الصلاة مُبطلٌ لها استناداً لما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: (كُنَّا نَتَكَلَّمُ في الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وهو إلى جَنْبِهِ في الصَّلَاةِ حتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بالسُّكُوتِ، ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ).
واستدلّ الفقهاء بما أخرجه مسلم أيضاً عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: (بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ).
إلا أن الفقهاء تعدّدت آراؤهم إن كان الكلام عن جهلٍ، أو نسيانٍ، أو نومٍ، أو خطأٍ، أو إكراهٍ؛ فذهب الحنفيّة إلى بطلان الصّلاة حتى لو كانت بسبب ما سبق، ووافقهم على ذلك الحنابلة بشرط أن يكون النوم يسيراً، أما الشافعيّة فذهبوا إلى عدم بطلانها لتلك الأسباب استناداً لقوله -تعالى-: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)، وما ورد فيما أخرجه مسلم عن معاوية بن حكم السلمي، إذ كان قد تحدّث بالصلاة جاهلاً إلا أنّ النبي لم يأمره بالإعادة.
القهقهة
ورد عن جمهور الفقهاء الأحناف والمالكيّة والحنابلة بأن الضحك في الصلاة بصوتٍ مرتفعٍ يُبطلها، والابتسامة لا حرج فيها.
الحركة الكثيرة
اتّفق الفقهاء على أن كثرة الحركة في الصلاة تُبطلها؛ كالمشي في الصلاة خطوات كثيرة، أما لو كانت حركة قليلة؛ كتحريك الأصبع أو الحكّة ونحوه فلا يُبطلها، وقد ورد عن الإمام النووي: "إنّ الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلاً لم يبطلها بلا خلاف".
ترك ركنٍ أو شرط
تبطل الصلاة باتّفاق العلماء عند الإخلال بركنٍ أو شرطٍ منها؛ كترك الوضوء، أو الخطأ في القبلة عامداً كان المصلي أو ناسياً، وتجب إعادتها عند ذلك، وقد استدلّوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- لمّا أمر رجلاً بإعادة صلاته، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى، ورَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَجَاءَ فَسَلَّمَ عليه، فَقَالَ له: ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: وعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ).
الأكل والشرب
اتّفق الفقهاء وأهل العلم على بطلان الصلاة في حال أكل المصلي أو شربه خلالها ويجب إعادتها، وقد ورد عن ابن المنذر أنه قال: "أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنَّ على من أَكل أو شرب في الصلاة عامداً الإِعادة".
الحَدَث
أجمع الفقهاء على عدم قبول صلاة من أيقن وقوع شيءٍ من مبطلات الوضوء وتأكّد منه، استناداً لِما أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-: (أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلُ الذي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: لا يَنْفَتِلْ -أوْ لا يَنْصَرِفْ- حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا).
مكروهات الصلاة
المكروه: هو ما لم ينهَ عنه الشّرع نهياً جازماً، وهو حكمٌ بين المباح والحرام، وتركه أولى من فعله، ويؤجر تاركه، ولا يؤثم فاعله، وتوضيح مكروهات الصلاة فيما يأتي:
- الالتفات عن موضع القبلة؛ وقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ الِالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: هو اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِن صَلَاةِ العَبْدِ).
- اختلاس النّظر أو الإشارة باليد أو العين أو الحاجب وتحريكهم من دون حاجةٍ مُلحّة، ويُكره عَبَث المصلّي خلال صلاته بملابسه أو جسمه بلا سببٍ، وكذا التمايل أو تحريك الرأس.
- رفع البصر إلى السماء خلال الصلاة، استناداً لما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ما بالُ أقوامٍ يرفعونَ أبصارَهم إلى السَّماءِ حتَّى اشتدَّ قولُهُ في ذلِكَ، لَينتَهنَّ عن ذلِكَ أو ليخطفَنَّ اللَّهُ أبصارَهم)، ويُكره إغماض العيون في الصلاة بلا سبب.
- كفّ الشعر والثوب عند السجود؛ بمعنى إبعاد أجزاء من الملابس كالأكمام أو الثوب أو ما على الرأس أو الشعر عند السجود، استناداً لِما أخرجه ابن حبان -رحمه الله- في صحيحه: (أُمِرْتُ أنْ أسجُدَ على سبعةٍ ولا أكُفَّ شعَرًا ولا ثوبًا)، ويُكره السّدل في الصلاة؛ أي لبس الثوب على الرأس دون ارتداء الأكمام، لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللهِ نهى عن السَّدْلِ في الصَّلاةِ).
- وضع اليد في الفم دون حاجة والبصق خلال الصلاة، وتُكره فرقعة الأصابع وتشبيكها؛ استناداً لما رواه كعب بن عجرة -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: يا كعبُ بنَ عُجْرةَ إذا توضَّأْتَ فأحسَنْتَ الوضوءَ ثمَّ خرَجْتَ إلى المسجدِ فلا تُشَبِّكْ بينَ أصابعِك فإنَّك في صلاةٍ).
- مسح الجبهة قبل الخروج من الصلاة، بدليل ما أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله- عن أبي ذر الغفّاري -رضي الله عنه- قال: (إذا قامَ أحدُكم إلى الصلاةِ فلا يَمسحِ الحَصَى فإنَّ الرحمةَ تُواجهُه)، ويُكره ترتيب موضع السجود؛ كترتيب الحصى وغيره.
- الصفد والصفن في الصلاة، والصفن هو الارتكاز على قدمٍ دون الأخرى دون حاجة، أما الصفد فهو قُرب القدمين عن بعضهما البعض، والصفد مكروه للرجال فقط.
- التباطؤ والتكاسل في الصلاة والتثاؤب فيها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (إنَّ التَّثاؤبُ في الصَّلاةِ منَ الشَّيطانِ، فإذا تثاءبَ أحدُكم فليَكظِم ما استطاعَ، وفي روايةٍ فليضَعْ يدَه على فيهِ).
- التخصُّر خلال الصلاة بوضع اليد على الخصر دون حاجة، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّه نَهَى أنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا).
- الصلاة في الأسواق وفي أماكن مرور العامة لغير حاجة وفي الوديان خوفاً من السيل، وتُكره الصلاة في دور عبادة غير المسلمين، وفي المقابر، وفي مبارك الإبل، وعلى سطح الكعبة، وتُكره في الأماكن الممتلئة بالأوساخ وتعافها النفس؛ كالمزابل أو المجزرة، وكذا الصلاة باتّجاه النور أو الجمر أو النار.
- الجهر في الصلاة في حال الإسرار والعكس صحيح، ومقارنة أفعال المأموم مع الإمام، إذ يجب مُتابعة الإمام وفعل أركان الصلاة بعد الإمام لا معه.
- ترك قراءة سورةٍ بعد قراءة الفاتحة في أوّل ركعتين من الصلاة، ويُكره إطالة الجلوس بين السجدتين، وإطالة التشهد الأول، والاختصار بالتشهّد الأخير.
- الصلاة عند اشتهاء الطعام، وتُكره في حال كان المصلي حاقناً لبولٍ أو غائطٍ أو ريحٍ.
- الصلاة في حالة الغضب الشديد، وتُكره الصلاة بوجود لثامٍ على وجه الرجل أو نقابٍ على وجه المرأة.
- الصلاة بثوبٍ أو على شيءٍ كثير الرسومات والتصاوير، استناداً لما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (صَلَّى رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في خَمِيصَةٍ له لَهَا أعْلَامٌ، فَنَظَرَ إلى أعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا سَلَّمَ قالَ: اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هذِه إلى أبِي جَهْمٍ، فإنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفًا عن صَلَاتِي).
- الاعتماد والاتّكال على اليدين عند القيام أو الجلوس في الصلاة، استناداً لما رواه عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما-: (نَهى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أن يجلِسَ الرَّجلُ في الصَّلاةِ وَهوَ معتمِدٌ على يديهِ).
- الإقعاء في الصلاة؛ وهو الجلوس وإلصاق اليدين والإليتين بالأرض مع نصب الساقين، وهذه الجلسة تشبه جلسة الكلب، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (أمرَني رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بثلاثٍ ، ونَهاني عن ثلاثٍ: أمرَني برَكْعتيِ الضُّحَى كلَّ يومٍ، والوترِ قبلَ النَّومِ، وصيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهْرٍ، ونَهاني عن نَقرةٍ كنقرةِ الدِّيكِ، وإقعاءٍ كإقعاءِ الكلبِ، والتفاتٍ كالتفاتِ الثَّعلبِ).
- التربّع في الصلاة بلا عذر، ويُكره رفع الأيدي عند السلام، وقد روى جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: ما لي أرَاكُمْ رَافِعِي أيْدِيكُمْ كَأنَّهَا أذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا في الصَّلَاةِ).
- ربط الشعر للرجال، وقد رُوي عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- نهى أن يُصلِّيَ الرجلُ ورأسُه مَعقوصٌ)، ونُهيَ عن ترك وسط الرأس مكشوفاً في حال عقد حوافه بعمامة أو منديل.
- التنكيس في القراءة؛ وهو قراءة القرآن في الصلاة بغير ترتيب القرآن، كقراءة سورة الغاشية في الركعة الأولى والأعلى في الثانية، أو يقرأ نصف السورة الأخير في الركعة الأولى، ثم النصف الأول منها في الركعة الثانية.
- تخصيص الدعاء في الصلاة، وقد نهى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فعن ذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قَامَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في صَلَاةٍ وقُمْنَا معهُ، فَقَالَ أعْرَابِيٌّ وهو في الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومُحَمَّدًا، ولَا تَرْحَمْ معنَا أحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: لقَدْ حَجَّرْتَ واسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ).
- قراءة القرآن في الرّكوع أو السجود، فقد روى عبد الله ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا، أوْ سَاجِدًا).
- الصلاة بمكان تواجد شخصٍ نائم أو شخصٍ يتكلّم، فقد جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (نُهيتُ أن أُصلِّيَ خلفَ المُتحدِّثينَ والنِّيامِ).
- الصلاة بثوبٍ واحدٍ دون وجود شيءٍ آخر تحته، حيث ورد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنه: (نَهى أنْ يُصلِّي الرجلُ في لحافٍ لا يتوشحُ بهِ، و نَهى أنْ يصلِّي الرجلُ في سراويلَ و ليسَ عليهِ رداءٌ)، وتُكره الصلاة بكشف الكتف اليمين وتغطية اليسار؛ ويُطلق عليه الاضطباع.