ما هي عكا
عكا
عكا (بالإنجليزية: Acre) من أقدم المدن الفلسطينيّة العريقة، تشتهر بقوة حصونها، ومينائها، وتاريخها الثريّ بحضارات عديدة قامت على أرضها، ومازالت شواهدها قائمةً حتى اليوم. استُخدِمَ اسم عكا منذ آلاف السنين، وكان أول من استخدمه المصريّون القدماء في القرن الثاني قبل الميلاد، ويعود الاسم إلى أساطير قديمة تقول إنّ المدينة كانت تُسمّى (عكو) ومنها جاء اسم عكا. في التاريخ الحديث تعرضّت عكا للاحتلال الإسرائيليّ في نكبة عام 1948م، وتُصنّف اليوم ضمن ما يُطلَق عليها أراضي عام 1948م، وهي الأراضي الفلسطينيّة التي تخضع للسّيطرة الإسرائيليّة.
سكان عكا
قبل النكبة كان أغلبية سكان عكا من العرب إلى جانب مجموعة صغيرة من اليهود، ولكن بعد عام 1948م تراجع عدد العرب بشكل كبير بسبب التهجير القصريّ من أراضيهم واستيطان اليهود فيها، وأصبحوا يُشكّلون اليوم نسبة 35% من سُكّان المدينة فقط وفق إحصاءات عام 2010م. يبلغ عدد سكان المدينة 46 ألف نسمة.
تتميّز مدينة عكا بتنوّع الديانات التي تضمُها؛ فهنالك 4 ديانات في المدينة، وهي الإسلام، والمسيحيّة، واليهوديّة، والبهائيّة ، ويُمارس أتباع كل ديانة طقوسهم بأماكن العبادة الخاصّة بهم التي تنتشر عبر المدينة. إلى جانب الديانات المُتنوعة، تنتشر لغات عديدة يتحدّثها سكان المدينة؛ وهي العربيّة، والإنجليزيّة، والعبريّة، والروسيّة، والفرنسيّة.
جغرافيّة عكا
الموقع
تقع مدينة عكا في شمال فلسطين ، تحديداً في الطرف الشماليّ لخليج عكا، تحدُّها من الشمال رأس الناقورة، ومن الجنوب جبل الكرمل، ومن الشرق يحدّ المدينة سفاح جبال الجليل ومُستنقعات نهر النعامين، وتطُلّ سواحلها الغربيّة على البحر الأبيض المُتوسّط. تبعد المدينة عن مدينة القدس 179كم إلى الشمال الغربيّ، وعليه، تتمتّع عكا بموقع استراتيجيّ هام جدّاً لا سيّما إحاطتها بالأسوار والدفاعات الطبيعيّة من الجبال والتلال، مما يجعل الوصول إليها شاقّاً، ويجعلها آمنةً ضد الهجمات.
أما من جهة البحر فيُحيط بالمدينة سور عكا الذي يلتفّ حولها بطول 2,850كم، ويُوفّر حمايةً قويّةً ضدّ أي هجمات بحريّة، كما تضمّ سواحل عكا ميناءً تاريخيّاً شهيراً جدّاً ساعدها لتكون مركزاً تجاريّاً رئيسيّاً لفترات طويلة عبر التاريخ.
المُناخ
تتمتّع مدينة عكا بطقس لطيف مُعظم أيام السنّة يتميّز بالدفء والاعتدال. يُوصف صيف عكا بالحرارة والرطوبة؛ وذلك بسبب وقوعها على سواحل البحر. شهر أغسطس هو أعلى الشهور حرارةً، حيث يصل مُتوسّط درجات الحرارة فيه إلى 26.7 درجةً سيليزيّةً، بينما يُوصف شتاء عكا بالبرودة النسبيّة التي قد تميل إلى الدفء في كثير من الأحيان، ويتزايد فيه مُعدّل تساقط الأمطار. شهر يناير هو أكثر أشهر السنة برودةً، حيث يصل مُتوسّط درجة الحرارة فيه إلى 13.7 درجةً سيليزيةً، ويصل مُتوسّط مُعدّل الهطول المطريّ في نفس الشهر إلى 146ملم.
تاريخ عكا
تُعد عكا من أقدم المدن التي تأسست في التاريخ البشريّ، وتتميّز بكثرة الحضارات التي قامت على أرضها وتركت كل منها آثاراً في المدينة حتى اليوم. يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الثالث قبل الميلاد على يد قبيلة كنعانية تُسمّى بالجرجاشيّين، أسموها (عكو) وحوّلوها إلى مركز تجاريّ هام جداً. في عام 1479 قبل الميلاد احتلّ المدينة جيش تحتمس الثالث المصريّ إلى جانب البلاد السوريّة، ثم في عام 1324 قبل الميلاد احتلّ المدينة الفرعون سيتي الأول. تعرّضت المدينة لمُحاولات احتلال من قِبَل العبرانيون، لكنّهم لم يستطيعوا الوصول إليها.
استمرّ الحكم الكنعانيّ العربيّ للمدينة حتى القرن الثامن قبل الميلاد عندما خضعت لحُكم الملك الاشوريّ شلمناصر الخامس، ثم في القرن السادس قبل الميلاد انضمّت المدينة تحت الحكم الفارسيّ الذي حكم المنطقة كاملةً، وعند بدء حملات الإسكندر الكبير المقدونيّ في المنطقة خضعت المدينة لحُكمه في القرن الرابع قبل الميلاد. استمرّ تعاقُب الاحتلال على مدينة عكا فخضعت لحكم البطالمة والسلوقيين خلفاء الإسكندر المقدونيّ بين أعوام 285 – 247 قبل الميلاد، وأسموها (بتولمايس). في بداية القرن الثاني الميلادي خضعت المدينة لحكم السلوقيين، وفي عام 69 قبل الميلاد احتلّتها جيوش الملك الأرمني تيغرانس إلى جانب سوريا.
الحُكم الروماني
عندما اجتاح الرومان سوريا فُتحت مدينة عكا على يد القائد بومبي في عام 64 قبل الميلاد، وأصبحت المدينة جزءاً من الأراضي السوريّة التي تحكمها الدولة الرومانيّة، في عام 47 قبل الميلاد زارها الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر. اكتسبت المدينة شهرةً واسعةً في عهد الدولة الرومانيّة، وازدهرت تجاريّاً بشكل أكبر، واشتهرت بنسج الحرير وصبغه بالأرجوان. في عهد الإمبراطور الروماني نيرون 54-68م قام الرومان بإنشاء طريق ساحلي بين أنطاكيا شمالاً ورُفِع جنوباً، ممّا زاد مكانة المدينة كمركز تجاريّ هام، وأصبحت المدينة مركزاً لتجارة الأسماك. بعد انقسام الدولة الرومانيّة في عام 395م انضمّت عكا إلى الجزء الشرقيّ من الإمبراطوريّة، وأصبحت جزءاً من الدولة البيزنطيّة حتى القرن السابع الميلادي.
العهد الإسلامي
عند بدء الفتوحات الإسلاميّة في القرن السابع الميلادي فتح المدينة شرحبيل بن حسنة في عام 636م (16هـ) ودخلها الإسلام. عند تولّي معاوية بن أبي سفيان الولاية على سورية عام 640م (20هـ) عمِلَ على تأسيس جيش بحريّ لحماية المدينة من الجهة الساحليّة، وعندها أسّس أول أسطول بحريّ، وساعده على ذلك أحواض بناء السفن التي كانت في المدينة من آثار الدولة البيزنطيّة، وأصبحت المدينة تشتهر بصناعة السفن، كما استغلّ المسلمون ميناء عكا لبدء الفتوحات الإسلاميّة عبر البحر المُتوسّط، فمن ميناء عكا انطلقت أول رحلة بحريّة إلى جزيرة قبرص عام 649م (28هـ)، ثم إلى جزيرة رودس 654م (34هـ). أمّا في العصر الأمويّ اشتُهِرت المدينة بإنتاج الزيتون وقصب السكر.
الحروب الصليبية
في نهاية القرن الـ 11 الميلادي، أسس الصليبيون دولة في فلسطين، ولحمايتها، قاموا بالإستيلاء على الموانئ الفلسطينية، وكانت عكا تخضع لحُكم الفاطميين في عام 1102م، وبعد عدة محاولات، فشل الصليبيون بالسيطرة على ميناء عكا تحت حكم ملك بيت المقدس بغدوين الأول، مما جعله يطلب المساعدة من أسطول مدينتي جنوا وبيزا، وحاصر أسطوليهما المدينة. بالرغم من الدفاع القوي عن المدينة، عجزت جيوش الدولة الفاطمية تحت قيادة زهر الدين الجيوشي عن الصمود، وبعد عشرون يوماً، سقطت المدينة تحت حكم الصليبيين في عام 1104م. إستمر حكم الصليبيين فيها حتى فتحها صلاح الدين الأيوبي في عام 1187م، لكنهم عادوا وإحتلوها لمئة عام، حتى قضى عليهم سلطان المماليك الأشرف خليل بن قلاوون عام 1291م.
الدولة العثمانية
استعادت المدينة أهميّتها التجاريّة في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادين وأسّس الفرنسيون فيها مركزاً تجاريّاً، ممّا جعلها تتقدّم تجاريّاً، ونهضت المدينة عمرانيّاً في عهد الأمير فخر الدين بن قرقماز الذي بنى فيها قصراً وجامعاً ومركزاً للجمرك. في عام 1750م أخضع الشيخ ظاهر العمر الزيدانيّ المدينة لحُكمه وأعاد ترميم جدرانها وحصونها وسورها، كما أصبحت المدينة مركزاً لتجارة القطن والحرير والقمح. في عهد أحمد باشا الجزار تم تحصين المدينة مرّةً أُخرى، وبنى فيها سوقاً ومسجداً على طريقة إسطنبول ، وبنى الجزار فيها الخان المعروف بخان العمدان، وجرّ الماء إلى المدينة، وفي عهده هُزِمَ نابليون هزيمةً نكراء، وعاد أدراجه بعد فشله في احتلال المدينة وانسحب من الأراضي السوريّة.
حصار نابليون
في عام 1799م قام نابليون بونابرت بتوجيه جيوشه إلى مدينة عكا للاستيلاء عليها، وبالفعل، حاصرها برّاً وبحراً وجوّاً لمدة شهرين، لكن الجيش العثمانيّ بقيادة الجزار صمد في وجه نابليون وجيوشه بمساعدة من الأسطول الإنجليزي بقيادة السير سدني سميث الذي عزّز دفاعات سور عكا واستولى على الأسطول الفرنسي. وبالرغم من أنّ جيوش نابليون حاصرت المدينة من جميع الجهات ووضع مدافع على التلال المُجاوِرة للمدينة، إلا أنّها لم تستطع الوصول إلى المدينة، وصمدت عكا، فما كان من نابليون إلا أن اقترب من سور المدينة ورمى قبّعته داخل سورها، وقال حينها مقولته الشهيرة: (نابليون لم يدخل مدينة عكا، لكن قبعته دخلت مدينة عكا). ولصمودها الجبّار، سُمّيت عكا بقاهرة الغُزاة.
حرب 1948
كغيرها من مدن الشمال الفلسطينيّ وقعت عكا تحت الاحتلال الإسرائيليّ الناتج عن حرب 1948م، فنزح عدد كبير من سُكّان المدينة، وبذلك تراجع عدد سكانها العرب بشكل كبير وحلّ محلّهم اليهود. نتيجةً للتدفُق الكبير لليهود إلى المدينة ارتفع عدد سُكان مدينة عكا، وزاد عدد المُستوطنات التي تحتضن السكان اليهود حتى وصل تعداد المدينة في عام 2001م إلى 45.900 نسمة.
معالم عكا
نظراً للتاريخ الطويل الذي مرّ على مدينة عكا تحتوي المدينة على العديد من الآثار الخالدة التي تعود لحضارات وعصور مُختلفة، والتي ما زالت قائمةً حتى اليوم. ولأهميّة المدينة التاريخيّة أُدرجت المدينة ضمن قائمة اليونيسكو للتراث والآثار العالميّة عام 2001م. ومن أبرز المعالم التي تحتويها مدينة عكا ما يأتي:
- قلعة عكا: من أشهر القلاع في العالم ومن أشهر معالم عكا. بُنيت القلعة في القرن الثاني عشر الميلادي فوق أنقاض القلعة الصليبيّة. ويوجد في القلعة سجن عكا المشهور.
- القلعة الهوسبيتلريّة: تعود هذه القلعة إلى الدولة الصليبيّة التي قامت في عكا، حيث كان الصليبيّون يستخدمونها لعدة أغراض. الهوسبيتلاريّون هم رهبان كانت مَهمّتهم المُحافظة على سلامة الرعايا المسيحيين في عكا.
- نفق الفرسان: هو نفق يمتد لطول 350 متراً في القلعة التمبلاريّة التي بناها حُرّاس المعبد الصليبيّين في عكا، ويمتد من القلعة حتى ميناء المدينة، وكان يُستخدم كممر استراتيجيّ خفيّ تحت الأرض. أُكتشف النفق في عام 1994م.
- حمّام الباشا: بناه أحمد باشا الجزار في نهاية القرن 18 الميلادي، وكان يُسمّى بالحمام الجديد، ثم بحمام الباشا. جاء بناء الحمام كجزء من جهود الجزار لتطوير المدينة في فترة الدولة العثمانيّة. يتكوّن الحمام من ثلاثة أجزاء رئيسة إلى جانب عدة غرف.
- ميناء عكا: من أهمّ موانئ فلسطين، ومن أقدم الموانئ التاريخيّة في العالم، لعب دوراً هامّاً في العديد من الأحداث عبر التاريخ، واليوم تحول إلى ميناء سياحيّ يستقبل الزوّار.