ما هي عتق الرقبة
الرّق في الإسلام
كانت ظاهرة الرّق منتشرة بشكلٍ كبيرٍ أيّام الجاهليّة ، فانتشر الظلم بين النّاس والخطف والفقر والحاجة، وكان المدين إذا لم يستطع إيفاء دينه يأخذه الدائن رقيقاً، وكانوا أسرى الحروب يُؤخذوا رقيقاً، وكان ذلك الحال سائداً حينما ظهر الإسلام، فلمْ يُحرّم الإسلام الرّق حينها، لكنّه فتح أبواباً واسعة لتحرير الرّقيق من الظّلم والعبوديّة، وكانت أوّل وسيلة عالج بها الإسلام ظاهرة الرّق بأن جعل لهم حقوق وعليهم واجبات، وجعل لهم الأجر والثّواب من الله -تعالى- إذا عملوا صالحاً، ثمّ حرّم ظلمهم وجعل من يتعدّى عليهم مُحاسباً أمام الله تعالى، ثمّ شجّع المسلمين لتحرير الرّقاب وإعتاقها وجعل في ذلك الأجر العظيم والنّجاة من العذاب.
عتق الرّقبة
من الطّرق التي أوجدها الإسلام للتخّلص من ظاهرة الرّق التي كان شائعة أيّام الجاهليّة، وفيما يأتي بيان معنى الرّق والعتق:
- الرّق: العبوديّة، ورقّ العبد؛ أي بَقِي رقيقاً عبداً.
- عَتَقَ العبد: خرج من العبوديّة، وعِتْق الرقبة يعني تحريرها.
عتق الرّقبة في الإسلام
جاء الإسلام بالتشّريعات الكاملة والحكيمة التي أنصفت كلّ مظلوم، فحرّر الإسلام العبيد والرّقيق لحاجتهم إلى الحرّيّة، ونظّم حقوق العبيد الذين امتلكهم المسلمون انصافاً لهم ولآدميتهم، وكان تنظيم الإسلام لتحرير الرّقيق بعدّة صور؛ منها:
- شجّع الإسلام على عتق الرّقبة؛ إذ رتّب على ذلك أجراً وثواباً عظيماً؛ تشجيعاً للأغنياء من المسلمين على إعتاق وتحرير العبيد من المسلمين من العبوديّة ويجعلونهم أحراراً لوجه الله تعالى، قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (من أعتق رقبةً مسلمةً أعتق اللهُ بكلِّ عضوٍ منه عضواً من النّارِ، حتى فَرْجُه بفَرْجِه)، فمن أعتق عبداً وجعله حرّاً لوجه الله -تعالى- كأنّما أعتق نفسه من النّار، فتسابق الصّحابة -رضي الله عنهم- إلى ذلك؛ فقد ورد أنّ عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أعتقت تسعةً وستين رقبة، وأعتق عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- عشرين عبداً، وأعتق العبّاس -رضي الله عنه- سبعين عبداً، وأعتق عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- ألفاً من العبيد.
- جعل الإسلام عتق الرّقاب واحداً من مصارف الزكاة ؛ حيث قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ).
- شرع الإسلام المُكاتبة؛ وهي أن يُكاتب العبد سيّده على مبلغٍ من المال مقابل أن يعتقه، وأوجب الإسلام معاونة المسلمين العبيد حتّى يُخلّصوا أنفسهم من العبوديّة.
- رغّب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بتزوّج الجواري وعتقهنّ؛ حيث قال: (من كانت له جاريةٌ فعالها فأحسنَ إليها، ثمّ أعتقَها وتزوجَها كان له أجران).
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن الاعتداء على العبيد وشدّد في ذلك، حيث قال: (من ضرب غلاماً له، حدّاً لم يأتِه، أو لطمَه، فإنَّ كفارتَه أن يعتقَه).
- نبّه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على أنّ العبيد هم إخوان لسادتهم؛ فلا تجوز الغِلظة والقسّوة عليهم: (إخوانُكم خَوَلُكم، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديِكم، فمن كان أخوه تحتَ يدِه، فلْيُطعِمْه ممّا يأكُلُ، وليُلْبِسه ممّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم)، كما قال في تسمية العبيد: (لا يقولنَّ أحدُكم عبدي وأمَتي، كلُّكم عبيدُ اللهِ، وكلُّ نسائِكم إماءُ اللهِ، ولكن ليقُلْ: غلامي وجاريتي وفتايَ وفتاتي).
تكفير الذّنوب بعتق الرّقبة
جعل الله -تعالى- عتق الرّقبة كفّارةً لبعض الذّنوب التي يرتكبها المسّلم؛ للتقليل من العبوديّة والرّقيق، وفيما يأتي بيان ذلك:
- أوجب الإسلام كفّارة قتل المؤمن الخطأ بتحرير رقبة مؤمنة، قال الله تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ).
- أوجب الإسلام كفّارةً على المسّلم الذي ظاهر زوجته تحرير رقبة، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا).
- جعل الإسلام كفّارة المسّلم الذي وطء زوجته في نهار رمضان عتق رقبة، ودليل ذلك أنّه جاء رجل إلى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- فقال له: (هلكتُ وأهلكت)، فقد وقعتُ على زوجتي في نهار رمضان، فسأله الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (فقال: هل تجدُ رقبةً؟)؛ فكان ذلك دليل رجحان أنّ عتق الرقبة كفّارة الوطء في نهار شهر رمضان المبارك.
- جعل الإسلام عتق الرّقبة إحدى كفّارات الحنث في اليمين، حيث قال الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ).
أحكام تتعلّق بعتق الرّقبة
وردت عدّة أحكام في الشّريعة الإسلاميّة تتعلّق بعتق الرّقبة؛ وبيان بعضها فيما يأتي:
- أشار الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- في كتاب الموطّأ أنّ الكفّارة لا تسقط إلّا بعتق رقبة مؤمنة، وأشار ابن حجر العسقلانيّ في فتح الباري أنّ الرّقبة عندما ورد ذكرها في القرآن الكريم ذُكرت مُطلقة في آية كفّارة اليمين بغير تحديد الإيمان أو عدمه، أمّا في آية كفّارة القتل الخطأ حدّدت الرّقبة بأنّها رقبة مؤمنة.
- عتق الرقبة يتساوى فيها الصّغير والكبير، والذكر والأنثى، وإذا كان والدا الرّقبة مؤمنان فالرّقبة تُحلق بهما وتُصف بأنّها مؤمنة.
- الرّقاب معدومة في الوقت الحالي؛ أي أنّه لا يوجد رقاب لتحريرها، فمن أصاب ذنباً وكانت كفّارته تحرير رقبة فعليه أن يبحث عن البدائل التي شرعها الإسلام لتكفير ذنبه .
- الأفضل والأحوط أن تكون الرّقبة سليمة وكاملة الخِلقة وبلا عيوب مؤثّرة فيها؛ مثل: الجنون والعرج والعمى.