ما هي شجرة الخلد
الخلود
من أوّل يوم خلق الله -تعالى- فيه الإنسان وهو يفكّر كيف يدبّر شؤون حياته على أكمل وجهٍ، وقد كان أهمّ ما يقلق الإنسان شيئان أساسيان، هما: المال والحياة الطويلة الخالية من مرضٍ أو التوجّسٍ باقتراب الأجل، ولقد جاء الإسلام يؤكّد للمسلمين أنّ الرزق والأجل بيد الله -عزّ وجلّ- لا بيد غيره؛ حتّى يطمئن وتهدأ نفسه ويقبل على حياته سعيداً راضياً بما قسم وقدّر الله -تعالى- له، ولقد ذُكر في القرآن الكريم الحقيقة السابقة في قصّة آدم وحواء -عليهما السّلام- حينما أغواهما إبليس وسوّل لهما أن يأكلا من شجرةٍ بعينها مُحاولاً إقناعهما أنّ فيها خاصّيتي الخلود والمُلك، فبادرا إلى ذلك ليحقّقا رغبة العيش بسلامٍ آمنين من الفقر والموت.
شجرة الخُلد
أسكنَ الله -تعالى- آدمَ -عليه السّلام- وزوجته حوّاء الجنّة ، فكانت لهما مسكناً ومُقاماً، قال الله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، فالنهي عن الأكل من الشّجرة هو اختبار من الله -تعالى- لطاعته، وجاء في تفسير الشّجرة عدّة آراء للمفسّرين، فقال الثوريّ : إنّها نخلة، وقيل: إنّها تينة، ورُوي عن ابن عبّاس أنّها الكرم أو السّنبلة، وفي رواية أنّها شجرة البرّ، أو العنب، وقد أشار ابن جرير في تفسير ذلك أنّ القرآن الكريم لم يذكر نوع الشّجرة، ولم يضع دليلاً حولها وحول صفاتها، وإنّما ذُكر أنّ الله -تعالى- حدّد شجرةً بعينها ونهى عنها آدم وزوجته، فيجوز أن تكون أي نوع من أنواع الشّجر، ولو ذُكرت الشّجرة فهو علم، وإن لم تذكر فإنّ ذلك لن يضرّ النّاس شيئاً.
عداوة الشّيطان
لمّا خلق الله -تعالى- آدم -عليه السّلام- وأمر الله -تعالى- الملائكة أن يسجدوا لآدم تكريماً له، تكبّر إبليس ورأى أنه أفضل من آدم، فطرده الله -تعالى- من الجنّة، وجاء في القرآن الكريم: (قالَ فَاخرُج مِنها فَإِنَّكَ رَجيمٌ)، فأُثير الحسد والحقد على آدم في نفس إبليس، وعزم على غوايته وإخراجه من نعيم الجنّة التي منّ الله -تعالى- بها على آدم، حيث قال الله تعالى: (قالَ فَبِما أَغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُستَقيمَ*ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ)، فبدأت عداوة وبغضاء إبليس على آدم وأصبح يسوّل لآدم الأكل من الشّجرة التي نهاه الله -تعالى- عنها حتّى أوقعه في المعصية، قال الله تعالى: (فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطانُ قالَ يا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى*فَأَكَلا مِنها فَبَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)، ثمّ تاب الله -تعالى- على آدم وكفّر عن ذنبه، وأرشده وأرشد ذريّته من بعده أنّ إبليس عدوّ مبين لهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، وكذلك هو أسلوب الشيطان في الوسوسة لبني آدم حتّى قيام الساعة ، فهو يعمل على تزيين المحرّمات ويحبّبها للإنسان، ويجعله يظنّ أنّ فيها الخير والهناء والسرور؛ حتى يوقعه فيها، فيبتعد عن رضا الله -تعالى- وعن جنّته.
أساليب الشّيطان في إغواء الإنسان
يلجأ الشيطان إلى عدّة أساليب حتى يُوقع الإنسان في الشرّ، وفيما يأتي بيان بعضها:
- تزيين المعصية؛ فالشّيطان يزيّن للإنسان نومه حتى لا يقوم لصلاة الفجر، ويزيّن له المال حتّى يسهّل عليه السّرقة والاحتيال.
- التسّويف؛ فيبقى الشّيطان يذكّر الإنسان بطول الأمل، وطول العمر وأنّ الفُرص ما زالت متاحة للجدّ في العبادة والعمل.
- تهوين المعصية؛ فيبقى الشّيطان يحدّث الإنسان بأنّ معاصيه قليلة وصغيرة مقارنةً بغيره من النّاس، وأنّها لا تستحقّ التّوبة العاجلة أو النّدم عليها.
- التيئيس؛ فالشّيطان يبقى يهوّن على الإنسان معاصيه وذنوبه ويطوّل أمامه الأمل، ثمّ يُشعر إبليس الإنسان باليأس وأنّ الأوان فات للقيام بالأعمال الصالحة أو المبادرة بالتّوبة الصّادقة وأنّ الله -تعالى- لن يقبلها بعد كلّ تلك الغفلة منه.
- تهويل التّوبة وتصعيبها؛ فالشّيطان يحاول أن يُهوّل للإنسان صعوبة التّوبة وصعوبة الثّبات بعد التّوبة ، ويذكر له المشاقّ التي قد يواجهها إذا تاب وغيّر من سلوكاته وأقبل إلى الله تعالى، فيُقعده ذلك عن التّوبة وعن الإنابة.
طرد كيد الشّيطان ووساوسه
حتى تنصرف عن المسّلم وساوس الشيطان وعداوته وينصرف كيده وغروره؛ لا بدّ أن يعرف المسّلم أساليب ووسائل نيل رضى الله -تعالى- ويتبعها في حياته الدنيا، وفيما يأتي بيان بعضها:
- الاستعانة بالله -تعالى- على وساوس الشّيطان، واللجوء إليه بالدّعاء والتضرّع بأن يُنجيه ممّا يصرفه عن الجنّة وما يُوصل إليها من العبادات والأعمال الصّالحة.
- المحافظة على الصّلوات الخمس المفروضة؛ فهي تُعين صاحبها على الطّاعة وتُبعده عن الفواحش والمُحرّمات، قال الله -تعالى- في بيان ذلك: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).
- الاستحضار والتفكّر بضرر المعصية وآثارها المقيتة في الحياة الدنيا والحياة الآخرة عند لقاء الله -تعالى- والمحاسبة على الأعمال.
- مرافقة الصّالحين؛ فالرّفقة الصّالحة تُعين المسّلم على الطّاعات، وتذكّره حين غفلته وإتيانه أفعال لا ترضي الله تعالى.
- قراءة القرآن الكريم وتدبّر آياته، والإكثار من ذكر الله تعالى.
- الاجتهاد في النّوافل والعبادات والقُربات التي تُوصل إلى رضا الله -تعالى- وجنّته.
- متابعة وحضور دروس العلم والوعظ والإرشاد وقراءة الكتب القيّمة.