ما هي الوصية الواجبة
ما هي الوصية الواجبة
يُقصد بالوصيَّة الواجبة ما جاء حُكمه في القانون، ولم يكن له مثيلٌ سابق، لكن وُجدت الحاجة إليه لاحقاً، والوصية الواجبة على عِدَّة أحوالٍ، منها مثلاً وفاة الوَلد في حياة أبيه أو أمِّه أو كليهما، فعندها يَستحقّ الإخوة ميراث الأَب أو الأُمُّ ويُمنع منها هذا الولد المُتوفَّى لأنَّه مات قبل أحد والديه، مع أنَّه لو بقي حيّاً لورث منهما حال وفاتهما، وهذا يُؤدي إلى اختلالٍ في توزيع الميراث داخل الأسرة؛ إذ يَنتج عن ذلك حرمان أبناء الولد المتوفَّى من الميراث، فيجتمع عليهم فُقدان الأب المُعيل وفُقدان حُصَّة أبيهم من ميراث الجدّ، بينما على الجانب الآخر وفي نفس العائلة يَرون أبناء عُمومتهم وقد وَرثوا واغتنوا من حُصَّة أبيهم من الميراث، لذا ما قام به القانون في هذه الحالة هو إقرارٌ لمبدأ العدل.
واعتمد القانون في ذلك على نُصوص القرآن الكريم، وبعض آراء الفقهاء، وبذلك قام بحلِّ مُعضِلةٍ قد يواجهها الناس في واقعهم، وأوجب على المُوصي أن يُوصي، فإذا لم يقم بالوصيَّة أو مات قبل تنفيذها، تَكون تلك الوصيَّة نافذةً من غير إنشاء للتَّصرفات، بل تنتقل إلى الفروع بحكم القانون، تماماً كما ينتقل الميراث لهم. أمَّا فيما يتعلَّق بمن تجب لهم الوصيَّة بحكم القانون؛ فهم كلُّ الأولاد والبنات للابن الذكر الذي مات خلال حياة أبيه أو أمِّه، وكذلك أولادِ أولاده الذكور مهما نزلت درجتهم، كما تَجب الوصيَّة بحكم القانون لأولاد البنت الصُّلبية التي ماتت في حياة أمِّها أو أبيها، بغض النَّظر أكانوا ذكوراً أو إناثاً، ولكنَّ ذلك يَشملهم فقط ولا يَشمل أولادَهم، إذ إنَّ البنت التي تتوفَّى في حياة أبيها أو أمها وتترك أولاداً ذكوراً كانوا أم إناثاً، يستحقّون وصيَّةً في تركة جدِّهم وفي تركة جدَّتهم، إلاَّ أنَّ أولاد أولاد البنت التي تُوفّيت في حياة أبيها أو أمها لا تَجب لهم الوصيَّة.
يتبيَّن إذاً أنَّ الوصيَّة الواجبة في اصطلاح القانون تُعبِّر عن افتراض وصيَّة الجدِّ أو الجدَّة للأحفاد، وذلك في حال تَوفَّى والدهم أو والدتهم في حياة أبيه أو أمِّه، وتكون مقدار الوصيَّة للأحفاد بقدر حُصَّة أبيهم أو أُمِّهم من الميراث، بشرط ألَّا تزيد حصَّتهم عن ثُلث التَّركة، وبناءً على هذا التَّعريف نَتوصَّل إلى أنَّ القانون يَفترض وجود الوصيَّة، سواءً وُجدت في الحقيقة أم لم تُوجد، ويُلزم القاضي بالحكم بها، والقيام بتنفيذها وتطبيق مضمونها، سواءً أوصى الجدّ بها أم لم يوصي.
حكم الوصية الواجبة
القائلون بوجوب الوصيّة
قال العديد من العُلماء القُدامى بوجوب الوصيَّة الواجبة؛ ومن هؤلاء سعيد بن المُسيِّب، والحسن البصري، والإمام أحمد بن حنبل، وابن حزم، والطَّبري، وابن راهويه، ومن العلماء المُعاصرين القرضاوي، وأبي زهرة، كما أنَّ قانون الأحوال الشخصية والمَعمول به في بعض الدّول العربية أخذ بهذا القول، ومن هذه الدُّول: مصر، وسوريا، والأردن، والكويت، وتونس، وقطر. وقد استدلَّ الفقهاء القائلون بوجوب الوصيَّة الواجبة بعدَّة أدلّة ومن مصادر مُتنوِّعة؛ ومن هذه الأدلّة القرآن الكريم ، وبالتَّحديد قوله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، ووجه الدلالة أنَّ الآية الكريمة دلَّت على فرض الوصيَّة بحقِّ الوالدين والأقربين.
وقالوا إنّ هذه الآية لم تُنسخ؛ إذ إنَّ آية المواريث نَسخت وُجوب الوصية فقط في حقِّ من يرثون من الوالدين والأقربون، وهم أصحاب الفُروض والعَصبات، حيث صار هؤلاء يرثون بآية المواريث لا بالوصيَّة، ليتبقَّى من لايرث من الأقربين والوالدين، فهؤلاء تجبُ لهم الوصيَّة؛ وعلَّة جوب الوصيَّة حرمانهم من الإرث بسبب مانعٍ من موانع الإرث ، أو لوجود من هو أولى منهم بالميراث.
كما استدَّل أصحاب هذا القول بالسُّنة النَّبوية؛ من خلال الاستشهاد بحديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا ووَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)، وقاموا بتوجيه هذا الحديث لدعم قولهم من خلال بيان أنَّ الحديث يدلُّ صراحةً على وجوب الوصيَّة لدرجة أنَّه لا يجب أن يمضي ليلتان على المسلم إلا ووصيَّته مُكتوبة. وفيما يتعلَّق بقواعد الشَّريعة الإسلاميَّة ؛ فمن المعروف أنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة جاءت تنادي بمبادئ العدل وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقَّه، وهذا بلا شك يتناغم مع فكرة الوصيَّة الواجبة التي يُنادي العلماء بها؛ بالإضافة إلى حقِّ وليِّ الأمر بتقييد المُباح لما يَرى فيه من المصلحة العامَّة. كما تمَّ الاستدلال بالمعقول على الوصيَّة الواجبة بأنَّ الولد قد شارك في الغالب في جمع ثروة أبيه ونمائها، فلا يُعقل إذا مات وبعد الجهد الذي بذله أن يُحرَم أبناؤه منها، فهذا يُحدِث عدم اتّزان في الأُسرة بأن يَرث البعض ويُحرم البعض الآخر بسبب وفاة أبيهم.
القائلين بعدم وجوب الوصيّة
يُوجد بالمقابل مانعين لوجوب الوصيَّة الواجبة، ومِن هؤلاء جميع أصحاب المذاهب الأربعة ، والشيخ محمد الأشقر، ومحمد حجي الكردي، وغيرهم، وقد استدلَّ هذا الفريق أيضاً بأدلّة عديدة لإثبات قولهم، ومن هذه الأدلّة الآية الكريمة سابقة الذكر: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)، حيث قالوا بأنَّ وُجوب الوصيَّة الوارد في الآية منسوخٌ بآية المواريث، وأنَّ حُكم الوصيَّة النَّدب لا الوجوب. وبقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى، قد أعطَى كلَّ ذي حقٍّ حقهُ، فلا وصيةَ لوارثٍ).
بالإضافة إلى أنَّ الوصيَّة الواجبة لم تُنقل عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولا عن الصَّحابة الكرام -رضوان الله عليهم- من بعده، وهذا يدلُّ على عدم وُجوبها؛ إذ لو كانت واجبةً لما تركوها، كما أنَّ جميع الأحاديث التي وردت في الوصيَّة لم يَدلّ أيٌّ منها على الوُجوب، بل كلُّها تُصرف إلى الاستحباب، وأخيراً استدلُّوا بإجماع الجُمهور من علماء الفقه الإسلامي على عدم وجوب الوصيَّة، وأنَّ حُكمها الاستحباب.
شروط استحقاق الوصية الواجبة
يُجدر بالذكر أنَّ الوصيَّة الواجبة لا يتمُّ استحقاقها لمن ثَبتت له إلاّ بتوافُر شروطٍ معينَّة، وهي كالآتي:
- حُصَّة الأحفاد في الوصيَّة الواجبة لا يجب أن تَتجاوز حصَّة أبيهم في الميراث لو كان حيّاً؛ فتكون حُصَّتهم بمقدار حصَّته، بشرط ألَّا تتجاوز مقدار ثُلث الباقي من التَّركة بعد تجهيز الميِّت .
- عدم استحقاق الأحفاد للميراث إذا كانوا وارثين لأصل والدهم؛ وهم الجدُّ أو الجدَّة، أو كانوا ممَّن أُوصيَ لهم أو تمَّ إعطاؤهم بمقدار الوصيَّة الواجبة بلا مقابل من قبل الأصل في حال حياته، فعندها لا تجب الوصيَّة لهم، بل تكون اختيارية في حقِّهم، وإن أَعطاه أقل من الوصيَّة الواجبة فعندها تجب لهم الوصيَّة بمقدار تَكملة الثُلث فقط.
- تجب الوصيَّة الواجبة لكلٍّ من أولاد الابن، والطبقة الأولى من أولاد البنات، وأولاد ابن الابن وإن نزلوا، ذكوراً وإناثاً، على أن يكون للذَّكر مثل حظِّ الأُنثيين ، ويَأخذ كلُّ فرعٍ من هذه الفروع نَصيب أصله فقط.
- عند استيفاء الوصايا من ثُلث التركة يجب تقديم الوصيَّة الواجبة على الوصايا الاختياريَّة.