ما هي المذاهب الأدبية؟
المذهب الرومانسي
المذهب الرومانسي (1790م-1850م): سميّت الرومانسية بهذا الاسم نسبةً إلى (رومان) التي كانت تعني في العصر الوسيط حكاية المغامرات شعرً ونثرًا.
وبدأت الرومانسية بصفتها حركة أدبية في أواخر القرن الثامن عشر وانتهت في منتصف القرن التاسع عشر، إلّا أنّ تأثيرها مازال موجودًا حتى اليوم، حيث نشأ هذا المذهب كردّ فعل من الأدباء على التغييرات الهائلة التي حدثت بالمجتمع في هذه الفترة، مثل الثورات التي اندلعت في فرنسا والولايات المتحدة، والتطورات السياسية.
ميزات المذهب الرومانسي
يمتاز المذهب الرومانسي في الأدب بعدّة خصائص وهي:
- الاحتجاج على سلطان العقل: إذ تتجه الرومانسية إلى القلب وما فيه من مشاعر وما يهيجه من عواطف، والقلق والاندفاع نحو الجمال والتغنّي بالمحبة البوهيمية في أحضان الطبيعة، وهذا المذهب يتجه نحو ذات الفرد لا الإنسان عامًة وهذا ما نمّا النرجسية والبوح والاعتراف.
- التمرد والبناء: إذ ثار الرومانسيون على الأنظمة والقواعد الاجتماعية والأحكام المسبقة وذهبوا في التعبير عن الحرية الفكرية والاخلاقية والانعتاق النهائي، فهو يرون أنّهم يهدمون لأجل بناء أقوى وتقدّم أكبر.
- العودة إلى الطبيعة: كان الرومانسيون يتخذون من الطبيعة مشاهدًا لقصصهم وموضوعًا ملهمًا لما فيها من عظمة، ويستلهمون من ظواهرها السكون والعزلة والوحشة، فيناجونها أحيانًا ويهابونها أحيانًا أخرى لأنّهم يتطرقون إلى جبروتها وعدم مبالاتها بالإنسان.
- الولع بالتغرّب والغريب: فالرومانسيون يتغنون بفكرة الرحيل والفرار واكتشاف العوالم الأخرى والبحث عن المغامرات الجديدة وتغذية التجارب بالرحلات.
- المرأة اللغز: لقد أعطى الرومانسيون المرأة حقّها من الاحترام والتقدير، لكنّهم اختلفوا في النظر إليها فمنهم من رآها المعبودة الجميلة الملهمة والمحبوبة، ومنهم من نظر إليها بصفة شيطانة وأصلٍ للشقاء، ومنهم من اعتقد بامتلاكها الصفتين لكنهم أجمعوا على أنّها قدر لابدّ منه.
أبرز رواد المذهب الرومانسي
من أبرز رواد المذهب الرومانسي:
- ألفرد دوموسيّه (1810م-1857م): لقد عاش طيلة حياته في باريس وهو من أسرة مشتهرة بالآداب، كان ينشر في الصحافة أشعاره والقصص والمسرحيات الكوميدية التي كان يكتبها مثل قصيدته الغنائية رولّا، والليالي إذ كان يقول إنّ أعظم الأشعار تلك التي تأتي من اليأس.
- ألفرد دوفينيي(1797م-1863م): وهو شاعر رومانسي وكاتب مسرحيّ وروائي، انضم في البداية إلى العسكر لكنّه توجه بعد ذلك نحو الكتابة الرومانسية وكان ينشر ما يكتبه في الصحف ومما كتب مجموعته الشعرية (أشعار قديمة وحديثة).
- لامارتين (1790م-1869م): شاعر رومانسي وكاتب وقاصّ ومؤرخ، نشأ في فرنسا في وسط مثقف أتاح له فرصة الاطلاع والتعلم كتب الشعر في سنٍ مبكرة وقام بعدّة رحلات أثرت على أشعاره بالمعاني والجمال وكتب (التأملات، موت سقراط، المناجيات، غرازييلا).
المذهب الواقعي
الواقعية الأدبية هي جزء من حركة الفن الواقعية التي بدأت في فرنسا في القرن التاسع عشر واستمرت حتى أوائل القرن العشرين، إذ بدأت من نشر الكتّاب الواقعيون أعمالهم الواقعية في الروايات والصحف، وقد كان ظهور هذه الحركة هو ردّ فعلٍ على المذهب الرومانسي في القرن التاسع عشر وظهور البرجوازية في أوروبا إذ كان يُنظر إلى الرومانسية إلى أنّها مذهب غير واقعيّ.
ويوجد عدّة تيارات للواقعية وهي:
- الواقعية الاجتماعية: وهي نوعٌ يركز على الحياة والظروف المعيشية لدى الطبقات الفقيرة مثل رواية (البؤساء) لفكتور هوجو التي نقلت الحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا في أوائل القرن التاسع عشر.
- الواقعية السّحرية: وهو نوع يصوّر الحياة الطبيعية والعالم بصدق إلّا أنّها تُدخل بعض الخيال والعناصر السحرية فيها والتي تبدو طبيعية في العالم الذي تحدث فيه الرواية أو القصة مثل رواية (مائة عامٍ من العزلة) لغابرييل ماركيز التي يخترع فيها البطل قرية وفقًا لتصوراته الخاصة.
- الواقعية الاشتراكية: لقد اخترع هذا النوع جوزيف ستالين في الاتحاد السوفييتي واعتمده الشيوعيون، حيث صوّر هذا النمط كفاح طبقة البروليتارية كما جاء في رواية (Cement) لفيودور جلادكوف حيث صوّر فيها صراع إعادة بناء الاتحاد السوفييتي بعد الثورة الروسية.
- الواقعية النفسية: يستخدم هذا النمط الشخصيات للتعليق على القضايا السياسية والاجتماعية داخل المجتمع، وهو نمط تحرّكه الشخصية مع التركيز على ما يحفز هذه الشخصية ويدفعها لاتخاذ القرارات مثل رواية (الجريمة والعقاب).
- الواقعية الطبيعية: وهو شكل متطرف من الواقعية تأثر بنظرية التطور لداروين يستكشف الاعتقاد بأنّ العلم يمكن أن يفسر كل الظواهر الاجتماعية والبيئية.
ميزات المذهب الواقعي
من أبرز خصائص ومميزات الواقعية التالي:
- النظر إلى المجتمع على أنه كيان كلّي لا يتجزأ ويتضامن أعضاءه جميعًا لمسؤولية إصلاحه أو إفساده.
- الإيمان والتفاؤل أنّ الحب والحرية والديموقراطية والأخوّة هي التي ستنتصر دائمًا.
- الإخلاص للعلم والمادية في المذهب الواقعي ورفض الغيبية والمثالية، فهو يتجه نحو العقلانية.
- التحليل والتبصر في خفايا النفوس، لإبراز الغلل وإيضاح الأسباب وراء الأحداث.
- الوصف والتصوير البارعان اللذان ينقلان القارئ إلى عوالم جذابة تثير الدهشة.
- تلاحم المضمون والشكل، إذ يخدم الشكل الفنيّ المضمون، وكلما اتقن هذه الخصائص في النصّ دلّت على عبقرية الكاتب.
أبرز رواد المذهب الواقعية
أبرز رواد المذهب الواقعية:
- بلزاك (1799م-1850م): بدأ بلزاك حياته في سلك الكهنوت إلى أن توجّه إلى الكتابة والأعمال الأدبية، فانتقد سلطة الكنيسة ورجال الدين، والحكومة وسخر من البرجوازية، ومجّد العمال والفلاحين والمتمردين، ومن أعماله (الكوميديا البشرية).
- ستندال (1783م-1842م): وهو كاتب واقعي نشأ في فترة بزوغ الرومانسية لكنّه رفضها تمامًا، وامتازت واقعيته بتصوير الألم الداخلي والخارجي فكانت واقعيته نفسية قبل كلّ شيء، ومن أعماله (الحب، وراسيل وشكسبير).
المذهب الرمزي
في عام (1886م) ظهرت الرمزية في الأدب الغربي إبان إصدار مورياس لرسالة أدبية نشرت في صحيفة فيغارو الفرنسية تتضمن تعريفًا بهذا المذهب.
والرمزية هي مذهب أدبي يستخدم الرموز في إيصال أفكاره سواء أكانت شخصيات أو كلمات أو مواقع لتمثيل شيء يتجاوز المعنى الحرفيّ، ويُعتقد أنّ أقدم أشكال رواية القصص البشرية جاءت بالرموز كرسومات الكهوف والكتابات الهيروغليفية واستخدمها كذلك اليونانيون القدامى في المسرح للإشارة إلى آلهتهم، وفي الوقت الذي تختلف فيه موضوعات الأدب عبر العصور تبقى الرمزية ثابتة في معناها وهو الكلمة أو الشيء الذي يقصد بها معنى آخر يتجاوز المعنى الحرفي.
ميزات المذهب الرمزي
تنوّعت مميزات الرمزية ولاقت بعض أنواعها قبولًا وإثراءً من العديد من الكتّاب والأدباء ومن هذه المميزات:
- التحرّي عن الرّوح: تعتقد الرمزية أنّ الواقع المادي لا يستطيع دلّنا على الحقيقة، فاقترن الرمز بالسّرية ولا يمكن للإنسان فك الرمز وفهمه إلّا إذا تصوّف وارتفع فوق المادة.
- الايحائية: إذ إن الرمز الواحد يمكن تفسيره بعدة طرق ولا يحمل دلالة واحدة فقط.
- الانفعالية: ليست وظيفة الرمز نقل هيئة الشيء وأبعاده إلى المتلقي بل أن يوقع في نفسه الأحاسيس التي وقعت في نفس الشاعر، فهو يحمل الانفعال وليس المقولة وحسب.
- الغموض والايهام: ولا يعني هذا التعمية أو إخفاء المعنى، بل إنه حالة نفسية طبيعية فالإبداع يبقى مفتوحًا أمام الرمز على عكس الوضوح الذي يفقد الأفكار شاعريتها.
- الموسيقى: اهتم الرمزيون بالموسيقى لاعتقادهم أنّ النغمة هي التي تجعل التجربة مقنعة وغاية في ذاتها، وليس التركيز فقط على أصوات الحروف هو ما يشغلهم بل إنّ النغم الذي ينشدونه هو النغم النفسي.
أبرز رواد المذهب الرمزي
من أبرز رواد المذهب الرمزي:
- آرثر رامبو (1854م- 1891م): عاش لدى عائلة صارمة فرّ منهم ليشق طريقه نحو المنتديات الأدبية والأسفار والرحلات، وسافر إلى إنجلترا وبلجيكا، ودخل عالم الشعر مبكرًا متأثرًا ببودلير وفيرلين، امتاز شعره بالغموض والتعقيد والبساطة والسهولة، وكتب (فصل في الجحيم، وإضاءات، وأشعار).
- بول فاليري (1871م-1945م): تأثر بول بمالارميه وبدأ بكتابة الشعر في شبابه، لكنّه توقف فترة لدراسة الرياضيات والعودة إلى الكتابة بإتقان أكبر، مع قليل من التأمل الداخلي والتصوير الرمزيّ والأداء الذي يكثر فيه التلميح لذلك طُبع شعره بالغموض وعسر الفهم فكتب( الأشعر القديمة).
المذهب الكلاسيكي
المذهب الكلاسيكي (1515م-1610م): هو أوّل مذهب أدبيّ نشأ في أوروبا وتحديدًا في فترة عصر النهضة، وقوام هذا المذهب هو بعث الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ومحاولة محاكاتها لما فيها من قيم وخصائص إنسانية، ولقد كان المذهب الكلاسيكي في أول نشأته مرتبطًا بالأنظمة التقليدية والطبقة الأرستقراطية والطبقة الحاكمة لأنّ هذه الفئة كانت تبحث دائمًا عن الأفضل والأجمل فمعنى الكلاسيكية هو كلّ عمل جميل وعظيم تعرّض للتطوير عبر السنين.
ميزات المذهب الكلاسيكي
يمتاز المذهب الكلاسيكي بعدة خصائص أهمها :
- التعويل على الحقيقة: وذلك بالاقتراب من الواقع والابتعاد عن الخيال والوهم؛ وذلك لأنّ الواقعي هو الذي يصل للعالم، والحقيقي هو الأدب الممتع عن حقّ، فكلّ مصطنعٍ مقيت.
- العقلانية: إنّ العقل هو أداة التحكيم الوحيدة بين ما هو حقيقي ومزيف ونسبيّ ومطلق، فالعقل هو الحس السليم الذي يمنعنا من الانسياق وراء النزوات والخيالات غير الواقعية، وهو الشيء المشترك بين جميع الناس في كلّ العصور.
- الاتقان الفنّي: تمنع الكلاسيكية الجموح والخروج عن القواعد، ومهمة الكاتب الكلاسيكي هي إتقان فنّه حدّ الكمال، دون تكلّف أو تصنّع، فجمال الفن مرهونٌ بالعمل الدؤوب واستغلال الموهبة في هذه المهمة.
- القيم الأخلاقية: إنّ غاية الأدب ليست الإمتاع بل لابدّ من وضع هدف أخلاقيّ وروحيّ سامي يرتفع الإنسان به إلى أفضل حال، وهكذا كانت الكلاسيكية ترمي إلى صياغة مثال فني وأخلاقيّ موحد.
- أدبٌ غير شخصيّ: حيث تبدو ذات الكاتب كأنّها غائبةٌ فلا تظهر إلّا عبر الشخصيات فالكاتب هنا لا يعبِّر عن آرائه وأفكاره مباشرة بل يتّبع النهج الدراميّ التعليميّ.
أبرز رواد المذهب الكلاسيكي
- رونسار (1524م-1585م): إذ نشأ رونسار في بيئة أرستقراطية وعاش في البلاط الملكيّ، ودرس عدّة لغات، وقد ألهمته الحروب الكثيرة التي عاصرها مشاعر الحزن والألم والدّمار التي لاقت قبولًا لدى الشعب الفرنسي ومن مؤلفاته (الثريا).
- كورنيّ (1606م-1684م): لقد كان كورنيّ محاميًّا لكنّه آثر التوجه إلى المسرح فكتب في الكوميديا بالبداية ثمّ التفت إلى المأساة بعدها فكتب ميديا والسّيد، التي حققت نجاحًا باهرًا ثمّ كتب (هوراس وسينّا، وأوديب).
- مارو (1497م-1544م) لقد كان من شعراء البلاط ولقد كان شعره الكلاسيكي سطحيًا إلى حدّ ما مستوحى من الظروف والمناسبات التي عاشها وعاينها.
ملخص
لكلّ زمن ظروفه وطبائعه وهذا الأمر هو ما يؤثر دائما في نوع الآداب التي تظهر في هذا الزمن، فالظروف والأحداث هي التي أنشأت لنا المذاهب الأدبية جميعها لتخدم القارئ وترتقي به ولتعبّر عما رصده الكاتب وشعر به وأراد إيصاله، فتقسم الأدباء بين هذه المبادئ مظهرين أفضل ما في المذهب الواحد من خصائص، ملبيين حاجة العصر فاتحين الآفاق أمام الإنسان لينظر موطئ قدميه، ويسبر أغوار نفسه وفتح العالم أمام عينيه وإدخاله في حالات شعورية مختلفة يعيشها في الأدب.