ما هي الكبائر في الاسلام
مفهوم الكبائر في الإسلام
عرّف العلماء الكبيرة بما يأتي:
- المعصية التي عليها عقوبة دنيوية: الكبيرة هي ما كانت حراماً محْضاً ورتّب عليه الشّرع عُقوبةً بنصٍّ قاطعٍ إمّا في الدُّنيا؛ كالقتل والسرقة، أو في الآخرة، وقال الإمام الماورديّ: إنّ الكبيرة هي التي توجبُ الحدّ، كما جاء عن الإمامِ أحمد أنّ الكبيرة ما أوجبت حدّاً في الدُّنيا،ومن هذه الكبائر الزّنا.
- المعصية التي عليها وعيد في الآخرة: الكبيرة أيضاً هي الذُّنوب والمعاصي التي جاء فيها وعيدٌ في الآخِرة من عذابٍ أو غضبٍ أو لعنٍ من الله -تعالى- ورسوله لِفاعلها، وقال بعض العلماء هي ما جاء فيها الوعيد لِفاعلها بالنّار والعذاب إمّا في الكِتابِ أو السُنّة.
ويرى الغزاليّ أنّ الكبيرة هي المعصية التي يفعلُها الإنسان من غير خوفٍ، أو حذرٍ، أو ندمٍ؛ كالمتهاون بارتكابها والمُتجرِّىء عليها بعادته، وأمّا الواحديّ فذهب إلى أنَّ الكبائر ليس لها حدٌّ واضح أو معلوم، وقد أخفاها الله -تعالى- عن عباده؛ لكي لا يتجرّؤوا على معصيته، ولكي يبتعدوا عن جميع المعاصي.
حصر الكبائر بعدد معين
تعدّدت أقوال العُلماء في عددها، وذهب بعضهم إلى عدم حصرها بعددٍ مُعين، وضابطها ما كان يترتّب على فعلها الحدّ في الدُّنيا، والوعيد والعقاب في الآخرة، وقد ذهب ابن حجر الهيتميّ إلى حصرها بما نصّ القرآن الكريم على تحريمه بلفظ التّحريم، وهي أربعة أشياء: أكل لحم الخنزير، وأكل لحم الميْتة، وأكل مال اليتيم بالباطل، والتولّي والإدبار من الزحف؛ أي المعركة.
وقيل إنّها سبعة؛ لما ورد في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ)، وقيل: إنّها ثمانية بإضافة عُقوق الوالدين إلى السّبعة الواردة في الحديث السابق، وقيل إنّها تسعة، وقال ابنُ مسعود -رضيَ الله عنه- هي عشرة، وقال الإمام الزّركشيّ: أربعة عشر، وقيل أكثر من ذلك.
أسماء أخرى للكبيرة
يوجد العديد من الأسماء الأخرى للكبيرة، نوردها على النحو الآتي:
- إنّ من الأسماء الأُخرى للكبيرة الْحَدِّ أَوْ الْعَدِّ، وقال بذلك الإمام الزركشيّ.
- جاء في كلام الفُقهاء وفي الأحاديث لفظ الموبقات أو الموبقة، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ).
- جاءت كذلك بلفظ الفاحشة، لِقولهِ -تعالى-: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ).
وقال الإمام النّوويّ إنَّ النبيّ ذكر الكبائر السّبع على سبيل المثال لا الحصر؛ وذلك لكون هذه السّبع من أفحش الكبائر التي كثُر وقوعها. وأمّا السبب في تسميتها بالكبائر؛ فقد ذهب الإمامُ القرافيّ أنّ ذلك بسبب المفسدة الحاصلة بفعلها، فالكبيرة ما كان فسادُها عظيماً.
كيفية معرفة الكبائر
اختلف العلماء في معرفة الكبيرة، فقال البعض : ما لزم منه حد فهو كبيرة كالزنا والسرقة، وقال آخرون : أنها الإشراك بالله وقتل النفس والهروب يوم الزحف،وأكل مال اليتيم، وأكل الربا.
أمثلة على الكبائر
قسم بعض الأئمة الكبائر إلى قسمين : كبائر القلوب وكبائر الجوارح، وقالوا أن كبائر القلوب أعظم لأنها تأكل الحسنات وتلزم شديد العقوبات ، وأن كانت كلها -أي الكبائر- تؤدي إلى الظلم والفسق، وفيما يلي ذكر لبعض الأمثلة عليها :
- الشرك بالله تعالى، قال تعالى : (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمً).
- تعمد ترك الصلاة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ).
- التمثيل بالحيوان ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم - مر بحمار وسم في وجهه ، فقال : (لَعَنَ اللَّهُ الذي وَسَمَهُ).
- تخبيب المرأة على زوجها، أي إفسادها عليه ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها).
درجات الكبائر وتفاوتها
ذهب الفُقهاء إلى تقسيم الكبائر إلى كبيرةٍ وأكبر، وذلك بحسب ما يترتّبُ عليها من الفساد، وذكرنا في الفقرات السابقة بعض الأحاديث التي تُبيّن بلفظٍ صريح أكبرُ الكبائر؛ كشهادة الزّور، والإشراك بالله -تعالى-، وقال ابن حجر: إنّ المقصود من الأحاديث ليس حصر الكبائر بعددٍ معيّن، بل ثبت أنّ هُناك بعض المعاصي من أكبر الكبائر أيضاً، وأوصلها إلى عشرين بعد أن ذكر الأحاديث المتعلّقة بها، وبعد إسقاط المُتكرّر منها بلغت ثلاث عشرة كبيرة؛ ومنها قتل النّفس، واليمين الغموس، وسوء الظن بالله -تعالى-.
وتختلف درجات الكبائر وتتفاوت في الإثم والعُقوبة، فبعضُها أشدّ من بعض، وليس كُلّها على درجةٍ واحدة، وكلّ كبيرةٍ تنقسم إلى كبيرٍ وأكبر، وعظيمٍ وأعظم، وفاحشٍ وأفحش، فالشّرك بالله -تعالى- من أكبر الكبائر، وإن كان هذا الشّرك بجعل النّد لله -تعالى- من خَلقِه كان أكبر وأفحش، وقتل النّفس من الكبائر، وإن كان في الأشهر الحُرم فهو أعظم، والكذب من الكبائر، فإن كان كذباً على الله -تعالى- ورسوله فهو أشدّ فُحشاً وإثماً.
ومن أكبر الكبائر ما يأتي:
- الإشراك بالله -تعالى-: وهي من الذُّنوب التي تُخلِّد صاحبها في النّار.
- عُقوق الوالدين: ويكون ذلك بقطع الصّلة بين الابن ووالديه، والإساءة لهُما، وجحد فضلهما.
- شهادة الزّور: وهي الشّهادة الكاذبة بغير حقٍّ بأمرٍ ما عند القاضي.
الفرق بين الكبائر والصغائر
وضَع العُلماء بعض الضّوابط التي يُمكن من خلالها التّفريق بين الصغيرة والكبيرة، ومنها ما يأتي:
- الكبيرة أعظم مفسدة من الصّغيرة.
- الكبيرة من توعّد اللهُ -تعالى- فاعلَها بالعذاب واللّعن والعذاب الشّديد، والصّغيرة خلاف ذلك، فهي كلّ ذنب لم يقترن بوعيد أو حدٍّ أو لعْنٍ.
- الكبيرة ما كان تحريمها تحريم المقاصد؛ كفعل الزّنا، أو التّعامل بالرّبا، وأمَّا الصّغائر ما حُرّم بتحريم الوسائل؛ كالنّظرة المُحرمة.
- الكبيرة هي الذّنوب التي خُصّصت ببعض الأحاديث النبويّة؛ كالشرك بالله -تعالى- وغيرها ممّا صرّح النبيّ بأنها من الكبائر.
ملخص المقال: الكبيرة ما استحقت لعن أو غضب أو إقامة حد في الدنيا، ولم تحصر الكبائر بعدد معين، وتعددت أسماؤها؛ كالموبقات والفاحشة، وذكرت الأدلة الثابتة من القرآن والسنة الأمثلة عليها، وبينت درجات تفاوتها فجعلت أكبر الكبائرالشرك بالله و قول الزور وعقوق الوالدين، وهناك عدة ضوابط للتفريق بين الكبيرة والصغيرة.