ما هي الصفة التي ذكرها الله في وصف أصحاب الكهف
الصفات التي ذكرها الله في وصف أصحاب الكهف
الفُتُوَّة
تعدّدت معاني صفة الفُتُوَّة؛ فقيل إنّها بداية سِنّ الشباب، وأصلها من: الفَتَى، كما قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، وقيل في تفسير الآية السابقة أنّ أصحاب الكهف آمنوا بربّهم، ووحدّوه دون واسطةٍ، أو مُرشدٍ، بل كان إيمانهم من نفسهم، وقيل إنّ أساس الفُتُوّة؛ الإيمان ، وقال الجُنيد إنّ الفُتُوَّة تعني حجب ومنع الأذى، والسعي وبَذْل الخير والبرّ، وترك الشكوى، وقيل إنّها تدلّ على اجتناب المُنكرات، وفعل الخيرات، وقيل إنّها عدم الادّعاء قبل أداء الفعل، وعدم تزكية النَّفس بعد أدائه، وقيل إنّها السَّير على الصراط والطريق الحقّ.
الإيمان
تميّز أصحاب الكهف بإيمانهم بالله -سُبحانه وتعالى-، وتوحيده ، إذ إنّهم اعتزلوا قومهم؛ لعبادته -سُبحانه- وحده، وعدم الإشراك به بعبادة الأصنام والأوثان، قال -تعالى-: (وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا).
الصَّبْر
وصف الله -سُبحانه- أصحاب الكهف بالثبات ، والصَّبْر، والتحمّل، والعزم، والشدّة، وذُكرت تلك الصفات بلفظ الرَّبْط في قَوْله -تعالى-: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنوا بِرَبِّهِم وَزِدناهُم هُدًى*وَرَبَطنا عَلى قُلوبِهِم إِذ قاموا فَقالوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ لَن نَدعُوَ مِن دونِهِ إِلـهًا لَقَد قُلنا إِذًا شَطَطًا)، فقد أنعم الله -تعالى- على أصحاب الكهف بالصَّبْر، والثبات على الحقّ، وعبادة الله وحده دون قومهم، فالرَّبط الوارد في الآية السابقة يعني الشدّة والتثبيت، فصبرهم كان شديداً، كما ورد ذلك في وصف أمّ مُوسى -عليه الصلاة والسلام-، وممّا يؤكّد أيضاً صبرهم العظيم؛ خروجهم من قريتهم، وأوطانهم، وابتعادهم وتركهم لأهلهم وقومهم، ورَغد العيش، وطِيبه، وما كانوا فيه من لِين العيش، دون العلم بمصيرهم وما ينتظرهم من عناءٍ وتعبٍ، إلّا أنّهم كانوا متوكّلين على ربّهم -عزّ وجلّ- حقّ التوكّل، متمسّكين بإيمانهم بالله -سُبحانه-، وتوفيقه لهم.
تأييد الله لأصحاب الكهف
استيقظ أصحاب الكهف من رقودهم، ولم يدركوا أنّهم ناموا كلّ تلك السنوات، فلم يعلموا مدّة نومهم، وكانوا حريصين على عدم الظهّور على قومهم، لئلا يعرفوهم، فلا يقتلوهم، أو يعيدوهم إلى عبادة الأصنام والأوثان، بعد أنّ هداهم الله -سُبحانه- لعبادته وحده، وعدم الإشراك به، قال -تعالى-: (إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا)، إلّا أنّ الله -تعالى- أراد لأخبارهم أن تنتشر، وتعمّ الآفاق، قال -تعالى-: (وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها)، فخرجوا من كهفهم خِفيةً؛ خشيةً من قومهم، وقد عَلِموا عند خروجهم بتبدّل الأحوال، حين أراد أحدهم شراء الطعام، وعَلِم بعدم صلاحيّة النقود التي يمتلكها للشراء والبيع؛ بسبب مرور الزّمن، فتنبّه لذلك البائع، وعَلِمَ أنّهم الفتية الذين خرجوا بدِينهم.
كما ورد في قَوْله -تعالى-: (وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا*إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا*وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها إِذ يَتَنازَعونَ بَينَهُم أَمرَهُم فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا).
قصّة أصحاب الكهف
وردت قصّة أصحاب الكهف في القرآن الكريم ، في سورة الكهف المكيّة، ويُراد بالكهف؛ الغار الواقع في جبلٍ ما، وأصحاب الكهف هم فِتْيَةٌ أراد الله -عزّ وجلّ- بهم خيراً، فهداهم وأرشدهم للإيمان به وحده، وتَرْك عبادة الأصنام والأوثان، وعدم السُّجود لها، أو تقديسها، كما كان على ذلك قومهم، فأسرّوا بذلك لبعضهم البعض، ولم يجهروا به لأحدٍ من قومهم، وقد ذكر الله -سُبحانه- توحيدهم في كتابه، فقال: (وَرَبَطنا عَلى قُلوبِهِم إِذ قاموا فَقالوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ لَن نَدعُوَ مِن دونِهِ إِلـهًا لَقَد قُلنا إِذًا شَطَطًا*هـؤُلاءِ قَومُنَا اتَّخَذوا مِن دونِهِ آلِهَةً لَولا يَأتونَ عَلَيهِم بِسُلطانٍ بَيِّنٍ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا)، وطلبوا من الله العون على ثباتهم، والقدرة على إخفاء دينهم وعقيدتهم عن قومهم، قال -تعالى- على لِسانهم: (فَقالوا رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا).
فيسّر الله -عزّ وجلّ- لهم طريق الخروج من قريتهم، فِراراً بتوحيد -سُبحانه-، فخرجوا باتّجاه غارٍ، لا تدخله الشمس قَطْعاً، وكانوا في عناية الله -سُبحانه-، فأنزل النوم عليهم، وناموا ثلاثمئة وتسع سنواتٍ، وكانوا يتقلّبون أثناء نومهم، بقدرة الله -عزّ وجلّ-؛ لئلا تتأذّى أجسادهم وتبلى من النوم على جانبٍ واحدٍ، قال -تعالى-: (وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا)، ثمّ استيقظوا لا يعلمون حالهم، ومدّة نومهم، قال -تعالى-: (وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا)، وقد ظهرت في القصّة قُدرة الله -سُبحانه-، ورحمته، وعَطْفه، وعنايته بعباده.