ما هي الروح القدس
روح القدس
جاء ذكر الروح القدس في كتاب الله -عزّ وجلّ - في العديد من المواضع التي تُشير في غالبها إلى أنّ المقصود بروح القدس هو سيدنا جبريل عليه السلام، وقد ذكر ذلك الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- وذلك في معرض تفسير قول الله تعالى: (وَأَيَّدْنَاهُ برُوح الْقُدُس)، كما جاء ذكر الروح القدس في القرآن الكريم في مواضع أخرى تدلّ على أنّ المقصود به هو سيدنا جبريل -عليه السلام- على الأصحّ، ومثال ذلك قول الله تعالى: (نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمينُ)، وممّا يؤيّد أنّ المقصود بروح القدس جبريل -عليه السلام- ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال لحسان بن ثابت : (يا حسانُ، أجِبْ عن رسولِ اللهِ، اللهم أيِّدْه بروحِ القُدُسِ)، وقد أجمع جماهير أهل العلم على أنّ المقصود بروح القدس جبريل عليه السلام، ومن أسماء جبريل -عليه السلام- كذلك: الروح الأمين، وروح القدس.
روح القدس في الإسلام
يتّصف جبريل -عليه السلام- بالعديد من الصفات الجليلة التي أُشير إليها في كتاب الله تعالى، صراحةً أو ضمناَ، وفي ما يأتي بعض تلك الصفات:
- العلم: فإنّ جبريل -عليه السلام- يملك من العلم ما يمكّنه من توصيل أسمى العلوم إلى الأنبياء والمرسلين، وهو يحوي منها الكثير، فهو الذي علّم أعلم الناس وأكثرهم معرفةً وهم أنبياء الله عليهم السلام، وقد ثبت علم جبريل الغزير في العديد من المواقف الواردة في كتاب الله عزّ وجلّ، ومن ذلك قول الله -تعالى- في وصف النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في سورة النّجم: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى*وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى*عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى*ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)، فجبريل -عليه السلام- هو مُعلِّم نبي الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أعلم الخلق، وهو كذلك الذي نقل العلوم إلى أنبياء الله عن الله بأمر الله، فمن الطبيعي أن يكون أعلم الخلق بما ينقل لتلقيه تلك العلوم من الله مباشرةً، حيث قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ).
- القوة العظيمة الهائلة: فإنّ جبريل -عليه السلام- يتّصف بأنّه ذو قوة عظيمة، وقدرة هائلة، وقد ورد بيان تلك الصفة في القرآن الكريم في عدد من المواضع، من ذلك قول الله -عزّ وجلّ- في سورة التكوير: (ذي قُوَّةٍ)، وليس أعظم من قوة من يتلقّى القرآن عن الله -تعالى- مباشرةً، فإن من يتلقّى العلم أو القرآن من الله يكون بحاجةٍ لقوةٍ عظيمةٍ تمكّنه من تحمّل ذلك الموقف العظيم، وممّا يثبت عظيم قوة جبريل -عليه السلام- قول الله -تعالى- عنه في سورة النجم: (ذُو مرَّةٍ فَاسْتَوَى)، أمّا معنى قوله تعالى: (ذُو مرَّةٍ)؛ أي أنّه: صاحب قوةٍ عظيمةٍ، وبطشٍ شديدٍ، وخَلْقٍ عظيمٍ.
- التمكين: فإنّ الله -تعالى- مكّن لجبريلَ -عليه السلام- حتى يتمكّن من تبليغ ما أمره به الله، فهو في السماء مطاع من الملائكة بأمر الله، وهو في الأرض صاحب تمكّنٍ وقوّةٍ، فله القدرة الفائقة على البطش بمن أمره الله بالبطش به من الظالمين، والعُصاة، وأهل المنكرات، والفواحش العظيمة، وله القدرة على جَلْب الخير والنفع بأمر الله أيضاً للصالحين من عباد الله الذين يأمره الله بتسيير الخير والنفع لهم، قال الله تعالى: ( ذي قُوَّةٍ عنْدَ ذي الْعَرْش مَكينٍ).
- مُطاعٍ من قِبل مَن معه من الملائكة: فإنّ جبريل -عليه السلام- مُطاعٌ بأمر الله من قبل من معه من الملائكة، يمتثلون لأوامره، ويستجيبون له، قال الله تعالى: (مُطَاعٍ ثَمَّ أَمينٍ)، والطاعة من النِعم الفريدة والمهمة التي يرزقها الله -تعالى- لمن يشاء من خلقه، وهي من صفات القائد الناجح الإيجابي.
- الأمانة: وهي من أبرز صفات جبريل -عليه السلام- كما أنها من صفات الله ، وصفات أنبيائه عليهم السلام، أمّا ما يثبت صفة الأمانة لجبريل -عليه السلام- فهو في قول الله تعالى: (نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمينُ*عَلَى قَلْبكَ لتَكُونَ منَ الْمُنْذرينَ)، وممّا تظهر فيه أمانة جبريل -عليه السلام- أنّ الله -تعالى- إئتمنه على تبليغ الوحي لأنبياء الله ورسله، كما أنّه يأتمنه على أمور تتعلّق بالخلق؛ كتبيلغ من يحبهم الله محبة الله لهم، وقد أدّى جبريل -عليه السلام- ما إئتمنه الله عليه بحرفيةٍ وإتقانٍ وأمانةٍ.
روح القدس عند غير المسلمين
يعدّ روح القدس بالنسبة للنصارى كالربِّ لا يفترق عنه، فيصفونه بأنّه الأب والابن، وهو بهذا لا يختلف عن الإله الذي يعبدونه، لا في الذات، ولا في الجوهر، ولا في الطبع، وهم يرونه كذلك روح الله؛ حيث تكون مهمته كما يرون تأييد أتباع عيسى المسيح، وتطهيرهم ممّا أصابهم من الذنوب والآثام والأدران، أمّا دليلهم على ذلك فهو مأخوذ من الكتاب المقدس وهو الإنجيل لدى النصارى، حيث جاء فيه بعض صفات الروح القدس، وهذه الصفات لا يتّصف بها إلّا الله عزّ وجلّ، ممّا يعني أنّ الروح القدس هو ذاته الله، وهو قول لا دليل على صحته، حيث ورد في إنجيل متّى أنّ الروح القدس نفخ في رحم مريم عليها السلام، والمقصود بروح القدس في إنجيل متّى جبريل عليه السلام، وكذلك يُقصد بروح القدس عندما يذكره لوقا في إنجيله، إلّا إن وردت بصفة مطلقة، فيجب التأكّد من صحّة الصيغة المطلقة.