ما هو الوحي
تعريف الوحي
يعدُّ الوحي بأنواعه الطريقة التي يتمُّ من خلالها إيصال أوامر الله -تعالى- وشرعه إلى أنبيائه لإيصالها إلى خلقه، وله معنىً لغويٌّ وآخر اصطلاحيٌّ وثالثٌ شرعيٌ، وفيما يأتي بيان ذلك:
المعنى اللغوي للوحي
تجتمع معاني الوحي في اللغة على:
- الأمر السَّريع أو إلقاء العلم في إخفاء.
- الإشارة أو الإلهام، والكلام الخفيٌّ، وكلُّ ما ألقيته على غيرك، فالوحي في الُّلغة يشمل الكلام الخفيَّ وسريعَ، أو الكلام الذي فيه إشارةٌ خفيةٌ يلقيها على الغير.
- يشمل حتى الكلام من الشَّياطين إلى أوليائهم من الإنس لقوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)، وقوله -تعالى-: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ).
المعنى الاصطلاحي
يختصُّ المعنى الاصطلاحيُّ بما يميَّز وحي الله عن وحي غيره، لذا الوحي بالمعنى الاصطلاحي يدلُّ على إعلام الله -تعالى- لمن اصطفاهم من خلقه، ويمتاز هذا الإعلام بالسُّرعة والخِفية، يصحبه يقينٌ من الشَّخص الموحى إليه أنَّ هذا من عند الله، وقد يكون بواسطةٍ أو بدون واسطةٍ.
المعنى الشرعي
مصدر الشَّرع هو القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة، وقد وردت عدَّة معاني للوحي في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة، وهي على النَّحو الآتي:
- بمعنى الإلهام
كقوله -تعالى-: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ).
- بمعنى الإعلام في المنام
من قوله -تعالى-: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ).
- بمعنى الوسوسة
من قوله -تعالى-: (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً).
- بمعنى الأمر
في قوله -تعالى-: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها).
طرق نزول الوحي
تعدَّدت طرق نزول الوحي الثَّابتة في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة، وكلُّها ترجع إلى قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم)، وتفصيلها على النَّحو الآتي:
- الرؤية الصادقة
أي أن يرى -عليه الصلاة والسلام- رؤيةً ثمَّ تقع كما رآها، وورد هذا في حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ).
- أن يكلم الله نبيه من وراء حجاب
كما كلَّم الله -تعالى- موسى -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً).
- أن يكلم الله نبيه مباشرةً وحياً وبدون واسطة مَلَكٍ ولا حجاب
مثل ما أوحاه الله -تعالى- للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في فرض عدد الصَّلوات ليلة الإسراء والمعراج، وهذا في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَفَرَضَ اللَّهُ علَى أُمَّتي خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: فَرَجَعْتُ بذلكَ حتَّى أمُرَّ بمُوسَى، فقالَ مُوسَى عليه السَّلامُ: ماذا فَرَضَ رَبُّكَ علَى أُمَّتِكَ؟ قالَ: قُلتُ: فَرَضَ عليهم خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ لي مُوسَى عليه السَّلامُ: فَراجِعْ رَبَّكَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذلكَ، قالَ: فَراجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَها).
- أن تكون بواسطة الملك: وهي على عدَّة أشكال:
- أن يُلقي الملك في روع النَّبيِّ؛ أي في قلبه من دون أن يراه النَّبيُّ.
- أن يتمثَّل له رجل فيحدثه: فقد كانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بارزًا يَوْمًا للنَّاس، فأتاه جبريل فقال: (ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ).
- أن يأتيه الملك الموكل بالوحي على هيئته الملكية، ويسمع له صوتٌ كصلصلة الجرس: وهي أشدُّ أنواع الوحي، فقد سأل صحابيٌّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: (كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقالَ صلى الله عليه وسلم: أَحْيَانًا يَأْتِينِي في مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهو أَشَدُّهُ عَلَيَّ، ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُهُ).
- أن يأتيه الملك على صورته التي خلق عليها ثم يوحي للنبي: كما في حادثة ليلة الإسراء والمعراج، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى* عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى.* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى* ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى* لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى).
فائدة نزول الوحي على البشر
ل نزول الوحي فوائد كبيرة، نورد بعضها فيما يأتي:
- خلق الله -عزَّ وجل- عقول البشر متفاوتةٌ في العلم والقدرات، وهذا يتبعه تنوُّعٌ في الآراء، وهنا تظهر الحاجة إلى ضابطٍ يضبطُ آراء البشر، وهذا من فوائد الوحي.
- إن الوحي مصدرٌ جديدٌ للمعرفة البشريَّة لا يعتمد على التَّجربة والدَّليل، بل يعتمد على الإيمان الصَّادق بالله، بخلاف العلوم الأخرى التي تعتمد على المختبر وتجاربه في إثبات معلومةٍ، بينما القرآن يثبت معلوماتٍ من طريقٍ جديدٍ هي طريق الوحي.
- إن الوحي جاء ليضع النَّاس على طريق الهداية، التي من أعرض عنها هلك في الدُّنيا والآخرة، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
- إنَّ في الوحي كرامة العرب وفيه ذِكرها، قال -تعالى-: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون).
- إنَّ الله وصف حياة البشر قبل الوحي بأنَّها ضلالٌ مبينٌ، قال -تعالى-: (لقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين).