ما هو الحظر الجوي
الحَظر الجوّي
ظهر مُصطلح الحظر الجوّي مع بداية الاهتمام الكبير لمُنظَّمة الأُمَم المُتَّحدة بحقوق الإنسان، وإعطائها مركزاً مهمّاً في قائمة الاهتمامات الدوليّة؛ حيث ظهر اتّجاه دوليّ يعتبر قَمع الانتهاكات المُرتبِطة بحقوق الإنسان أمراً مهمّاً؛ لحفظ السِّلم، والأمن الدوليَّين، وكان مجلس الأمن مُخوَّلاً بإصدار أيّ قرار يتعلَّق بحدوث أيّ انتهاك لحقوق الإنسان ، ولا سيَّما خلال النزاعات المُسلَّحة؛ إذ إنّه ما إن يحدث نزاع مُسلَّح، فإنّه لا بُدَّ أن يرافقه انتهاكات عدّة لحقوق الإنسان، علماً بأنّ من القرارات التي اتَّخذها مجلس الأمن؛ للحفاظ على الأمن، والسِّلم الدوليَّين، وحفظ حقوق الإنسان هو قرار إنشاء مناطق حَظر الطيران ؛ لإيصال المساعدات إلى المُتضرِّرين، وحماية الأشخاص المَعنيِّين، ومن الجدير بالذكر أنّ مجلس الأمن لم يتهاون أبداً، أو يتسامح مع أيٍّ من الانتهاكات المَعنيّة.
وعليه يمكن تعريف الحَظر الجوّي، أو حَظر الطيران على أنّه: شكلٌ من أشكال العقوبات التي يَفرضُها مجلس الأمن الدوليّ على الدُّول المَعنِيَّة، من خلال تصويت معظم أعضائه على هذا القرار في حال عدم استخدام أحد الأعضاء حقّ النَّقْض الذي يُعرَف باسم حقّ الفيتو في الاعتراض على القرار، ومنطقة الحَظر الجوّي، أو حَظر الطيران هي: موقع جغرافيّ لا يمكن للطائرات المرور عَبْره، أو الطيران فيه، ولا يقتصر الأمر على نوع واحد من الطائرات؛ إذ إنّه يشتمل على الطائرات المأهولة، وأنظمة الطيران التي تعمل دون وجود طيّار أيضاً (بالإنجليزيّة: Unmanned Aircraft)، ويُفرَض حَظر الطيران؛ لعدّة أسباب، قد تكون أمنيّة، أو عسكريّة، أو لأسباب تتعلَّق بالحماية، وتأمين السلامة، أو لأسباب سرّية.
ويحقّ لمجلس الأمن الدوليّ أن يتَّخذ التدابير اللازمة؛ لاستعادة، أوالحفاظ على السِّلم ، والأمن الدوليَّين، وذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأُمَم المُتَّحِدة، وتشتمل هذه التدابير على مختلف الجزاءات، سواءً كانت اقتصاديّة، أو غير اقتصاديّة، كما أنّها لا تتضمَّن استخدام أيٍّ من الإجراءات العسكريّة، أو القوّة المُسلَّحة الدوليّة، ومن الأمور التي يتطلَّبها الحَظر الجوّي في حال تمّ فَرْضه على الدولة المُعاقَبة: أن تكون هناك دوريّات مَهمّتها المراقبة بشكل مُستمِرّ فوق مجال الطيران للدولة المَعنِيّة بالأمر، وتدمير طائراتها في حال انتهاك القانون، وإذا لزم الأمر، أمّا الأضرار الناجمة عن فَرْض الحَظر الجوّي، فإنّها تتجلّى في: حِرمان الدولة المَعنِيّة من سيادتها الجوّية على أراضيها، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتمّ السماح لقُوّات أخرى خارجيّة بالتجوُّل في سماء الدولة المُعاقَبة، علماً بأنّ هذا الحَظر ينجمُ عنه ضررٌ كبيرٌ في الحركة الاقتصاديّة، وتقييدٌ لحرّية النَّقْل الجوّي عَبْر منطقة الحَظر.
أمثلة على مناطق الحَظر الجوّي
فرضت أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وتركيا حَظراً جوّياً على العراق في عام 1991م، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، حيث كان الحظر الجوّي في شمال العراق، وجنوبه، أمّا الحجّة في فرضه على العراق، فقد تمثّلت في منع الحكومة العراقيّة من الهجوم على الأكراد هجمات كيماويّة، وحماية الشيعة أيضاً، علماً بأنّ منطقة الحظر امتدَّت شمالاً من خطّ العرض 36، وجنوباً حتى خطّ العرض 32، وفي نهاية عام 1996م، توسَّعت منطقة الحظر شمالاً حتى خطّ عرض 33، بالقُرب من حدود بغداد عاصمة العراق، وقد انتهى العمل بمنطقة حظر الطيران في العراق في عام 2003م، مع بداية احتلال أمريكا للعراق.
كما فَرَضت قُوّات حلف الناتو ، وبمُوافقة من عُصبة الأُمَم المُتَّحِدة الحظرَ الجوّي على البوسنة، والهرسك الانفصاليّة في بداية التسعينيّات؛ حيث كان ذلك سبباً للتفكُّك الذي حصل آنذاك، وإراقة الكثير من الدماء، وكان الهدف الأساسيّ من عمليّة الحظر الجوّي منع البوسنيّين الصرب من مهاجمة جيرانهم جوّاً؛ حيث كانوا يسيطرون على الطائرات العسكريّة جميعها في المنطقة في ذلك الوقت، وقد صدر عن حلف الناتو الأمر بتدمير مُنشآت الصواريخ المُضادّة للبوسنيِّين، ومنعهم من الهجوم، ومتابعة حرب البوسنة والهرسك .
كما تمَّ فرض الحظر الجوّي على ليبيا عندما تقرَّر عقابها جوّاً، واقتصاديّاً في بداية التسعينيّات، وكان ذلك حينما تمّ اتِّهام الليبيِّين بالمشاركة في تفجير طائرة أمريكيّة؛ حيث صدر القرار 748 في 31 من شهر آذار/مارس من عام 1992م، ونصَّ على أنّه لا يُسمَح لأيّ طائرة الإقلاع من إقليمها، أو الهبوط فيه، أو حتى التحليق في حال كانت مُتَّجِهة إلى ليبيا، أو مغادِرة منها، وتُستثنَى من هذا القرار الحالات الإنسانيّة المهمّة، والحَرِجة، وبموافقة من لجنة مجلس الأمن الدوليّ، وقد استمرَّ هذا الحظر حتى شهر أيلول/سبتمبر من عام 2003م، ويجدر بالذكر أنّ القرار لم يقتصر على ما ذُكِر سابقاً، وإنّما تعدّاه إلى أنّه لا يُسمَح بتزويد ليبيا بأيّ طائرات، أو قِطَعها، ولا يُسمَح بصيانتها، أو تقديم أيّة خدمات هندسيّة، أو خدمات صيانة لها، كما لا يُسمَح بمَنْح الشهادة التي تُؤكِّد على أنّ الطائرات الليبيّة مُؤهَّلة للطيران.
بعض الموادّ المُتعلِّقة بقانون الحظر الجوّي
عند فرض حظر جوّي (بالإنجليزيّة: No-Fly Zones) على أيّة دولة، ومعاقبتها، فإنّه غالباً ما يتمّ تنفيذ تدمير المطارات، ومُضادّات الطائرات، والهجوم على القواعد العسكريّة فيها، وفي ذلك تمهيد للحظر الجوّي، وبالرغم من أنّ الحظر الجوّي يُعَدُّ انتهاكاً لحقوق ، وسيادة الدولة المَعنيّة، إلّا أنّه يُفرَض في الحالات الحَرِجة؛ للوقاية، والحفاظ على الأمن، والسِّلم الدوليَّين، وفيما يأتي بعضٌ من الموادّ المُقرَّرة في ميثاق الأُمَم المُتَّحِدة ، والمُتعلِّقة بفَرض الحظر الجوّي:
- المادّة 39: يُؤدّي مجلس الأمن مهمّته في تحديد ما إذا كان هناك تهديد للسِّلم، والأمن، والإخلال بهما في حال حصل عدوان مُعيَّن من جهة على جهة أخرى، وذلك وِفقاً للمادّة 39 من الميثاق، حيث إنّ مجلس الأمن في مثل هذه الحالات يُقرِّر الاحتياطات، والتدابير اللازمة والمنصوص عليها في المادَّتَين: 41، و 42 من الميثاق؛ من أجل حفظ السِّلم، والأمن، أو استعادتهما.
- المادّة 41: وتنصُّ المادّة 41 من الميثاق على أنّ لمجلس الأمن حقّ تنفيذ قراراته باستخدام أيٍّ من التدابير، شريطة أن لا يستخدم القوّة المُسلَّحة، ومن بين هذه التدابير فَرْض الحظر الجوّي في حال الحاجة إلى ذلك، وذلك بتطبيقه من قِبَل أعضاء هيئة الأُمَم المُتَّحِدة.
- المادّة 43: وتنصُّ المادّة 43 على أنّ أعضاء الأُمَم المُتَّحِدة يتعهَّدون بتأمين القُوّات المُسلَّحة، والتسهيلات، والمساعدات اللازمة؛ للحفاظ على الأمن، والسِّلم الدوليَّين، وذلك اعتماداً على طلب مجلس الأمن، ووِفقاً للاتِّفاقيات المنصوص، والمُتَّفق عليها.