ما معنى الإحسان
الإحسان
الإحسان في اللغة مصدر حَسُنَ، والإحسان ضد الإساءة، يقال رجلٌ محسن ومحسان؛ للتكثير من إحسانه، ويقال: أحسن يا هذا فإنك محسان أي لا تزال محسنا، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإحسان حين سأله جبريل - عليه الصلاة والسلام - بقوله: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) أراد بالإحسان هنا الإخلاص.
الإحسان شرطٌ في صحة الإيمان والإسلام معاً، وذلك لأنّ من تلفّظ بالشهادتين، وأدّى الطاعات والعبادات كلّها من غير إخلاص لم يكن مُحسناً، حتى إن كان إيمانه صحيحاً، وقيل: أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطاعة، فإنّ من راقب الله كأنه يراه حَسُنَ عمله.
معنى الإحسان اصطلاحاً
الإحسان اصطلاحاً هو أن يَعبد الإنسان المؤمن ربّه في الدنيا على وجه الحضور والمُراقبة له، كأنّه يرى الله بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته وخلوته وانفراده ممّا يدفعه للزيادة في التقرّب إليه، وفي حال تفكيره بالوقوع بالمعاصي والآثام ممّا يجعله يرتدع عن القيام بها، فكان جزاءُ ذلك النظر إلى الله عِيانًا في يوم القيامة.
قيل إنّ الإحسان هو العمل بما لم يفرضه الله من الأعمال، إنّما هي نوافل تقرّبوا بها إلى الله سبحانه وتعالى طلباً لمَرضاته وهُروباً من عقابه.
الفرق بين الإحسان والإيمان
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث طويلٍ ورد فيه تَعريف الإحسان والفرق بينه وبين الإيمان؛ حيث يقول: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت، قال فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان. قال ثمّ انطلق، فلبثت ملياً. ثم قال لي: يا عمر: أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)،
جاء هذا الحديث تبيانًا وتمييزاً للإسلام الذي هو القيام بأعمال مخصوصة على من دخل في الإسلام، بينما أظهر الحديث أنّ الإيمان هو التصديق بكل ما جاء به رسول الله والتسليم به على أنه حقٌ وصدق، ويرتفع الإحسان إلى درجة أعلى من الإيمان بكونه عبادة الله سبحانه وتعالى بأفضل ما يُمكن أن يُقدّم عبدٌ لخالقه فتكون عبادته لله مرتبطةً باعتقادٍ وثيقٍ منه بأنّ الله مطلعٌ عليه ويراقب حركاته وكأنّه يَرى الله أمام عينيه، وأنّه لا يمكن له الوقوع في الإثم خوفاً من الله لا لشيءٍ آخر، فإن لم يَكن هو يرى الله عياناً فإنّ الله حتماً يراه ويرى أعماله وتفاصيلها فيستحي من رؤية الله له في حال المَعصية فيرتدع عنها وذلك أعظم الإيمان.
الإحسان في القرآن الكريم
ورد ذكر الإحسان تحديداً بأكثر من موضع، ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر الآتي:
- قال الله سبحانه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
- قال الله تعالى في معنى الإحسان لا لفظه: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
- جاء من قوله تعالى في معنى الإحسان أيضاً: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
مراتب الإحسان
خلَق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض وما فيهما من مخلوقات لحكمةٍ عظيمة، ولأجل هذه الحكمة سخّر الحياة والموت والمصائب والأحزان والأفراح، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الحكمة تَصريحاً أو تلميحاً في الكثير من المواضع في كتابه العزيز، وهذه الحكمة هي الابتلاء بإحسان العمل والتقرّب إلى الله عزّ وجل، من ذلك مثلاً قول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ). وقال تعالى في سورة الكهف: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). وقال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
الطريق إلى الإحسان في القول والعمل هو معرفة الله حق المعرفة ، ومُراقبته في كلّ الأحوال التي يمرّ بها المسلم، والعلم بأنّ الله سبحانه وتعالى مُطّلعٌ على كل شيء ويعلم كل شيء، وأنه كل شيء شهيد، لا يعزب عنه مثقال ذرة، ممّا يجعل المسلم يحب الله فيرجو رحمته بإحسان العمل وتعظيم الله وتبجيله كأنه يراه، والبعد عن كلّ ما نهى عنه واستحضار خشية الله في كل حال حتى لا يَكاد يعصي الله خوفاً من عقابه واستشعاراً لاطلاعه على أعمال العبد وحركاته وسكناته، وينقسم الإحسان إلى مرتبتين رئيستين هما:
- أن يعبد الإنسان ربّه كأنه يراه حقيقةً، فيعبده عبادة طلبٍ لقربه وشوقٍ للقائه، ورغبة ومحبة في طاعته ورجاء الحصول على رضاه، فهو يطلب مَنْ يحب وهو الله عز وجل، ويقصده ويعبده كأنه يراه، وهذه أعلى المرتبتين.
- أن يعبد الإنسان ربّه مُعتقداً اعتقاداً جازماً بأنّ الله يراه، فيعبده عبادة الخائف منه، الهارب من عذابه وعقابه، متذلّل له، الراجي رحمة ربه وعفوه.