ما حكم تربية الطيور
ما حكم تربية الطيور
ذهبَ جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والشافعيّة، والمالكيّة ، إلى القول بجواز تربية الطّيور ووضعها في أقفاص؛ من أجل الاستئناس بها، وأما إطلاقها للعيش لوحدها فلا يُثاب عليه المسلم، ولكن قيّد المالكيّة جواز تربية الطّيور بشرط عدم تعذيبها وإيذائها، وكذلك قالوا بجواز لعب الأطفال مع الطّيور؛ لأنّها سببٌ في إسعادهم وإدخال الفرح لقلوبهم، وأمّا الشافعيّة فقيّدوا جواز تربية الطّيور بوضعها في أقفاصٍ من أجل الاستماع لأصواتها؛ بشرط تأمين الطّعام لها.
وممّا يدلّ على جواز تربية الطّيور واللّعب بها ما ثبت عن أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- أنَّه قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له أبو عُمَيْرٍ -قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ به، فَرُبَّما حَضَرَ الصَّلَاةَ وهو في بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بالبِسَاطِ الذي تَحْتَهُ فيُكْنَسُ ويُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ ونَقُومُ خَلْفَهُ فيُصَلِّي بنَا)، وذهب بعض علماء الحنابلة إلى القول بجواز تربية الطّيور وجعلها في أقفاص، وقال بعضهم الآخر بعدم الجواز.
حكم الإساءة للحيوان
اتَّفق الفقهاء على عدم جواز الإساءة للحيوان وتعذيبها وإيذائها، واعتبر بعض العلماء أنَّ الإساءة للحيوان من كبائر الأمور، وأنّها معصية تؤدي بفاعلها إلى الإثم والعذاب من الله -تعالى-، وقد نهانا النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن إيذاء الحيوان، وبيان ذلك فيما يأتي:
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من جعل الحيوان هدفاً للرّمي واللّعب والتّلهي؛ فقد ثبت عن ابن عمر -رضيَ الله عنه- أنّه رأى فتيان وضعوا أمامهم طيراً، وبدأوا يَرمون عليها، فلمّا وصل ابن عمر -رضيَ الله عنه- قال: من فعل هذا؟ ثمّ قال: (إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعن من اتّخذ شيئا فيه الروح غرضا)، وهذا النّهي واللّعن يُحرّم جعل الحيوان هدفاً للتسلية سواء كان حياً أو ميتاً.
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن تعذيب الحيوانات، وحبسها بدون تقديم الطّعام والشّراب لها؛ وتوعّد من يفعل ذلك بعذاب الله -تعالى- يوم القيامة، فقد ثبت أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ، لَمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَسْقِها، ولَمْ تَتْرُكْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْض).
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين عن التّمثيل بالحيوان؛ أي تقطيع أطرافه، فقد ثبت عن عبد الله بن عمر -رضيَ الله عنه- أنّه قال: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثَّل بالحيوان)، واللّعن يقتضي التّحريم، فدلّ الحديث على تحريم التّمثيل بالحيوان.
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن قصِّ شعر الخيل وذيله، فقد ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه قال: (لا تقُصُّوا نواصيَ الخيلِ، ولا معارفَها، ولا أَذْنابها، فإنَّ أذْنابها مذابُّها، ومعارفَها دفؤُها، ونواصيها معقودٌ فيها الخيرُ).
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن وَسم الحيوان وضربه على وجهه؛ فقد ثبت عن جابر بن عبد الله -رضيَ الله عنه- أنّه قال: (نَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَنِ الضَّرْبِ في الوَجْهِ، وَعَنِ الوَسْمِ في الوَجْهِ).
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن لعن الحيوانات، فقد ثبت عن عمران بن الحصين -رضيَ الله عنه- أنّه قال: (بيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ علَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: خُذُوا ما عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فإنَّهَا مَلْعُونَةٌ).
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن التّحريش بين الحيوانات؛ أيّ أن يُسلّط الإنسان الحيوانات على بعضها البعض، فيتقاتلون ويؤذون بعضهم؛ مثل صراع الثّيران، وتَهييج الدّيكة بعضها على بعض.
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن قتل الحيوانات من غير منفعة، فقد ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (من قتل عصفورًا عبثًا عجَّ إلى اللهِ يومَ القيامةِ يقولُ: يا ربِّ إنَّ فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتُلني منفعةً).
- نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن حبس الحيوانات وجعلها هدفاً لتُرمى حتى الموت، وأوصى بالرّفق بالحيوانات.
مظاهر عناية الإسلام بالحيوان والطير
أعطى الإسلام أهميةً كبيرةً للعناية بالحيوان والطّير، فقد وردت بعض التّوجيهات في القرآن الكريم والسنّة النبويةّ لبيان مظاهر العناية بالحيوان والطّير؛ نذكر منها ما يأتي:
- اعتبار الحيوانات والطّيور أمّة مثل الأمم، يرعاهم الله -تعالى- ويرزقهم، فهم أمّة يعرفون الله -تعالى-، ويسبّحون بحمده، وقال بعض العلماء إنّهم يُحشرون ويُحاسبون يوم القيامة، قال الله -تعالى-: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
- وقد ذُكرت أسماء وأنواع حيوانات كثيرة في القرآن الكريم؛ مثل الضفادع، والنّمل، والبغل، والبعوضة، والجمل، والبقر، والبعير، والجراد، والحيّة، والخنزير، والسّبع، والضأن، والذّئب، والطّير، والعنكبوت، والعجل، والغنم، والفيل، والغُراب، والهدهد، والكلب ، والماعز، والقمل، والنّعجة، والناقة، والغراب، والنّحل.
- تكفّل الله -تعالى- برزق الحيوانات؛ وذلك بخلق جميع الموارد التي يحتاجها الحيوان وتيسير سبل الوصول إلى رزقها، قال الله -تعالى-: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).
- سمَّى الله -تعالى- بعض سور القرآن الكريم بأسماءٍ للحيوان؛ مثل سورة البقرة، والأنعام، والنّمل، والنّحل، والعنكبوت، والفيل.
- تكرّم وتفضّل الله -تعالى- على الإنسان بنعمة خلق الحيوانات في الدّنيا للاستفادة منها بأكلها، والاستفادة من لبنها وصوفها، وجعلها سبل للنّقل والمواصلات، وهي زينة أيضاً، قال -تعالى-: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ).
- جعل الله -تعالى- بعض الحيوانات أدوات لمعجزات الأنبياء، فكانت معجزة النّاقة للنبيّ صالح -عليه السّلام-، ومعجزة البقرة لبني إسرائيل.
- استخدام بعض الحيوانات في تعليم الإنسان بعضاً من أمور الدين؛ مثل الغُراب في قصة ابنَي سيدنا آدم -عليه السلام-.
- جعل الله -تعالى- الحيوان شريكاً للإنسان في تعمير وتطوير الأرض، فالحيوانات تقوم بالحرث والسّقي والحمل.
- حثَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على الرّفق والرّحمة والعناية بالحيوان، وذلك باستخدامها لما خُلقت له من غير قسوة وشدّة، ووعد من يقوم بتعذيبها بأشد العذاب من الله -تعالى-، ونهى عن حبسها بدون طعام وشراب، ونهى عن ضربها والتّمثيل فيها، ونهى عن الإيذاء النّفسي والجسدي للحيوان، كما نهى عن تخزين اللّبن في ضروع الحيوانات لأن ذلك يؤذيها.
- أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين بالإحسان للحيوان عند ذبحه، فقال -عليه الصلاة والسّلام-: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، وأمر برعايتها، ومراعاة حال الحيوان في حال السّفر والسّير.
- الرّفق بالحيوان عبادة لله -تعالى-، وهيَ سببٌ في تكفير الذّنوب ، ومن ذلك حديث أبي هريرة -رضيَ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَوَجَدَ بئْرًا فَنَزَلَ فيها، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فإذا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ بي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ أجْرًا؟ فقالَ: نَعَمْ، في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ).