مظاهر الشرك بالله
مظاهر الشرك الأكبر بالله تعالى
القول إن لله تعالى ولد أو زوجة
توجد العديد من الأقوام السّابقة التي أشركت بالله -تعالى-، وقد زَعم بعضهم أنّ لله ولداً -تعالى الله عن ذلك-، ولأنَّ سيدنا عيسى -عليه السّلام- وُلد من غير أب معجزةً من الله -سبحانه وتعالى-؛ وجدوا ذلك مبرّراً بأن ينسبوه إلى الله -تعالى-، وقد ذكر الله -تعالى- قولهم في القرآن الكريم فقال -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)، وحاشا لله -عزّوجلّ- أن يتّخذ ولداً، وذلك لعدّة دلائل؛ منها أنَّ الله -تعالى- قادرٌ على خلق ولدٍ من غير والد كما خَلَقَ سيدنا آدم -عليه السّلام- من تراب، قال -تعالى-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وكذلك لا بدّ عند نسب شيءٍ لآخر أن يكون من جنسه ومشابه له، وكيف يكون ذلك في نسبة بشرٍ إلى الله -تعالى- الذي ليس كمثله شيء، وقد أكّد الله -تعالى- في محكم كتابه على أنَّ عيسى -عليه السّلام- وأُمّه بشر، فقال -تعالى-: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ).
عبادة غير الله تعالى
كان من الأقوام مَن يعبد الأصنام التي يصنعونها بأيديهم، وقد ورد على لسان سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- تأنيبهم على عبادتهم أشياء يصنعونها ثم يعبدونها، قال -تعالى-: (قال أتعبدون ما تنحتون* والله خلقكم وما تعملون)، فهيَ لا تملك أيّ صفة من صفات الرّب أو الإله من الحياة أو القدرة، وهي تُهان وتَهلَك، ولا تملك الضرّ ولا النّفع، وورد في القرآن الكريم قول سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- لقومه: (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ)، وذلك دلالةً على عجزهم وضعفهم، وقلّة حيلتهم، وأصل عبادة الأصنام هي تعظيم الصّالحين بعد موتهم، فقد أزلّهم الشّيطان وأسقطهم حتّى وصلوا لدرجة أن يعبدوا التّماثيل التي صنعها الصّالحين تقديراً لهم.
ومن الأقوام مَنْ عَبَد النّار والشّمس ظنّاً منهم أنَّ كلّ النّور والضوء هو خير، ويأتي بخير، وأنّ الظُّلمة لا تأتي إلا بالشرّ، وقد دحض العلماء أفكارهم وعقيدتهم بعدّة دلائل منها ما سبق ذكره من أنّها لا تملك دفع ضرّ، أو جلب خير، وأنّها لا تملك صفات الإله من الحياة والقدرة والعلم، كما أنّها تتغيّر بتغيّر الأحوال، فتغيب الشّمس مثلاً بالغروب وبالكسوف، فيظهر ضعفها، ويظهر فيها أثر المتحكّم بها وهو الله -تعالى- الذي خلقها، قال -تعالى-: (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، ومنهم مَنْ عَبَد النّجوم كالنّجم المعروف باسم الشِّعرى، فقال الله -تعالى-: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى).
قصد غير الله تعالى وتوجيه العمل لغير الله
قد يدخل المسلم بنوعٍ من أنواع الشّرك الأكبر؛ وهو شرك النيّة والمقصد، وذلك بأن يقوم المسلم بعملٍ ما ويريد به أمرٍ آخر غير إرضاء -تعالى- وكسب الأجر والثّواب، وهناك شرك الدّعاء، ويكون حين تضيق الأمور على الشّخص فيدعو الله -تعالى- وحده، ثمّ إذا انفرجت كربته أشرك بالله -تعالى- و طَلَب من غيره ودعا غيره، والشّرك الأكبر يُخرج صاحبه من الإسلام، قال -تعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)، وأيضاً السّجود لغير الله -تعالى-، أو النّذر لغير الله -تعالى- يُعدّ من الشّرك الأكبر، ويندرج أيضاً تحت الشّرك الأكبر مَنْح المحبة الواجبة لله -تعالى- وحده لأحدٍ غيره، أو يُشراكه أحدٌ في محبّته -تعالى-، وقد ورد وصف ذلك في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّه).
مظاهر الشرك الأصغر بالله تعالى
الشّرك الأصغر هو الشّرك الذي لا يُخرج المسلم من الإسلام، ولكن فعله كبيرة، وهو على نوعين ظاهرٌ وخفيٌّ، والظّاهر ينقسم إلى: لفظٍ وفعلٍ، فاللّفظ أن يُقسم المسلم بغير الله -تعالى-، أو أن يجمع مع الله أحداً آخر؛ كقوله "لولا الله وأنت"،أو قول: وحياتك، وحياة أبي، والتّربة، والنبيّ،والكعبة، وأمّا الفعل كأن يلبس التّمائم ظانّاً أنّها تحميه من الجنّ ، والسّحر، والعين، ولكنّ الدّافع هو الله -تعالى-، فهو شرك أصغر، ولكن إذا ظنّ أنّها وحدها تدفع ضرّه فقد أشرك شركاً أكبر، والرّياء والسُّمعة يدخلان في الشّرك الأصغر الخفيّ، فهو عملٌ قلبيٌّ خفيّ يعلمه الشخص نفسه حين يقوم بالعمل لله -تعالى-، ثمّ تطلب نفسه ثناء النّاس أو السُمعة، قال النبيّ -عليه أفضل الصّلاة والسّلام-: (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكمُ الشِّركُ الأصغرُ الرِّياءُ)، والشّرك الأصغر قد يؤدي إلى الشّرك الأكبر؛ كالمبالغة في المحبة، والغلوّ، والتّقديس لمخلوقٍ أو شيءٍ غير الله -تعالى-، وهو كبيرة من أكبر الكبائر، فهو لا ينفي الإيمان بل يُنقصه.
وقد حذّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الرّياء في بقية حديث الشّرك الأصغر حين سُئل: (قيلَ: وما الشركُ الأصغرُ؟ قال: الرياءُ، يقولُ اللهُ إذا جُزِىَ الناسُ بأعمالِهم اذهَبوا إلى الذين كنْتُم تُراءونَ في الدُّنيا فانظُروا هل تجدونَ عِندَهم جزاءً)، والرّياء هو إظهار الشخص للعبادة بقصد رؤية النّاس لعمله، أو مدحهم له، وهو مُحرّمٌ بالكتاب والسّنّة، ومن ذلك قوله -تعالى-: (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وسُمّيَ الرّياء أيضاً بالشّرك الخفيّ؛ لأنّه لا يعلم به غير صاحبه، فظاهر العمل لله -تعالى- وباطنه غير ذلك، وقد يقع به المسلم دون أن يُدرك أو يهتمّ لذلك، ويؤكّد على ذلك قول الرّسول -عليه أفضل الصّلاة والسّلام-: (الشركُ أخْفى في أمَّتي من دبِيبِ النملِ على الصفا). والرّياء قليله شرك أصغر، ولكنّ كثيره قد يوصل إلى الشّرك الأكبر.
ومن الشّرك الخفيّ الأصغر أن يقوم المسلم بعملٍ ممّا يُراد به وجه الله -تعالى- ونيل الأجر والثّواب، وقد خالط نيّته ومراده طلبه لمتاع الدّنيا، كأن يطلب العلم رغبة في منصبٍ، أو رفعةٍ، أو مكانةٍ، أو يَخرج للجهاد لمتاع الدّنيا، فقد ورد في حديثٍ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ! الرَّجلُ يغزو في سبيلِ اللَّهِ يريدُ أن يصيبَ من عرضِ الدُّنيا، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: لا أجرَ لَهُ، فخرجَ أبو هُرَيْرةَ فأخبرَ النَّاسَ، فأعظمَهُم ذلِكَ فقالوا: لعلَّكَ لم تفهمْ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: فرجعَ فسألَهُ فقالَ: لا أجرَ لَهُ، لا أجرَ لَهُ)، والغلوّ كذلك يُعدّ من الشّرك الأصغر، وهو أن يُعظّم الشخص شيئاً ما بدون ضوابط، وقد ورد سابقاً ذكر المبالغة في محبة وتقديس الصّالحين والأشخاص، وكذلك الصّلاة في مقام الصّالحين لتعظيمهم، وقد يبلغ بالبعض جَعْل العبادة خالصة لمخلوقٍ ما فيُصبح شِركاً أكبر.
الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
توجد العديد من الفروقات بين الشّرك الأكبر والشّرك الأصغر، نذكرها فيما يأتي:
- إنّ مرتكب الشّرك الأكبر لا يُغفر له إلّا بالتّوبة ، فهو يُخرج صاحبه من الإسلام، وأمّا مُرتكب الشّرك الأصغر فهذا بمشيئة الله -تعالى- إن شاء رحمه وغفر له، وإن شاء عذّبه، ولكنّه لا يُخلّد في النّار، وهذا الشّرك لا يُخرج صاحبه من الإسلام.
- الشّرك الأصغر يُحبط العمل الذي اقترن به فقط، على خِلاف الشّرك الأكبر فهو يُحبط العمل كلّه.
- الشّرك الأكبر هو شركٌ كاملٌ يوجّه فاعله عبادته ونيّته ومقصده لغير الله -تعالى-، وأمّا الشّرك الأصغر فهو كلّ ما قد يؤدي للشّرك الأكبر من القول، أو الفعل، أو السّبب، أو الاعتقاد.
- الشّرك الأكبر من أكبر الكبائر جميعاً وهو كفر، وأمّا الشّرك الأصغر فهو من الكبائر، ولكنّه يلي الشّرك الأكبر.
- الشّرك الأكبر صاحبه يُخلّد في النّار ، أمّا مُرتكب الشّرك الأصغر فصاحبه قد يعذّب بالنّار لكنّه لا يُخلّد فيها.