ما جزاء عقوق الوالدين
برّ الوالدين
جاءت الشريعة الإسلاميّة بنظام مُحكَم يهدف إلى صيانة المجتمع من الفوضى والفساد، ويسعى إلى تحقيق الأمن المجتمعيّ لحياة طيّبة؛ حتّى يتمكّن العباد من عمارة الأرض على منهج الإسلام السويّ، ومن المنهج الحكيم أداء الحقوق والواجبات، ولمّا كان الوالدان سبب وجود كلٍّ منّا بإرادة المولى سبحانه وسبباً في تكوين الأسرة ، فقد أولاهما الإسلام عناية خاصّة وأوجب لهما حقوقاً كثيرةً، وقد زخرت النصوص الشرعية بالدعوة إلى حفظ حقوق الوالدين ، وطاعة أوامرهما بكلّ خير وفضيلة، وتكريمهما، والعناية بهما، وإجهاد النّفس في تحقيق سعادتهما، فما هو حقّ الوالدين على الأبناء، وكيف يحقّق الأبناء هذا البرّ، وما جزاء من عقَّ والديه ولم يرعَ حقوقهما؟
جزاء عقوق الوالدين
شنّعَ الإسلام على عاقّ الوالدين، وذمّ من ينسى فضلهما، وتوعّد من يتنكّر لحقّهما بالحرمان في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- يحرّم الإسلام عقوق الوالدين بشكلٍ واضحٍ وقاطعٍ، قال عزَّ وجلَّ: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب التي يقترفها العبد، حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدَين).
- يفتح عاقُّ والديه على نفسه بابين من أبواب جهنّم ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما من مسلم يصبِح ووالداه عنه راضيان، إِلَّا كان له بابان من الجنة، وإن كان واحداً فواحدٌ، وما من مسلم يصبح ووالداه عليه ساخطان إِلَّا كان له بابان من النار، وإن كان واحداً فواحدٌ، فقال رجل: يا رسول الله، فإن ظلماه؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه، ثلاث مرّاتٍ).
- يُحرَم العاقُّ لوالديه من دخول الجنة ، لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يدخل الجنة عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدمن خمر).
- تُعجَّلُ لعاقِّ الوالدين العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، وينال جزاء عقوقه فيها، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن ذَنْبٍ أجدر أن يُعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم).
- لا يَسلَمُ عاقّ الوالدين من انتزاع البركة من عمره وحياته، وقلّة الرزق ، وعدم استجابة دعائه، وحرمانه من رفع أعماله إلى السماء، وهو مخلوف بعقوق أبنائه وذريّته من بعد عقوقه لوالديه.
عناية الإسلام بالوالدين
لم يأتِ اهتمام الإسلام بالوالدين عبثاً، ولم تكن الدّعوة لصون حقوقهما بلا مُبرّر، وإنّما جاء ذلك بسبب فضلهما العظيم على أبنائهما، ومن فضل الوالدينِ على أبنائهم ما يأتي:
- الوالدان هما سبب وجود الأبناء بعد إرادة اللهِ تعالى، ومن العسير إحصاء ما يلقاه الأبوان من كدّ وتعب، وما واجهاه من مصاعب ومشاقّ في سبيل رعاية أبنائهم، فلا يستقرّان ولا يهدأُ بالهما إلّا بحُسن حال أبنائهما؛ يتابعان خطواتهم وحركاتهم باهتمام بالغ، ويفكّران بإسعادهم؛ فالأبناء شغل والديهم تعليماً، وتأديباً، ورعايةً.
- الأمَّ تحمل ولدها في أحشائها تسعة أشهر؛ يتقوّى وينمو في جسدها، فتعيش الآلام المتتالية المليئة بالوَهن والضّعف، وعند الولادة تعيش نوعاً آخر من آلام المخاض، ثمَّ تبدأُ مرحلة الرِّضاعة لشهور طويلة، وكلُّ ذلك يستلزم العناية والتّعهد والتربية، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
- الأب يكدُّ ويشقى من أجل راحة أبنائه وتأمين حياة كريمة لهم، ويتعهّدهم بالتوجيه والتأديب، ويصون حقوقهم ويرعاها، كما يشكّل لأبنائه درعاً ماديّاً ومعنويّاً من المخاطر والشّرور.
أسباب عقوق الوالدين
إنَّ تفريط الآباء والأمّهات بواجباتهم تجاه أبنائهم يُسهم في إنشاء جيل لا يعترف بحقوق الآباء والأمّهات، ولا يرعى فضلهم، ومن الأسبابِ التي تقودُ بعض الأبناء إلى عقوق والديهم ما يأتي:
- إصرار بعض الآباء والأمهات على أنماط تربويّة محدّدة، لا تواكب مستجدات العصر وتطوّر الحياة.
- عدم إدراك بعض الآباء أنَّ مفهوم التربية أوسع من مجرّد العناية والرّعاية الجسديّة والصحيّة، وإنمّا يشمل الرعاية النفسية، والتربية على الأخلاق الحميدة الحسنة.
- استعجال الوالدين للوصول إلى نتائج التربية وثمارها، وإجبار الأبناء على تلبية أوامرهما، وعدم التهاون في زلّاتهم وأخطائهم، والعنف في التربية ، كلّ ذلك يولّد مشاعر سلبيّةً تجاه الوالدين مستقبلاً.
- الدلال الزائد للأبناء والتعامل معهم بتهاوُن بحُجّة صِغَرِ سنّهم؛ فالتربية عمليّة تراكمية تبدأ منذ الصِّغرِ.
- الاتّكالية بين الأباء والأمهات على مسؤوليّة تربية الأبناء.
- العطف الزائد من الأجداد، ممّا يترتّب عليه إفساد تربية الآباء والأمهات.
- اختلاف وجهات النظر في تربية الأبناء بين الآباء والأمّهات ، ممّا يؤدّي إلى ضياع الأبناء، وربّما إلى عدم انصياعهم لأحد.
صوَر عقوق الوالدين
لعقوق الوالدين العديد من الصورِ المختلفةِ التي ينبغي الحذر من الوقوعِ بها، منها:
- رفع الصوت عند التحدث مع الوالدين، وإلقاء الأوامر عليهما، والتأفّف من طلباتهما، والعبوس في وجهيهما.
- إدخال الحُزن إلى قلبَي الوالدينِ؛ بالقول أو العمل.
- عدم الإنصات لحديث الوالدين.
- ذكر الوالدين بسوء أمام الآخرين.
- ترك الوالدين ساعات طويلة وحدهما، مع حاجتهما إلى وجود أبنائهما بجانبهما.
- تفضيل تلبية مطالب الزوجة ورغباتها على طلبات الوالدين.
- ضرب الوالدين والإساءة الجسديّة لهما، ووضعهما في دور المُسنّين ، والدعاء عليهما، وتمنّي زوالهما.
- البُخل والشّح في الإنفاق على الوالدين.