صفات عباد الرحمن في صحابة الرسول
صفات عباد الرحمن
خصَّ الله -تعالى- في كتابه العزيز صنفاً معيناً من العباد بالذكر والتكريم، وهم من أطلق عليهم القرآن الكريم لقب عباد الرحمن، حيث يمتازون بصفات عظيمة جليلة من الصعب أن تتوفر في كل الناس، غير أنّ هذه الصفات كانت ملازمة ل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين كانت لهم منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ومن هذه الصفات:
التواضع
كان الصحابة الكرام شديدي التواضع ، فقد كان غنيهم يجلس مع فقيرهم، وكان سيِّد قومه منهم يتعامل مع أقلِّهم رتبة اجتماعية دون أنَفَةٍ أو كِبرٍ، إلى جانب ذلك فقد كان الصحابة الكرام يتواضعون أمام الحقِّ إذا بدا لهم مهما كان شديداً عليهم، وفي هذا تتجسد أسمى درجات التواضع، ومن المواقف الدالة على ذلك:
- تواضع عثمان -رضي الله عنه-
كان عثمان -رضي الله عنه- صحابياً جليلاً وخليفة للمسلمين، ومع ذلك لم يكن يأخذ معه الجنود يحرسونه، وكان ينام بين الناس في المسجد، قال الحسن البصري: "رأيت عثمان بن عفان نائمًا في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ثم يجيء الرجل فيجلس إليه، كأنه أحدهم".
- تواضع سلمان الفارسي -رضي الله عنه-
كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أميراً على المدائن، فجاء ذات يوم رجل يحمل متاعاً، وقال لسلمان أن يحمل معه، ولم يكن يعرف أنّه الأمير؛ إذ كان لباسه يوحي أنه منهم، فلما رآه الناس قالوا له إنّ هذا الأمير، فاستحى الرجل واعتذر من سلمان، إلا أنّه -رضي الله عنه- قال له: "لا، حتى أبلغ منزلك".
البعد عن الجاهلين
تجلَّت هذه الصفة في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كافة الفترات والأوقات، وكانت واضحة جداً في الفترة المكية عندما كانوا يتعرَّضون للأذى الشديد من قبل مشركي قريش، ففي هذه الفترة ظهرت صفة الصحابة الكرام في الإعراض عن استهزاء الجاهلين، وتهكُّمهم عليهم، وإيذائهم لهم، فهم أسمى وأرفع من النزول إلى مستواهم.
وفي الفترة المدنية أيضاً استطاع الصحابة أن يضربوا أروع الأمثلة في الإعراض عن السفهاء والجاهلين من المنافقين الذين لم يكونوا أرفق بهم من كفار قريش، ومن ذلك ما حدث يوم أحد عندما انسحب المنافقون من جيش المسلمين لتخذيلهم، غير أنّ الصحابة لم يأبهوا بهم، وتابعوا سيرهم إلى أرض المعركة واثقين مطمئنين إلى أمر الله -تعالى-.
الالتزام بأداء العبادات
كان الصحابة شديدي الالتزام ب أداء العبادات المختلفة، وقد حقّقوا أسمى درجات الإخلاص لله -سبحانه- في سكناتهم وفي حركاتهم، وقد فهموا معنى العبودية بمعناها الشامل، فكانت حياتهم كلّها عبادة، ولم تكن مقتصرة على أنواع دون الأخرى، فمع أداء أنواع عباداتهم من صلاة وصدقة وصيام وغيره كانوا يقومون بواجباتهم ومسؤولياتهم الأخرى على أكمل وجه، لأنها في نظرهم أيضاً عبادة.
توحيد الله وتقواه والخوف منه
لم يعرف التاريخ أشخاصاً يخافون الله -تعالى- بعد أنبياء الله -عليهم السلام- كالصحابة الكرام، فقد ضربت هذه الفئة العظيمة أروع الأمثلة في تقوى الله تعالى، والخوف من غضبه وعذابه، ومراقبة النفس في كل صغيرة وكبيرة، ومما يدلّ على ذلك قوله -تعالى-: (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا).
الابتعاد عن الفواحش والكبائر
كان مجتمع الصحابة مجتمعاً نقياً، لم يعرف الفساد الخلقي وأنواع الانحرافات بأنواعه؛ نظراً لوجود تربية إيمانية عميقة، وبذرة صالحة بذرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه النفوس الخيِّرة، ومن هنا فقد كان الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- يتجنبون الفواحش بأنواعها، والكبائر أيضاً.
التعلق الشديد بكتاب الله تعالى
ظهرت هذه الصفة في الصحابة الكرام منذ مطلع الدعوة إلى الله -تعالى-، فقد كانوا حريصين على تعلم القرآن الكريم ، والانتفاع به، وفهمه، وتدبره، وحفظه، وتعليمه للآخرين، وتطبيقه في كافة شؤونهم الحياتية، ونقله للأجيال التي بعدهم، حتّى بات مجتمعهم مجتمعاً قرآنياً بامتياز.
قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ، فهذا كان حالهم -رضوان الله عليه- عند سماع آيات القرآن الكريم، تخشع قلوبهم وتلين، ويزيد إيمانهم ويستقيم.