ما الفرق بين الهدية والصدقة
الفرق بين الهديّة والصّدقة
تشترك الهدية والصدقة من حيث كونهما إعطاءً من غير طلب مقابل، وتدخل الهدية والصدقة في لفظ العطيّة، لكن الهدية يُقصد منها طلب القُرب والوُدّ في الدنيا، والأجر في الآخرة ، أمَّا الصدقة فيُطلب من خلالها القبول والرضا من الله -تعالى-، والثواب الكريم في الآخرة على وجه الخُصوص، ولا تنتقل الهدية إلى مُلكيَّة المُهدى له بالقول، وإنَّما من خلال القبض والاستلام، أما الفرق بين الهدية والصَّدقة من حيث السَّبب؛ فالباعث على إعطاء الهدية طلب المحبة، والدافع وراء تقديم الصّدقة ما يتملّك الإنسان من مشاعر الرأفة والرحمة بالناس، وطلب الثواب من الله -تعالى-، فمتى طُلِب من العطيَّة الودّ والحبّ، وحصول المُكافأة من المُهدى إليه، دخلت في باب الهدايا، وذلك مشروع، ومتى قُدِّمت الأُعطية بقصد إعانة الناس ، وطلب الأجر من الله -تعالى-، كانت صدقة.
والمقصد من الهدية أولاً الشخص المُهدى إليه، أمَّا الصدقة فالمقصود منها ابتداءً رضا الله -تعالى-، والتقرّب إليه -سبحانه-، وإن حصل فيها أيضاً رضا المُعطى إليه بعد ذلك، أمَّا الفرق بينهما من حيث الأفضلية؛ فالصدقة أفضل من الهدية ابتداءً، لكن إذا أُضيف للهدية أمرٌ آخر قد تكون أفضل، كأن تكون للنبي -صلى الله عليه وسلَّم- في حياته، أو تكون للرّحم من أولي القُربى، أو لتقوية روابط الأُخوّة في الله التي تُعين على الطاعة.
حُكم الهديّة والصّدقة
تشترك الصدقة والهدية في الحُكم الشرعي ، فكلاهما مُستحبّ، وقد دعى الإسلام إليهما في العديد من النصوص الشرعية، كما أنَّ فعل النبي -صلى الله عليه وسلَّم- خير شاهدٍ على ذلك، حيث كان في الجود والعطاء كالرِّيح المُرسلة، ويجدُر بالذِّكر أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلَّم- كان يقبل الهدية ولا يَقبل الصدقة، وكان يُرَغّب صحابته بالصدقة، ويتصدَّق بالكثير والقليل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلَّم-: (مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ)، ومن السنَّة التَّصدُق بما يزيد عن حاجة المُعطي وحاجة من يعول، وتظهر مشروعية التهادي بين المُسلمين في قول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (تهادَوْا، فإنَّ الهديَّةَ تُذهِبُ وحَرَ الصَّدرِ، لا تحقِرنَّ جارةٌ لجارتِها ولو فِرسِنَ شاةٍ)، وفرسن الشاة هو العظم قليل اللحم.
الحكمة في الهديّة والصّدقة
شرع الله -تعالى- الصدقة وأثنى على فاعلها، وبها تنتقل الملكية من المُتصدِّق إلى المُتصَدَّق عليه، وتظهر الحكمة من مشروعيّتها في حرص الناس على تفريج كُرب بعضِهم، فيَسعى المُتصدّق الذي أنعم الله -تعالى- عليه بالنّعم بالتَّصدّق منها على المُحتاجين؛ لإعانتهم في شؤون حياتهم، وتخفيف أعبائهم، وتفريج همومهم، وفي تقديم الصدقة برهانٌ على إيمان العبد، واعترافٌ منه لله -تعالى- بالشكر على عظيم نعمه، ومن يشكر الله -تعالى- يتفضَّل عليه بالمزيد من النِّعم، وقد ورد في فضل الصدَّقة أنّ المُتصدِّق يكون في أمانٍ تحت ظلّ الرحمن يوم القيامة ، فقال -صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ..)، ثمّ ذكر منهم: (ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ).
أمَّا الهدية؛ فتُعدّ في الفقه الإسلامي من التبرُّعات التي من شأنها أن تُعين الناس في أُمور حياتهم، سواء كانت ضروريّة، أو حاجِيّة، أو تحسينيّة، ويُعين التهادي بين أفراد المُجتمع الواحد على تقوية أواصر الأُخوّة والمحبّة بين أفراده، وبذلك تَتحقّق الحكمة التي شُرعت من أجلها الهدية، كمأ أنَّ فيها اتِّباعٌ للسُّنة، وتطهيرٌ للنفوس من الكراهية، وهي مستحبَّة حتى لو كانت قليلة، يقول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (أجيبوا الداعيَ، ولا تردُّوا الهديةَ، ولا تضربوا المسلمينَ).