ما الفرق بين الرؤيا والحلم
الرؤى والأحلام
من عادة النفس البشرية أنّها تتوق وتتطلّع لمعرفة ما سيحصل لها في المستقبل من أحداث وأحوال، إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى قد استأثر بعلم الغيب لنفسه سبحانه، فلا يعلم ما يحصل في أيام المستقبل ولياليه إلّا هو، قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)، مع ذلك فقد حاول الكثير من الناس الوصول إلى علم الغيب عن طريق السحر، والكهّان، والعرّافين، والمنجّمين، وما يتعلّق بالأبراج ونحوها، ممّا أدى بهم إلى الضلال بما أقدموا عليهم من أمور محرمة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (من أَتَى عَرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقه بما يقولُ، فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ)، وقد خصّ الله سبحانه وتعالى أهلَ الإيمان بما يبشّرهم بالخير وينذرهم من الشرّ القادم، وذلك من خلال الرؤى الصادقة، فما يبشَّر به المؤمن بعد أعماله الصالحة، الرؤيا الصالحة التي يراها هو بنفسه أو يراها غيره له، وقد أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (لم يَبْقَ من النُّبُوَّةِ إلا المُبَشِّراتُ، قالوا: وما المُبَشِّراتُ؟ قال: الرؤيا الصالحةُ).
ويمكن القول إنّ حقيقة ما يراه النائم أثناء نومه تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أوّلها الرؤى؛ وهي جمع رؤيا، وثانيها الأحلام ومفردها حلم، وثالثها ما كان متعلقاً بفكر الإنسان من صورٍ وأحداثٍ ومواقف خلال يقظته، كالأماني التي يتمنّاها الإنسان أحياناً، وصحيح أنّ للرؤى الصالحة مكانةٌ رفيعةٌ في الإسلام، إلّا أنّ بعض الناس قد ضلّوا في أمرها، فجعلوها مصدراً للتشريع، وقد أنكر عليهم العلماء فعلهم، فكان ممّا قاله الإمام الشاطبي رحمه الله في ذلك: إنّ بعض الناس قد يقول إنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمره بفعل شيءٍ معين، فيعمل به مُعرِضاً ومتجاهلاً الحدود الشرعية، وهذا أمرٌ خاطئ، فرؤيا غير الأنبياء لا يجوز الحكم بها شرعاً، وإنما تُعرض على ما وصل من الشريعة الإسلامية حول الأحلام الشرعية فإن سوّغتها وأجازتها عُمل بمقتضاها وإلا فالواجب تركها والإعراض عنها، ولا يُستفاد منها إلّا البشارة أو النذارة، أمّا الأحكام الشرعية فلا تؤخذ منها، وينبغي للمسلم أن يحذر من المغالاة في هذا الباب، فلا حاجة لأن يلقي له بالاً كثيراً ويتوسّع في السؤال عنه، إلّا إن رأى شيئاً يستحقّ التعبير فعلاً.
الفرق بين الرؤيا والحلم
تختلف الرؤيا عن الحلم في عددٍ من الأمور، والتي توضّحها الأحاديث النبوية الشريفة، فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا بصفاتٍ متعددة، منها أنّها صادقة، ويُراد بذلك أنها تكون أمثالاً يضربها الملك للرائي فتحمل خبراً عن شيء واقع أو شيء سيقع مستقبلاً فيقع مطابقاً للرؤيا فعلاً، وهذا ما يجعلها كوحي النبوة في صدق دلالتها، كما وصفها عليه السلام بأنها صالحةٌ أيضاً، ومعنى ذلك أنها تأتي حاملة لبشارة أو منبهة على حين غفلة، ومن أوصافها كذلك كما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة أنّها من الله سبحانه وتعالى، ومراد ذلك أنها من رحمته وفضله على العبد، أو من إنذاره وتبشيره له، أو من تنبيهه وإرشاده وتوجيهه، أمّا الحلم فهو يختلف عن الرؤيا بأوصافه كما جاء في الأحاديث النبوية أيضاً، فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الأحلام بأنّها من الشيطان، أي أنّها من إلقائه في نفس الإنسان، وتخويفه له، ولعبه فيه، كما وصفها أيضاً عليه السلام بأنها تحزين، أي أنّ الشيطان يريد بها إحزان المؤمن وتكدير حياته عليه.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين في الأحلام أنّها إفزاعٌ وتخويفٌ من الشيطان؛ حيث يصوّر فيها للإنسان ما يكرهه ويفزعه في نفسه وماله وولده ومجتمعه، فهو يحب إفزاع المؤمنين وتحزينهم، ويحرص على كلّ ما يؤدي إلى ذلك، سواءً كان ذلك في يقظتهم أو منامهم، ومن الجدير بالذكر أنّ الإنسان إذا كان صالحاً مستقيماً على طاعة الله حريصاً على رضاه، فلا يضرّه أن يرى نفسه في حالةٍ لا تسرّه ولا ترضيه، وبالمقابل فإنّه إن كان على معصية في يقظته فلا ينفعه أن يرى نفسه في أحسن الأحوال، وقد تشتمل الرؤيا على تحذير للإنسان وتنبيه له أو لغيره من غفلة يحياها، أو معصية يفعلها، أو سوء خاتمة قد يقع به إن استمر على ما هو عليه من انحراف وضلال، أمّا الحلم فلا يكون فيه شيء من ذلك.
آداب الرؤى الصالحة والرؤى المكروهة
للرؤيا الصالحة آداب يجدر بمن يراها أن يحرص على فعلها، وفيما يأتي بيانها:
- أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده عليها.
- ألّا يحدث بها أحداً إلّا من يحبه ويعلم منه المودة حتى يفرح لفرحه، أمّا من لا يحبّ فيجدر به أن لا يحدّثه بها حتى لا يشوّش عليه بتأويلها له بما يوافق أهواءه.
وللرؤيا المكروهة آداب أيضاً يجدر بمن يراها أن يحرص على فعلها، وفيما يأتي بيانها:
- أن يستعيذ بالله تبارك وتعالى من شرّها.
- أن يستعيذ بالله تبارك وتعالى من الشيطان الرجيم ثلاث مرات.
- أن يتفل عن يساره ثلاث مرات عندما يستيقظ من نومه.
- أن لا يخبر بها أحداً حتى لا يؤولها له تأويلاً مكروهاً.
- أن يُغيّر الجنب الذي كان ينام عليه، فينام على الجنب الآخر تفاؤلاً بتحوّل حاله حيئذ.
- أن يصلّي عند استيقاظه من نومه، فبذلك يستكمل آدابها جميعاً.