ما الحكمة من الاغتسال بعد غسل الميت
ما الحكمة من الاغتسال بعد غسل الميت
شرعَ الله -تعالى- الغُسلَ للميِّتِ، كما شُرِعَ الاغتسالَ لمن يُغسّل ميّتاً لحكمٍ عديدة منها:
- تقويةٌ لقلب الغاسل، لِأنَّ من المعلومِ أنَّ غاسل الميِّت تضعُف قُواه ويَرقّ قلبه عند رؤية الميّت، فجاء الغُسل بعد ذلك جبراً لقلبِ الغاسل من ضعفٍ أصابَه عند تقليب الميِّت وتغسيلِه.
- التأكّد من سلامةِ طهارتِه؛ لأنِّه قد يُصيب الغاسل شيئاً من رشاشِ ماء الغُسل، فقد يكون جسد الميِّت قد أصابته نجاسة، فشُرع له الغُسل.
- استعداد الغاسل لصلاةِ الجنازة؛ لأنَّ مَن يُغسّل الميِّت في الغالب سيصلّي عليه صلاة الجنازة ، فوجبَ الوضوء والتطهّر قبل ذلك.
حكم الاغتسال بعد غسل الميت
ذهبَ جمهورُ العلماء من الحنفيّةِ و الشافعيّةِ و الحنابلة إلى استحبابِ الاغتسال بعد غُسل الميّت ، بينما ذهبَ جمهورُ المالكيّة إلى أنَّه لا غُسل لمُغسّل الميّت، لأنَّ هذا الأمر لا يُعدّ حدثاً يجب التطهّر منه، أمّا الإمام أحمد فقد ذهبَ إلى وجوبِ الغُسل فقط لمن يُغسّل غير المسلم، مستدلّين بأن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أمر عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يَغتسل بعد أن غسَّل أباه أبا طالب وقد مات مشركاً.
وقد ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يغتسلُ من أربعٍ؛ من الجنابةِ، ويومِ الجمعةِ، ومن الحجامةِ، وغسلِ الميِّتِ)، وقد اختلف العلماء في صحةِ هذا الحديث، فمنهم من قال أنَّ من غسَّل الميِّت يَلزمه الغُسل، ومنهم من قال يَكفيه الوضوء، ومنهم من لم يقل بهما، وليس الأمر للوجوبِ كما في ظاهر الحديث الذي رُويَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (من غسَّل ميتًا فليغتسلْ)، فقد رجّحَ أكثر الفقهاءُ أن يكون الحديث قد نُسخ أو لم يثبت، لأنَّه قد رُوي َبعده حديثان يوضّحان أنَّ الأمر محمولٌ على الاستحبابِ لا الوجوب، وفيما يأتي ذكرهما:
- قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ عليكمْ في غسلِ ميتكمْ غسلٌ إذا غسلتمُوه، فإنَّ ميتكُم ليسَ بنجسِ، فحسبُكمْ أن تَغسلُوا أيديكمْ)، فقول النبي -عليه الصلاة والسلام- "ليس بنجسٍ" دلَّ على طهارةِ الميّت وعدم نجاستِه، ويكفي غسل اليدين بعد تغسيلِه دون الاغتسال أو الوضوء.
- قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: (كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ، فمِنَّا مَن يَغتَسِلُ، ومِنَّا مَن لا يَغتَسِلُ)، ممّا دلَّ على استحباب الصّحابة لذلك.
حكمُ الوضوء بعد غسل الميت
يرى جمهورُ الفقهاء وبعض الحنابلة أنَّ غَسل الميِّت لا يجب الوضوء بعدَه؛ وذلكَ لأنَّه لم يرد في ذلك نصٌّ يُوجب الوضوء ، فبَقيَ الأمر على الأصلِ، كما أنَّ الميِّت يُعدّ آدميّاً، فتغسيله وهو ميَّت مشابِهٌ لتغسيله وهو حيّ، لذا لا يترتب عليه الوضوء عندئذٍ، بينما ذهبَ أكثر الحنابلة إلى وجوبِ الوضوء بعد تغسيل الميِّت، بغضِّ النّظر عن عُمرِه أو جنسِه، مُسلماً كان أو كافراً؛ وذلك عملاً برأي بعض الصحابة الذين كانوا يَأمُرون غاسل الميِّت بالوضوءِ، ورأيهم في ذلك أنّ الغاسل على الأغلب قد تقع يده على عورةِ الميّت، فوجبَ الوضوء للتأكّد من الطّهارةِ.