لولا الله ما اهتدينا
لولا الله ما اهتدينا
يسعى المسلم في حياته إلى عبادة الله والإخلاص له في العبادة، ولكن قد تمرُّ به حالات فتورٍ وضعفٍ، وتتقاذفه الشهوات والمعاصي، فإمّا أن يركن لها ويرضخ لشهواته، أو يعصي هواه ويترك المعاصي، ويتوجّه بلُبِّه وجميع أقواله وأفعاله إلى ما يُرضي الله تعالى، ويبتعد عن جميع ما حرّمه، فيكون ثوابه جنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت لمَن اتّقى.
والهداية أمر لا يُمكن لأحدٍ من البشر أن يتصرّف به، فهي بأمر الله -تعالى- فقط؛ فهو يهدي من يشاء، ويُضِلُّ من يشاء، ويجعل من يشاء من أهل الجنة، ومن يشاء من أهل النار، وذلك بناءً على علمه الأزليّ بعباده وأعمالهم وطبائعهم، وقد قال -تعالى- في كتابه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
وإن الهداية والصلاح رزق من الله -تعالى- يرزقها من يشاء من عباده؛ وذلك وفق حكمةٍ وتقديرٍ وعلمٍ مُسبَقٍ من الله -سبحانه وتعالى- بأحوال عباده وحقيقة صفاء نيّاتهم، أمّا كيفية هداية الله -تعالى- لعباده وتوفيقه لهم فلا يعلم حقيقة ذلك إلّا الله، فهو القادر على ذلك، وهو المتصرّف به، فله الأمر في هداية من يشاء من عباده.
قال -تعالى-:(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ*قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)، وقد جعل الله -تعالى- العقل مناط التّكليف؛ فالعاقل يختار بالدليل والبُرهان الطاعة ويبتعد عن المعصية.
معنى الهداية
الهداية لها عدّة معاني، وسنذكر معنى الهداية لغةً واصطلاحاً فيما يأتي:
- الهداية لغةً: هي مصدر للفعل هَدَى يَهدي، فهو هادٍ والمفعول منه مَهدِيّ، وهي الإرشاد والدلالة إلى ما يوصل إلى الهدف المطلوب، ويُقال للشخص الذي يُوزِّع المعرفة وينشرها: منار الهداية.
- الهداية اصطلاحاً: الدلالة بلُطف إلى ما يوصِلُ المرء إلى بُغيته وهدفه، والهداية خاصّةٌ بالخير، ولا يمكن أن تكون للشّر.
مراتب الهداية
هداية الله -سبحانه وتعالى- لعباده لها عدّة مراتب، فهي تتفاوت حسب مقصدها، وحسب حال المُكلَّف، وطبيعة الهداية ذاتها، وبيان مراتب الهداية على النحو التالي:
الهداية العامّة
الهداية العامّة هي الهداية التي تكون عامّةً لجميع مخلوقات الله -تعالى-؛ وهي تشمل الخَلق، والتسوية، والتقدير، والهِداية؛ فكلّ نفس خلقها الله -تعالى-، هداها لِما يُصلح حالها من جلب المنافع، ودفع المضارِّ عنها، وتأتي هذه المرتبة من الهداية للمخلوقات بالفطرة، قال -تعالى-: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى*الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى*وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى).
هداية الدلالة والإرشاد
هداية الدلالة والإرشاد هي مرتبة من الهداية خاصّةٌ بالرُّسل والأنبياء، وما جاءت به الكتب السماوية، وهذه الهداية خاصّة بالمُكلَّفين، وهي حجّة الله -تعالى- على عباده، قال الله -تعالى-: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
هِداية التوفيق والمعونة والإلهام
تستلزم هِداية التوفيق والمعونة أمرين، هما: فعل الله -تعالى- المتمثّل بالهداية التي لا تكون إلّا منه، وفعل العبد المتمثّل باهتدائه إلى ما يُرضي الله -تعالى-، وهذه المرتبة من الهداية لا يقدر عليها أحد إلّا الله -تعالى-، فقد قال في مُحكَم كتابه: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى).
الهداية إلى الجنّة والنّار يوم القيامة
الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة هي آخر مرتبةٍ من مراتب الهداية؛ فالله -تعالى- يهدي عباده في الحياة الدنيا إلى ما يوصلهم إلى الجنة يوم القيامة، فمن اتّبع الرُّسل وآمن بما في الكتُب السماويّة، وسار على النهج القويم والصِّراط المستقيم، هُدِي يوم القيامة إلى الصراط المستقيم، والجنة التي أعدّها الله -تعالى- لعباده المؤمنين.