مفهوم الانتخاب الطبيعي
ما هو الانتخاب الطبيعي؟
تُعرف نظرية الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: Natural Selection ) بأنها عملية تكيُّف الكائنات الحية في بيئة معينة بفضل امتلاكها بعض الخصائص التي تُمكّنها من العيش في تلك البيئة أكثر من غيرها، وتُعرف هذه الخصائص باسم السمات التكيفية، وغالبًا ما تكون الكائنات التي تمتلك هذه السمات أكثر عرضة للبقاء والتكاثر.
تتوارث الكائنات الحية السمات التكيفية عند تكاثرها، ويُعزز الانتخاب الطبيعي من انتقال هذه السمات، ويؤدي أحيانًا إلى تنوع الكائنات الحية، وظهور أنواع جديدة ذات سمات جديدة، وتُساعد على تفسير تنوع الحياة على الأرض.
ملاحظات داروين الدالة على الانتخاب الطبيعي
اعتمد العالم داروين في تشكيل مفهومه حول الانتخاب الطبيعي على عدّة ملاحظات رئيسية، ومن أبرزها ما يأتي:
- غالبًا ما تتوارث الكائنات الحية السمات التي تمتلكها، أو تنتقل من الآباء إلى الأبناء، واستشهد داروين بهذه الملاحظة على الرغم من عدم معرفته بانتقال السمات وتوارثها عبر الجينات.
- عند تكاثر الكائنات الحية، غالبًا ما يكون النسل الناتج هو الأكثر تكيفًا في بيئته.
- يتنافس أفراد كل جيل من أجل الحصول على الموارد، مما سيؤدي إلى محدودية تلك الموارد، بسبب استنزافها.
- تختلف الصفات الوراثية في كل نسل ، أي سيمتلك كل جيل من أي نسل سمات قد تختلف عن الأجيال الأخرى، كالشكل، والحجم، واللون، وسيكون بالإمكان توارث العديد من تلك السمات.
واعتمادًا على تلك الملاحظات البسيطة، خلص داروين إلى ما يأتي:
- سيمتلك أفراد أي مجتمع بعض السمات المتوارثة التي من شأنها أن تساعدهم على البقاء والتكاثر ضمن ظروف البيئة المحيطة، وغالبًا ما ينتج الأفراد الذين يمتلكون سمات تكيفية ذرية أكثر من أقرانهم الذين لا يمتلكونها.
- تميل السمات التكيفية أن تُصبح أكثر شيوعًا عبر الأجيال، وذلك بسبب إمكانية توريثها، ونظرًا لأنّ الكائنات التي تمتلكها تنتج ذرية أكثر من غيرها، فستُصبح تلك السمات بالتالي موجودة في الكثير من الأفراد.
- تتكيّف الكائنات الحية مع بيئاتها بمرور الوقت عبر الأجيال، وقد يتمكّن الأفراد الذين يمتلكون السمات التكيفية من النجاح في الإنجاب أكثر مقارنة بمن لا يُمكنهم التكيف.
كيفية حدوث الانتخاب الطبيعي
لتبسيط مفهوم الانتخاب الطبيعي، يُفترض وجود مجموعة من الفئران ذات اختلاف وراثي في لون الفراء، كالأسود والبني، وانتقلت هذه المجموعة إلى بيئة تعيش الصقور فيها، وتملؤها الصخور ذات اللون الأسود، فإذا ما أرادت الصقور اصطياد الفئران، سيسهل عليها رؤية الفئران ذات اللون البني أكثر من السوداء وذلك عند تواجدها على الصخور السوداء.
ونظرًا لتمكُّن الصقور من رؤية الفئران بنية اللون واصطيادها بسرعة أكبر، فإنّ عددها سيقل على نحو أكبر مقارنة بالفئران السوداء التي لن يُصطاد سوى القليل منها، وعند مقارنة أعداد الفئران بعد هذه التجربة، سيتضّح أنّ عدد الفئران السوداء قد أصبح أكثر من الفئران البنية.
ويُعد لون الفراء أحد السمات الوراثيّة في الفئران والتي قد تنتقل من الآباء إلى الأبناء، فعندما تتزايد أعداد الفئران السوداء، فإنّها ستتمكن من التكاثر، وإنجاب سلالة ذات لون فراء أسود، وبعد تعاقب الأجيال، قد تكون جميع الفئران المولودة في تلك البيئة ذات لون أسود.
أنواع الانتخاب الطبيعي
للانتخاب الطبيعي العديد من الأشكال والأنواع، ولتوضيح ذلك، يُفترض وجود منحنى يمثل التوزيع الطبيعي لأحد أفراد المجتمع وفق سمة الطول مثلًا، ففي حال عدم تعرّضها إلى ضغوطات تتطلّب سيادة طول معين، فإنّ أطوال الأفراد ستكون مختلفة، أمّا في حال تعرّض هذه السمة لضغوطات تكيفيّة، سيتخذ المنحنى شكلًا آخر، وفيما يأتي أنواع الانتخاب الطبيعي:
- الانتخاب التثبيتي
تتطلب الظروف الانتقائية في الانتخاب التثبيتي امتلاك الكائنات سمات بعيدة عن الإفراط، فعلى سبيل الذكر، يجب أن تكون سيقان النباتات طويلة إلى الحد الذي يُسمح لها بالوصول إلى أشعة الشمس وامتصاصها، أي أنّ النباتات القصيرة ستموت، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ النباتات شديدة الطول هي من سيعيش، إذ إنّها ستكون مُعرّضة للتلف بسبب الرياح، وهنا ستتمكن النباتات متوسطة الطول من البقاء في ظل تلك الظروف، وستتمكن من التكاثر وإنتاج نباتات متوسطة الطول.
- الانتخاب الاتجاهي
تتطلّب الظروف البيئيّة سمات تكيفيّة قصوى غير معتدلة، ولن تتمكّن الكائنات التي تمتلك سمات مناقضة أنْ تتكيّف في تلك البيئات، فعلى سبيل المثال، خلق الله أعناق الزرافات طويلة لتسمح لها بالوصول إلى أوراق الشجر، وبالتالي فإنّ الزرافات ذوات الأعناق القصيرة لن تتمكّن من الحصول على الغذاء.
- الانتخاب تمزقي
وهنا تتطلب الظروف البيئية امتلاك صفات قصوى لا معتدلة، ومثال ذلك احتواء بيئة على نباتات متفاوتة الطول، حيث يجري تلقيحها بواسطة ملقحات مختلفة وفق أطوالها، ففي حال اختفاء ملقحات النباتات متوسطة الطول، سيستمر تلقيح النباتات الطويلة والقصيرة، وستختفي متوسطة الطول بمرور الوقت.
أمثلة على الانتخاب الطبيعي
فيما يأتي بعض أمثلة الانتخاب الطبيعي:
- تمتلك طيور جزر غالاباغوس طيوراً بمناقير ذات أحجام مختلفة، فخلال فترات الجفاف، تمكنت الطيور ذات المناقير الكبيرة من العيش بشكل أفضل، وخلال الأوقات الماطرة نما الكثير من البذور، ممّا ساهم بإمكانية عيش أفضل للطيور ذوات المناقير الصغيرة، أي أنّ الطيور بكافة أحجام مناقيرها تستطيع العيش في هذه البيئة.
- تختار إناث الطاووس أزواجها وفقًا لنوع ذيلها، إذ تميل لاختيار الذكور ذات الذيول الكبيرة اللامعة، أي يزيد احتمال انتقال هذه الصفة عبر الأجيال، وبالتالي نجد أن معظم ذكور الطاووس تمتلك ذيولًا كبيرة.
- يتميّز الفراش المرقط بلون فاتح ذو بقع سوداء، وخلال الثورة الصناعية، امتلأت سماء لندن بالدخان الذي التصق بالأشجار، وجعل لونها أكثر قتامة، ممّا سهّل على الطيور أكل الفراشات ذات اللون الفاتح، وازداد عدد الفراشات ذات اللون القاتم في المدينة.
- يمتلك النمل المحارب مؤشرات كيميائية تخبر الأفراد الآخرين بعدم الهجوم، وبمرور الوقت تعلّم بعض النمل محاكاة مؤشرات النمل في المستعمرات الأخرى، ممّا ساعده في غزو تلك المستعمرات دون اكتشافه.
الانتخاب الطبيعي وتطور الكائنات الحية
وفقاً لنظرية دارون، فإنّ بعض الكائنات الحية تنعزل أحيانًا بسبب ظروفها المحيطة، كالحواجز الجغرافية، ومثال ذلك الجزر المُحاطة بالمياه، وبالتالي لن تتمكّن من التزاوج، وستكون عرضة لبيئات مختلفة، وهنا يأتي دور الانتخاب الطبيعي في انتقاء الكائنات ذات السمات الأكثر تكيفًا.
علاوة على ذلك، قد تتواجد بعض الصفات المنتقاة والتي تنتقل عبر الأجيال، حيث تظهر اختلافات جديدة فيها مع تقدم الأجيال، وتتراكم هذه الاختلافات المتوارثة إلى حد ظهور أنواع جديدة من الكائنات تختلف كليًا عن الأصلية، و تُعرف هذه العملية بالتطور وفقاً لدارون .
واستشهادًا بالعديد من الأدلة، يعتقد العلماء أنّ مثل تلك العمليات تكررت عبر الزمن، إذ يُمكن الاستدلال على التطوّر من خلال الانتخاب الطبيعي والآليات الأخرى التي أدت إلى تنوع لأشكال الحياة الحالية وفقاً لنظرية دارون، ويجدر بالذكر أنّ توافق الكائنات الحية وبيئاتها حاليًا يُعزى إلى الانتخاب الطبيعي.