كيفية تهذيب النفس
تهذيب النفس
أمر الله -سبحانه وتعالى- العباد بتهذيب أنفسهم وتزكيتها وتطهيرها من المعاصي والذنوب والعيوب كافّةً، قال تعالى في كتابه العزيز: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، فمن ترك نفسه دون تزكية أو تهذيب فهو في خسارةٍ دائمة، ومن زكّاها وطهّرها ممّا يَعلق بها من الذّنوب هو الذي يُفلح وينجو من عذاب الله وينال رضوانه، فلا ينبغي للمسلم أن يُفسِح لنفسه المجال في فعل ما يحلو لها من اتِّباع الهوى، والخوض في حرمات الله وارتكاب المعاصي، بل يجب أن يجعل لنفسه محطّاتٍ دوريّةٍ منها ما هو سنويّ، ومنها ما هو شهريّ، ومنها ما يكون أسبوعيّاً، فيُذكِّر نفسه بالجنة والنار، ويُراجع أعماله، ويُحاسب نفسه على تقصيرها إذا رأى أنه مُقصّر، ويُحفِّزها إذا وجد نفسه مُقبلاً على الله.
قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- في ذلك: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ)، ولهذا فقد نبّه الكثير من العلماء إلى ضرورة مُراقبة النّفس وتهذيبها عملاً بالنصوص الواردة بهذا الصدد، ومن الأعمال التي ينبغي على المسلم أن يقوم بها كي يُهذب نفسه ما سيأتي بيانه في هذه المقالة.
كيفيّة تهذيب النفس
يمكن للمسلم تهذيب نفسه بعدّة طرق، منها ما يأتي:
تهذيب النفس بمجاهدتها
أول ما يجب على المسلم القيام به لتهذيب نفسه وإبعادها عن الذنوب والمعاصي هو جهاد النفس، ويُقصَد بجهاد النفس أن يبذل المرء الوسع والطّاقة في شتّى الأمور والأحوال التي تختصّ بها النّفس البشريّة حتى يستطيع إبعادها عن المعاصي والذنوب، وتحفيزها على الصبر والمداومة على الطّاعات، وتحمُّل الأعباء والمشاق النفسيّة والجسديّة والمعنويّة لتلك الطّاعات.
لجهاد النفس مراتب وأنواع؛ فمنها ما يكون بمُجاهدة هوى المرء ذاته، بأن يدفع ما تدعوه له نفسه من الذنوب والمعاصي، ومنها ما يكون بمُجاهدة المرء لغيره من أهل المعاصي ورفقاء السوء الذين يسوّغون له الوقوع في الحرام، ويُمكن للمسلم أن يُجاهد نفسه بالانشغال بطلب العلم والصبر عليه. من أهم طرق مجاهدة النفس ما يأتي:
- جهاد النفس بطلب العلم: فيجاهد العبد نفسه للبعد عن المعاصي بالانشغال بطلب العلم بشتى أنواعه، والسعي لذلك ما أمكن، وأهمّ ما ينبغي على المرء تعلّمه والانشغال به من العلوم العلوم الشرعيّة من الصلّاة، والطّهارة، والزّكاة، والحجّ، وأحكام البيع والشراء، والعقيدة والتفسير وغير ذلك، ولا يجب أن يغفل المُسلم عن الانشغال بتعلّم العلوم الدنيويّة المُهمّة في حياته اليوميّة، كعلم الطب وما يلتحق به من علوم، والعمارة وغير ذلك، وكل ذلك يُؤدّي إلى إبعاد النفس عن الوقوع في المعاصي ويُلهيها عن الحرام، حيث إن المرء ينشغل بالأسمى عن الأدنى، وكما أنّ الإنسان كلما زادت ثقافته اتّسع إدراكه، وعَلِم قدرة الله عليه، وتيقّن بصدق الدّعوة، فينشغل بالتفكير بالخالق عن الخلق.
- الجهاد بالعمل : يبذل المسلم جهده في تحصيل الغاية التي وُجِد لأجلها وهي العبادة، وكلّما أدّى المُسلم حقّ الله عليه من العبادة والعمل عليها بأحوالها وأنواعها زاد تعلّقه بالله، وهذَّب نفسه أكثر وقرّبها من الله، فحيث إنّ تهذيب النفس خير ما يكون بالسعي لعبادة الله وحسن شكره على نِعمه، فتلك أعظم وسيلة للقرب من الله ودفع النّفس عن المنكرات والبعد عن المعاصي، وينبغي على الإنسان ألا يُثقِل على نفسه بكثرة العبادة فتتثاقل نفسه وتفتر همته، بل ينبغي عليه أن يراوح بين العبادة فترةً والانشغال بما يُهمّه من الدنيا فترةً أخرى، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾.
تهذيب النفس بالابتعاد عن المعاصي
ينبغي على العبد إذا أراد تهذيب نفسه أن يُبعدها عن المعاصي، وأن يأمرها بذلك بين الفترة والأخرى، ويراقب أداءه لذلك حقاً، ومن الطّرق المُعينة على البعد عن المعاصي ما يأتي:
- الاستعانة بالله عزَّ وجلّ، والتّوكل عليه، والتضرّع إليه، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
- أن يدعو الله أن يثبّته على الإسلام؛ فعن النوّاس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (ما مِن قلبٍ إلَّا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ إنْ شاء أقامه وإنْ شاء أزاغه. قال: وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِكَ. وقال: والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ يرفَعُ قومًا ويخفِضُ آخَرينَ إلى يومِ القيامةِ).
- المُداومة على الفرائض، وخصوصاً الصّلوات الخمس ، قال سبحانه وتعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).
- استحضار أثر المعصية وجزاء صاحبها في الدنيا والآخرة.
- اتّخاذ رفقاء صالحين يُعينونه على فعل الخير ويُذكّرونه إذا غفِل عنه.
- المُداومة على قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته.
تهذيب النفس بإبعاد وساوس الشيطان عنها
يجب على المسلم أن يُجاهد نفسه بإبعاد وساوس الشيطان وتأثيره عليه، فإن من أعظم ما يضُرّ بالمسلم ويجعله يتنكب طريق الحق، ويسلك طريق المعاصي هو وسوسة الشيطان له بالسوء وتفكيره بفعل ما وسوس له الشيطان به، وقد جاء في الحديث في هذا الباب ما روي أن المُصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ. وفي رواية: فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله). وممّا ينبغي على الإنسان فعله إذا شعر بمثل تلك الوساوس، وعرضَ له شيءٌ من هذه الأفكار ما يأتي:
- ينبغي على المسلم أن يُهذِّب نفسه على البعد عن جميع ما يُلقيه الشيطان في صدره من الوساوس، ونبذها وراء ظهره، وعدم مُجاراة نفسه في التّفكير فيها.
- أن يستعيذ بالله من وسوسة الشيطان، ومن شرِّ نفسه أن تلجأ إلى تلك الوساوس وتُصدِّق بها، وأن يُعيذه الله من الشيطان الرجيم ومن شروره.
- ألا يعمَد إلى مُراجعة نفسه فيما عرَضه عليه شيطانه ولو حتى ليُبرهن عكس ما أثاره في نفسه، فإن ذلك قد يُؤدّي به إلى نتيجةٍ عكسية، بل عليه أن يُلقي ما وسوس له من نفسه ويُهذّب نفسه على رفض جميع الوساوس المُتعلّقة بخلق الله للخلق، وخلق ذاته، وغير ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطّلع عليها، ولا علم له بها إلا بما جاء به الوحي.
- أن يشغل نفسه المسلم بما يطرحه إبليس في نفسه بتثبيت حقائق الإيمان المُعاينة على الواقع المحسوس عمّا هو غير محسوس، فيُدلّل على حقيقة خلق الخلق بالنّظر في الكون وعظيم خلق الله له، ويُمعن في المعجزات الخالدة التي جاء بها الأنبياء والرسل.