كيفية الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان
كيفيَّة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان
الاعتكاف هو المُكوث في المسجد والبقاء فيه لطاعة الله -سبحانه وتعالى- بكيفيَّةٍ مخصُوصةٍ، سواءً كان ذلك من الرَّجل أو من المرأة، والاعتكاف مَسنونٌ في كلِّ وقتٍ ولا يُقيَّد ذلك برمضان ، ولكنَّ استحبابه يزيد في شهر رمضان المبارك، وخاصَّة في العشر الأواخر منه، وذلك تَحرِّياً لليلة القَدر فيها، ويَهدف الاعتكاف إلى عدَّة أمور، منها:
- تَخلية القلب من كلِّ العلائق الدُّنيوية.
- الأُنس بالله -سبحانه وتعالى- وحده، والإقبال عليه دون انشغال القلب بمن سواه.
أركان الاعتكاف وشروطها
إنّ للاعتكاف أربعة أركانٌ: المُعتكِف، والنِّية ، والمُعتكَف فيه، واللَّبث في المسجد، ولكلِّ ركنٍ من هذه الأركان تفصيلٍ وشُروطٍ لابدَّ من توافرها، نبيُّنها على الوجه الآتي:
- المُعتكِف: وهو الشَّخص الذي يَنوي الاعتكاف، سواءً كان رجلاً، أو إمرأةً، أو صبيَّاً مُميِّزاً -وهو الصَّبي الذي بلغ من العُمر سَبع سنوات فأكثر ولم يَصل سنَّ البُلوغ بعد-، ويُشترط في هؤلاء عدَّة شُروط: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، والطَّهارة من الحدث الأكبر، والطَّهارة من الحيض والنَّفاس للمرأة.
- النِّيَّة: تُشترط نيَّة الاعتكاف لكي يصحَّ الاعتكاف، سواءً كان الاعتكاف مسنوناً أم واجباً -كأن ينذر المسلم الاعتكاف لله فيصبح واجباً-، ليتمَّ تمييز الفرض عن السُّنَّة، لقوله -عليه الصَّلاة والَّسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).
- مكان الاعتكاف: ويُشترط بمكان الاعتكاف أن يكون مسجداً ولا يصحُّ بغيره، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الاعتكاف في المسجد الحرام يُعدُّ من أفضل أماكن الاعتكاف مُطلقاً، ثمَّ يليه المسجد النَّبوي، ثمَّ المسجد الأقصى ، وهذا باتِّفاق الفقهاء، ويُشترط في المسجد المُراد الاعتكاف فيه أن يكون مسجداً تُقام فيه صلاة الجماعة، ولا يصحُّ بالمسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة.
- اللَّبث في المسجد: يُعدُّ اللَّبث في المسجد ركناً من أركان الاعتكاف عند جميع الفقهاء، إلَّا أنَّ آرائهم في مقدراه تعدّدت إلى عدَّة أقوال كما يأتي:
- ذهب الحنفيَّة إلى أنّ أقلّ مُدَّة للَّبث مقدار ساعة.
- قال بعض المالكيَّة إنَّ أقلَّ اللَّبث يوم وليلة، وقال البعض الآخر منهم إنَّ أقلَّه يوم.
- ذهب الشَّافعيَّة إلى إطلاق مُدَّة اللَّبث وعدم تقييدها من الأساس؛ بل قالوا إنَّ اللَّبث لا يُقدَّر بزمنٍ معين، وإنَّما يكون أقلُّه ما يُسمى به عُرفاً عُكوفاً وإقامة، وبهذا قال الشيخ ابن باز؛ إذ إنَّه يرى عدم ورود دليلٍ على تحديد اللَّبث بمدَّةٍ معيَّنةٍ طالت أم قصرت.
ما يجوز للمعتكف وما لا يجوز له
بالنِّسبة لما يجب على المُعتكِف من واجباتٍ خلال مدَّة الاعتكاف، وما يجوز له من أمورٍ وما لا يجوز له، فنورد هذه الأُمور فيما يأتي:
- ما لا يجوز للمعتكف أثناء اعتكافه في المسجد:
- أوَّلاً: على المعتكِف لزوم المسجد وعدم الخروج منه حتى يتحقَّق ركن اللَّبث في المسجد، ولا يجوز له الخروج من المسجد إلا لعذرٍ شرعيٍّ؛ مثل أداء صلاة الجُمعة، أو لقضاء حاجةٍ؛ مثل البول والغائط وإزالة النَّجاسات والاغتسال من الاحتلام، أو لحاجةٍ ضروريَّةٍ؛ مثل إخراجه رُغماً عنه من المسجد، أو لانهدام المسجد، وهذا الوجوب يترتَّب على المُعتكِف في الاعتكاف الواجب باتِّفاق الفقهاء، وقال الحنفيَّة بجواز خروجه في اعتكاف النَّفل أو السُّنة المؤكَّدة، كما يفسد اعتكافه لو خرج لزيارة مريضٍ أو تشييع جنازةٍ تعيَّنت عليه.
- ثانياً: لا يجوز له البيع والشراء في المسجد.
- ثالثاً: لا يخرج من المسجد لمرضٍ عارضٍ خفيف.
- ثالثاً: لا يجوز للمُعتكِف وطء زوجته.
- ما يجوز للمعتكف أثناء اعتكافه في المسجد:
- يجوز للمُعتكِف الأكل والشُّرب والنَّوم في المسجد.
- يجوز له التَّسليم على من هو في جواره.
- يجوز له التَّطيب بأنواع الطِّيب، والتَّزيُّن، وتنظيف نفسه، وأن يغيِّر ملابسه إن أحضر معه ثوباً آخر.
- يجوز له الخروج إلى منارة المسجد لرفع الأذان.
- يجوز له الخروج للبيت؛ لكي يأكل ويشرب، وهذا عند الشَّافعية.
- يجوز له ارتداء أيٍّ نوعٍ من الملابس ولا يُقيَّد بنوعٍ محدَّدٍ.
- يجوز له الدِّراسة أو التَّدريس.
- يجوز له شهادة عقد النِّكاح إن تمَّ في المسجد.
وقت الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان
يتأكَّد استحباب الاعتكاف في رمضان، وخاصَّة في العشر الآواخر من رمضان ، لقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (مَن كانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأوَاخِرَ)، ولِمن أراد الاعتكاف في هذه الأيَّام يُستحبُّ له دخول المسجد قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين من رمضان، ويبقى كذلك حتى ليلة عيد الفطر، ثمَّ يذهب من المسجد إلى المُصلَّى لأداء صلاة العيد، حتى يكون قد أدرك العشر ليالٍ كاملةً في الاعتكاف، وقال بعض العلماء إنَّ الاعتكاف يبدأ من صلاة الفجر في أوَّل يومٍ من العشر الأواخر، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ).
وذهب الأئمَّة الأربعة إلى القول بأنَّ المُعتكِف الذي يريد اعتكاف يوماً فأكثر؛ وجب عليه أن يَدخل مُعتكَفه قبل أن تغرب شمس ليلة اليوم الأوَّل؛ لأنَّ اللَّيلة تابعةٌ لليوم، فمن أراد اعتكاف اليوم، وجب عليه البدء فيه من أوَّله، ألا وهو ليلة اليوم المراد الاعتكاف فيه، وعليه أن يضمَّ اللَّيل مع النَّهار حتى يكتمل اليوم، وهذا لا يحصل إلَّا إن بدأه باللّيلة السَّابقة ليومه، ويُفسَّر حديث عائشة -رضي الله عنها- السَّابق على أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان في المسجد أصلاً وليس في بيته، ودُخوله المُعتكَف بعد صلاة الفجر إنَّما أُريد به المكان الذي خصَّصه وعيَّنه للاعتكاف في داخل المسجد المُتواجد فيه أصلاً، ولم تقصد بذلك أنَّه كان في بيته ثم دخل المسجد وبدأ بالاعتكاف.
أعمال تستحب للمعتكِف في العشر الأواخر من رمضان
يُستحبُّ للمُعتكِف أثناء فترة اعتكافه ومكوثه في المسجد أعمالٌ عدَّةٌ، نذكر منها ما يأتي:
- الصَّدقات .
- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم.
- تَدرُاس القرآن الكريم.
- حُضور مجالس أهل العلم إن أُقيمت في المسجد.
- فعل المعروف، وعمل الخير مهما كان.
- الصَّلاة .
- ذكر الله -سبحانه وتعالى-.
- تجنُّب كلِّ قولٍ أو فعلٍ لا طائل منه لعدم الانشغال بغير الله -سبحانه وتعالى-.
- ترك الفُضول وتتبُّع أخبار الغير.
- تجنُّب الجدال.
- التَّفكر في نِعَم الله -سبحانه وتعالى-، وتدبُّر الكون والخلق.
- كثرة الدُّعاء والتَّذلُّل فيه، والإكثار من الاستغفار، وصلاة النَّوافل، والتَّهجد ، وصلاة الوتر.
- تحرِّي ليلة القدر ، وبذلُ كلِّ الوسع والجُهد في ذلك.