كيفية أداء صلاة الجمع والقصر
كيفية جمع الصلاة وقصرها
كيفية الجمع بين الصلاتين
يُراد بجمع الصلاة: ضمّ صلاتيْن إلى بعضهما البعض في وقت إحداهما؛ لعذرٍ يُبيح الجمع، فيجمع المسلم بين صلاتَي الظهر والعصر، وبين صلاتَي المغرب والعشاء، ويجدر بالذكر أن صفة كل صلاة كما هي بالمعتاد، إلا أن الذي يختلف نية الجمع، والجمع نوعان:
- جمع تقديمٍ؛ بأن يقدّم المسلم صلاة العصر فيُصلّيها بعد الظهر في وقت الظهر، ويقدّم صلاة العشاء فيُصلّيها بعد المغرب في وقت المغرب، ويكون ذلك مثلاً بأن ينوي المصلّي الجمع فيصلّي المغرب كما هي، ويسلّم من الصلاة، ثم يصلّي العشاء بعد المغرب جمع تقديم كما هي.
- جمع تأخيرٍ؛ بأن يؤخّر صلاة الظهر إلى وقت العصر، وصلاة المغرب إلى وقت العشاء .
وقد دلّت على مشروعية الجمع بنوعَيه الأحاديث الآتية:
- ما رواه معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، حيث قال: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في غزوةِ تبوكٍ، إذا ارتحلَ قبلَ زيغِ الشمسِ، أخَّرَ الظهرَ إلى أن يجمعَها إلى العصرِ، فيصليهِما جميعًا، وإذا ارتحلَ بعدَ زيغِ الشمسِ، عجَّلَ العصرَ إلى الظهرِ، وصلى الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثم سار، وكان إذا ارتحلَ قبلَ المغربِ، أخَّرَ المغربَ حتى يصليها مع العشاءِ، وإذا ارتحلَ بعد المغربِ عجَّل العشاءَ فصلاَِّها مع المغربِ).
- ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه-، حيث قال: (جمعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ الظُّهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ).
كيفية قصر الصلاة
القصر: هو أن يصلّي المسلم الصلوات المفروضة الرباعيّة ركعتَين تشبه ركعتي صلاة الفجر، وهي: صلاة الظهر ، وصلاة العصر، وصلاة العشاء، بينما لا يمكن القصر في صلاتَي الفجر والمغرب، وهو مشروعٌ للمسافر فقط، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)، وقد دلّ على جواز القصر في الصلاة للمسافر ما رواه أبو جُحيفة -رضي الله عنه-، حيث قال: (خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالهَاجِرَةِ، فَصَلَّى بالبَطْحَاءِ الظُّهْرَ والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ونَصَبَ بيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بوَضُوئِهِ)،
شروط جمع الصلاة وقصرها
شروط جمع التقديم
تُشترَط لجمع التقديم عدّة أمورٍ عند العلماء القائلين بمشروعيّته، وبيان تلك الأمور فيما يأتي:
- الشافعية والحنابلة: اشترطوا عدّة أمورٍ، وهي:
- الترتيب؛ حيث يجب البدء بالصلاة الأولى؛ لأنّها صاحبة الوقت؛ فيصلّي الظهر أوّلاً ثمّ العصر، والمغرب ثمّ العشاء، وهو شرطٌ عند الشافعية دون الحنابلة.
- نيّة الجمع؛ حيث ينوي جمع العصر تقديماً، أو جمع المغرب تقديماً، ويشترط أن تكون هذه النيّة في الصلاة الأولى صاحبة الوقت.
- الموالاة بينهما؛ أي بين فعل الصلاة الأولى والثانية، بألّا يطول الفصل بينهما عُرفاً.
- دوام العذر؛ أي استمرارالعذر المُبيح للجمع إلى الصلاة الثانية.
- المالكية: اشترطوا لمشروعية الجمع عدّة شروطٍ بالنظر إلى العذر المُبيح للجمع، وبيان ذلك فيما يأتي:
- جمع الصلاة في السفر؛ وذلك بأن يكون السفر مُباحاً بَرّاً؛ استدلالاً بأنّ رخصة الجمع ثبتت في سَفر البَرّ فقط، واشترطوا لجمع صلاتَي الظهر والعصر زوال الشمس* حال السفر، وعَقد العزم على الارتحال قبل دخول وقت صلاة العصر، وعلى عدم الاستراحة قبل حلول وقت المغرب، وعلى الجمع بين الصلاتَين عند صلاة الظهر، مع كراهة الفصل بين الصلاتَين المجموعتَين بكلامٍ أو أداء نافلةٍ .
- الجمع في المرض؛ فيجوز إن كان صوريّاً؛ أي بتأخير الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، وأداء الصلاة الثانية في أول وقتها.
- الجمع في المطر بين المغرب والعشاء فقط؛ ويُشترَط فيه أن يكون في المسجد جماعةً، وعَقد نيّة الجمع في بداية الصلاة الأولى.
شروط جمع التأخير
اشترط العلماء القائلين بمشروعية جمع التأخير عدّة شروطٍ، بيانها فيما يأتي:
- الشافعية والحنابلة: اشترطوا في جمع التأخير ما يأتي:
- نيّة التأخير: أي نيّة تأخير الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء، ويُشترَط أن تكون في وقت الأولى.
- دوام العذر: أي استمرار العذر ، كالسفر، أو المرض، أو البرد إلى تمام الصلاة الثانية، وهما: العصر، والعشاء.
- المالكية: يُشترَط لجمع التأخير بين صلاتَي الظهر والعصر في السفر زوال الشمس على المسافر أثناء سَيره، وأن يَعقد نيّته على النزول قبل اصفرار الشمس*، أو حينه، ويَعقدها أيضاً على تأخير صلاة الظهر عن وقتها.
شروط قصر الصلاة للمسافر
تُشترَط لصحّة القصر في السفر عدّة شروطٍ، بيانها فيما يأتي:
- أن يُقدّر السفر بيومَين.
- أن يكون السفر مباحاً؛ أي ليس لأجل المعصية، ويشمل السفر المُباح ما يأتي:
- السفر الواجب ، كالسفر للحجّ، أو قضاء الدَّيْن.
- السفر المندوب، كالسفر لصِلة الرحم.
- السفر المباح، كالسفر للتجارة.
- السفر المكروه، كالسفر لشراء الأكفان، ويُعَدّ قصر الصلاة في ذلك كلّه جائزاً، أمّا السفر مع المعصية، فللمسافر فيه ثلاث صورٍ، وهي كما يأتي:
- العاصي بالسفر: وهو من أنشأ سفره لأجل المعصية، فهذا لا يجوز له القصر، فإن تاب، وقد بقي من سفره ما يبلغ مسافة القصر؛ جاز له القصر.
- العاصي في السفر؛ وهو من أنشأ سفراً مباحاً، لكن وقعت منه معصيةٌ في السفر؛ فهذا يجوز له القصر.
- العاصي بالسفر في السفر؛ وهو من أنشأ سفراً مباحاً، لكنّه حوّل نيّته في أثنائه إلى معصيةٍ، فهذا يجوز له القصر قبل قلب نيّته، أمّا بعدها فلا يجوز.
- أن يدوم السفر إلى تمام الصلاة؛ أي الصلاة المقصورة، فلو نوى الإقامة أثناء الصلاة، أو وصل إلى ما لا يجوز له القصر؛ وجب إتمام الصلاة.
- أن تكون الصلاة التي يريد المسافر قصرها رباعيّةً، وهي: الظهر، والعصر، والعشاء، فلا يجوز قصر غيرها من الصلوات.
- أن يعلم المسافر بجواز القصر؛ فلو رأى المسافر الناس يقصرون فقصر معهم جاهلاً بجواز القصر؛ لم تصحّ صلاته.
- أن ينوي المسافر القصر عند تكبيرة الإحرام، فلو لم ينوِ القصر عند تكبيرة الإحرام ؛ لم يصحّ له القصر، بل يصلّيها تامّةً.
- ألّا يقتدي المصلّي الذي يريد القصر بمُتمٍّ في جزءٍ من صلاته؛ أي لو اقتدى مُريد القصر في جزءٍ من صلاته بمن يصلّي صلاةً تامّةً؛ وجب عليه إتمام الصلاة.
حكم الجمع والقصر
حكم الجمع
أجمع العلماء على مشروعية الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في عرفة جمع تقديمٍ، وبين صلاتي المغرب والعشاء تأخيراً في مزدلفة، إلّا أنّهم اختلفوا في غير ذلك من المواضع، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:
- القول الأول: قال الجمهور؛ من الشافعية، والمالكية، والحنابلة، بجواز الجمع بين الصلوات في غير عرفة ومزدلفة.
- القول الثاني: قال الحنفية بعدم جواز الجمع بين الصلوات في غير عرفة ومزدلفة.
حكم القصر للمسافر
اختلف الفقهاء في حكم القصر للمسافر على ثلاثة أقوالٍ، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:
- الحنفيّة: ذهب الحنفيّة إلى أنّ القصر واجبٌ في السفر، ولا يجوز للمسافر إتمام الصلاة الرباعيّة، ودليل ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ علَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في الحَضَرِ أَرْبَعًا، وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ).
- المالكيّة: ذهب المالكيّة إلى أنّ القصر سنّةٌ مؤكّدةٌ في السفر، ودليل ذلك مارواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنه- حيث قال: (صَحِبْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكانَ لا يَزِيدُ في السَّفَرِ علَى رَكْعَتَيْنِ، وأَبَا بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمَانَ كَذلكَ)، فدلّ ذلك على دوام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قصر الصلاة في السفر، وكذلك الصحابة -رضي الله عنهم-.
- الشافعيّة والحنابلة: ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى أنّ القصر جائزٌ في السفر، فيجوز للمسافر أن يقصر الصلاة، كما يجوز له أن يُتمّ صلاته، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)، فدلّ ذلك على أنّ المسافر مخيّرٌ بين القصر وتركه، فلفظ "لا جناح" في الآية السابقة يدلّ على الإباحة، ورُوي من السنة النبوية ما يدلّ على ذلك، من رواية الإمام مسلم من قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (عَنْ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ، قالَ: قُلتُ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: {ليسَ علَيْكُم جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:101] فقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقالَ: عَجِبْتُ ممَّا عَجِبْتُ منه، فَسَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فَقالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ)، فقول الرسول -عليه السلام-: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ"؛ يدلّ على مشروعيّة القَصر في السفر؛ تخفيفاً من الله -تعالى- على عباده، ولا يدلّ على الحتم والإلزام للمسافر بالقصر، إذ أجمع العلماء على عدم إلزام المتصدّق عليه بقبول الصدقة، ويُقاس على ذلك قصر الصلاة، كما ثبت أنّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أتمّ صلاته وأدّاها دون قصرٍ في مِنى، ولو كان القصر واجباً لَما أتمّها، كما استدلّ الشافعية على إباحة القصر؛ بأنّ المسافر إن صلّى خلف إمامٍ مُقيمٍ؛ وجب عليه إتمام صلاته، ولو كان القصر واجباً لَما أدّى المسافر خلف المقيم أربع ركعاتٍ، كما أنّ قصر الصلاة الرباعية رُخصةٌ أُبيحت للمسافر، فيجوز تركها كسائر الرُّخص الشرعية الأخرى.
للمزيد من التفاصيل عن جمع وقصر الصلاة الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( طريقة الجمع والقصر للمسافر )).
- (( شروط الجمع بين الصلاتين في المطر )).
- (( شروط جمع الصلاة )).
- (( الصلاة في الطائرة )).
التيسير في الشريعة الإسلامية
يُعدّ الإسلام الدين الأعظم الذي احتوى شريعةً غرّاء سمحةً تحثّ على الخير وتدعو إليه، وتهوّن على المسلم، وتُيّسر عليه عباداته كلّها، ومن جميل ما اتّصفت به شريعة الإسلام من صفات السماحة، واللين، واليُسر؛ إذ جاءت فيما يُعرف بالتخفيف والتيسير إن كانت هناك مشقّة قد يعاني المسلم منها، وتجعله يُقصّر في أداء طاعته، وقد تمثّل ذلك في القاعدة الشاملة: "المشقّة تجلب التيسير"؛ فالمشقّة لغةً: هي كلّ ما يؤدّي إلى التعب، والمعاناة، والصعوبات، وضدّها التيسير، وهو: اليُسر، واللين، والسهل غير العسير، ومرادُ القاعدة: أنّه كلّما حلّت مَشقّةٌ بالعبد المسلم، جاءه التيسير مُخفّفاً عنه، ومُهوّناً عليه أمره، أمّا المَشقّة شرعاً، فهي تعني: أنّ المُكلَّف الذي عليه تطبيق الأحكام الشرعيّة إذا عرض له عارضٌ يمنعه من أدائها كما يجب، أو قد يكون في أدائها مشقّةٌ، فإنّ هذه المشقة تتيسّر عليه، وتُخفَّف عنه، فيأتي الحكم ميّسراً مسهّلاً عليه، وهذا هو مدار الدين كلّه وكينونتيه السمحة، وقد اشتملت هذه الشريعة العظيمة على أدلّةٍ تُثبت تيسيرها على مُكلّفيها، حيث قال -تعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وقال أيضاً: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)، وقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما بُعِثتم مُيَسِّرين ولم تُبْعَثوا مُعَسِّرين)، وقوله كذلك: (يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا)، فهذه الآيات والأحاديث تدلّ على ما اتّصفت به الشريعة الإسلاميّة من لينٍ وتخفيفٍ وتيسيرٍ على العباد المكلّفين بالأوامر، ومن الأمور التي تؤدّي إلى مشقّةٍ، فخفّفت الشريعة الإسلاميّة ويسّرت فيها: السفر، والمرض، والإكراه.
الهامش
*زوال الشمس: وقت زوال الشمس من وسط السماء، وميلها من منتصفها باتجاه الغرب.
*اصفرار الشمس: اقترابها إلى المغيب، بحيث يُمكن النظر إليها دون مشقّةٍ أو صعوبةٍ، ويُراد بالاصفرار تحوّل اللون إلى الصُفرة.