كيف يكون تعظيم الله باللسان والأعمال
تعظيم الله تعالى
إن من أعظم الواجبات على الإنسان أن يعرف قدر الله -تعالى- فيعظّمه حق التعظيم، وقد جاء الأنبياء بدعوة أقوامهم إلى تعظيم الله تعالى، فقال نوح عليه السلام لقومه: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّـهِ وَقَارًا)، وقد جاء في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أنه قال: "ما لكم لا تعظّمون الله حق عظمته"، فنوح -عليه السلام- أرجع قومه إلى التفكّر في نفوسهم ليستدلّوا بها على عظمة الله تعالى، فإذا تأمّلوا بقية مخلوقات الله -تعالى- فإنهم بذلك يزدادوا تعظيماً لله عز وجل ، وكلما قلّ التعظيم في النفس ازداد الإنسان معصية وبعداً عن الله تعالى، فإن المشركين ما أشركوا إلا بسبب قلة تعظيمهم لله عز وجل، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
تعظيم الله باللسان
إن من الوسائل التي توصل العبد إلى تعظيم الله تعالى: حمد الله -سبحانه وتعالى- وكثرة الثناء عليه بالقول، فإن الله -سبحانه وتعالى- متّصفٌ بجميع صفات الكمال والجلال، وكلما كان المحمود أكثر عظمة وأكثر كمالاً كان حمده أكمل وأعظم، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول بعد الانتهاء من الطعام: (الحمدُ للهِ حمدًا كَثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيهِ، الحَمدُ للهِ الَّذي كفانَا وآوانَا، غيرَ مكفِيٍّ ولامَكفورٍ، ولاموَدَّعٍ، ولا مُستغنًى عنهُ ربَّنَا)، فإن العبد لو أنفق كل حياته حامداً لله -عز وجل- لما استطاع أن يوفّ الله شكر نعمة واحدة عليه، والحمد يتضمّن نعت الله -عز وجل- بكل صفات الكمال وتنزيهه عن كل نقصٍ، وقد حمد الله -عز وجل- نفسه في عددٍ من المواطن في كتاب الله، فحمد نفسه ونزّهها عن الولد وعن السِنة أو النوم، وأنه لا يظلم أحداً ولا يعزب عنه من مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض صغُرت أم كبُرت.
تعظيم الله بالأعمال
إن من وسائل تعظيم الله -عز وجل- العمل، ومن هذه الأعمال ما يأتي:
- تدبّر القرآن الكريم واستخراج الحِكم والأحكام منه: فإن العبد إذا تدبّر آيات القرآن الكريم الذي هو كلام الله -عز وجل- علِم عظمة الخالق وكماله، فيتدبّر في الآيات التي تتحدث عن عظيم خلق الله -تعالى- ودقّة صنعه سبحانه، وكذلك الآيات التي تتحدّث عن عقاب الله -عز وجل- للأقوام السابقة وشدة بطشه جل جلاله، مما يؤثّر في القلب ويخوّفه من الله .
- التفكّر في خلق الله عز وجل: فإن الإنسان إذا تفكّر في خلق الله تعالى علم أنه ضعيف جداً، وأنه لا شيء بين هذه المخلوقات العظيمة، وقد قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
- التفكّر في معاني أسماء الله وصفاته: فأسماء الله وصفاته كلها حسنى، ومن تدبّر معانيها أورثه ذلك تعظيماً لله في قلبه.
أسباب عدم تعظيم الله تعالى
إن من أسباب عدم تعظيم الله -تعالى- ما يأتي:
- النظر فيما حرم الله: فالنظر للحرام يورث في القلب الجفاء والقسوة، وتعظيم الله عز وجل يكون في القلب الخاشع الخاضع، كما يكون بعيداً عن القلب المشغول بالحرام.
- الغفلة عن ذكر الله تعالى: بحيث يمضي على المسلم وقت طويل لا يذكر فيه الله تعالى.
- الوقوع في المعاصي : فالمعصية سبب كل داءٍ وكل شقاءٍ، وقد قال ابن القيم رحمه الله: "وكفى بالعاصي عقوبةً أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته، ويهون عليه حقه، ومن بعض عقوبة هذا أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ويهوّن عليهم ويستخفُّون به كما هان عليه أمره واستخف به".
دلائل عظمة الله
إن دلائل عظمة الله -سبحانه وتعالى- كثيرة لا تنتهي، وهي في كل مكان تنظر فيه، وقد دعانا الله -سبحانه وتعالى- إلى التفكّر في خلقه لمعرفة عظمته والانقياد لأمره، فمن هذه الدلائل ما يأتي:
- خلق الإنسان: فقد قال تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فيتفكّر الإنسان في بداية خلقه وتطوّره حتى صار إنساناً كامل الخلقة ، وفي جسم الإنسان وجسده من الآيات ما تفنى الأعمار في الوصول إليها جميعها، فمن ذلك: كيفية اجتماع ماء المرأة مع الرجل، وكيفية تطوّر النطفة إلى علقةٍ ثم إلى مضغةٍ، وكيفية كسوة العظام باللحم، وكيف شقّ سبحانه السمع والبصر للإنسان، وقد قال تعالى: (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)، ولو اجتمعت الإنس والجن وسائر المخلوقات على أن يخلقوا كما خلق الله ما استطاعوا ولا كان لهم إلى ذلك سبيل.
- خلق الكون وما فيه من مخلوقات: فمن أكثر ما أقسم الله عز وجل به في كتابه العظيم هو القسَم بالشمس والنجوم والقمر والكواكب، وقد أثنى الله -سبحانه وتعالى- على المتأمّلين المتدبّرين في خلق السماوات والأرض، كما ذمّ المعترضين عن التفكّر فيها، قال تعالى: (وَجَعَلنَا السَّماءَ سَقفًا مَحفوظًا وَهُم عَن آياتِها مُعرِضونَ)، ومن دلائل عظمة الله في الكون: أن خلق الله -سبحانه وتعالى- السماء وثبتها بغيرتعلّقٍ بما فوقها أو عمدٍ من تحتها، وما بين السماء والأرض من تشكل السحاب ونزول المطر، وما في الأرض من بحارٍ وأنهارٍ، وما فيها من رواسي شامخات، وكيفية تشكّل الليل والنهار وتعاقبهما، وقد حثنا القرآن على التفكر فيها، فقد قال الله تعالى : (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).