كيف يرفع الله البلاء
كيف يرفع الله البلاء؟
وصف الله -تعالى- نفسه بقوله:﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾، فالله -تعالى- يفعل ما يُريد وفق حكمته، لذا قد يُقَدِّر الله -تعالى- على عباده البلاء؛ فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، وقد يُعَجِّلُ الله -جلّ وعلا- برفع البلاء عنهم، وقد يؤخِّره إذا شاء، ومن رحمته أن شَرع لنا أسباباً يُمكن القيام بها عند الإبتلاء؛ ليرفع الله -تعالى- البلاء عمن وقع عليه، وهذه الأسباب ما يأتي:
الدعاء والتضرع إلى الله لرفع البلاء
يُعدُّ الدعاء أوّل وسيلةٍ وأسهلُ طريقةٍ لرفع البلاء، وقد أمر الله -تعالى- عباده بأن يدعوه ليستجيب لهم، قال-تعالى-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، فقد بيّن الله -تعالى- بأنَّه يستجيب لخلقه إذا توجَّهوا إليه بالدعاء، وقد بيَّن -عليه الصلاة والسلام- قيمة الدّعاء بأنّه ما من شيءٍ يردُّ القضاء إلاَّ الدعاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ).
أرشد الله -تعالى- عباده إلى الدعاء إذا وقع البلاء، فقال -تعالى-: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾، والتضرُّع هو الدّعاء لله -تعالى- مع الاستغاثة به، ثمَّ وصف الله -تعالى- من ترك دعاء وقت البلاء بأنّه من القاسية قلوبهم قال -تعالى-: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
بيَّن -عليه الصلاة والسلام- أنَّ دعاء المسلم لا يذهبُ هباءً، بل إنَّ هناك صوراً لاستجابة الدّعاء كما جاء في الحديث الشريف: (ما على الأرض مسلمٌ يدعو اللهَ -تعالى- بدعوةٍ إلا آتاه اللهُ إياها أو صَرَف عنه من السوءِ مثلَها ما لم يدعُ بمأثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ فقال رجلٌ من القوم إذا نُكثِرُ قال اللهُ أكثرُ ).
الصبر والرضا بقضاء الله
إنَّ الحكمة من وقوع الابتلاء هي تَعلُّم عبادة الصبر ، وعبادة الرضا بما قدَّره الله -تعالى- عليه، فالمؤمن يعلم أنَّ عليه الصبر والرضا بقدر الله -تعالى-؛ لأنَّه يتقلَّب بين أقدار الله -تعالى- من رخاءٍ أو بلاءٍ، فإن صبر المسلم ورضيَ كان خيراً له؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
إذ أنّ الله تعالى يرفع البلاء بالصبر والرضا، قال -تعالى-: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، هنا مدح الله -تعالى- أيوب -عليه السلام- لصبره ورضاه بما قدَّر الله عليه من البلاء.
التوبة من الذنوب
من رحمة الله -تعالى- بخلقه أنّهم إذا تمادَوا في الذنوب قدِّر عليهم البلاء؛ حتى يُذكِّرهم بالتوبة ويدفعهم إلى ترك الذنب، ويكون ذلك بالرجوع إلى الله والاستغفار عن جميع الذنوب والمعاصي طمعاً منهم في رفع البلاء.
وكلّ أنواع البلاء من ضيق وهمّ وغمّ يرفعه الله -تعالى- عن العبد إذا تاب واستغفر، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أكثرَ من الاستغفارِ جعل اللهُ لهُ من كلِّ همٍّ فَرَجًا ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا ورَزَقَهُ من حيثُ لا يحتسبُ)، فمن صور البلاء كُثرة الهموم، وضيقٍ في الحال، وقِلَّةٍ في الرزق والمال، وعلاج ذلك كلّه يكون بالاستغفار والتوبة إلى الله تعالى.
الصدقة تدفع البلاء
إنَّ الصدقات تقي مصارع السوء وتدفع البلاء ، قال- تعالى-:(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، فكلَّما اعطى العبد يسَّرَ الله له أمره، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّدَقةُ تُطْفئُ الخَطيئةَ كما يُطْفئُ الماءُ النَّارَ)،، فالذي يريد أن يخرج من شُؤم خطيئته؛ عليه أن يترك المعصية ويتوب ويتصدَّق طاعةً له -تعالى-.
الصدقة ليست فقط بالمال بل بالقولِ الحسن، والفعل الحسن أيضاً، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ سُلامَى عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ، يُحامِلُهُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ودَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)، فهذه من رحمة الله بخلقه أن تعدَّدت أنواع الصدقات، وكلّ واحدٍ يقوم بما يقدر عليه منها.
طاعة الله في الرخاء
إنّ الأصل في العبد أن يكون ذاكراً لله -تعالى- في كلِّ أحواله، فلا ينتظر الشِّدة والبلاء حتى يرجع إلى الله -تعالى- بالتوبة، فمن تعرَّف إلى لله في الرَّخاء، تعرَّف الله إليه في الشِّدة.
قال -صلى الله عليه وسلم-: (احفظِ اللهَ يحفظكَ احفظِ اللهَ تجدْهُ أمامك تَعَرَّفْ إليهِ في الرخاءِ يعرفكَ في الشدةِ)، فمن حَفِظَ حرمات الله -تعالى- ولم يقربها وكان طائعاً لله -تعالى- في وقت رخاءه وسِعته، فإنّ الله -تعالى- يُثيبه على ذلك؛ بأن يستجيب له دعاءه وقت الشِّدَّة ويرفع عنه البلاء والكرب.
تقوى الله تعالى
إنَّ البلاء إذا وقع بالعبد قد يدفع بعض ضعاف النفوس إلى الّلجوء للحرام وارتكاب الذنوب والمعاصي؛ ليتخلَّص من البلاء، إلَّا أنّ الله -تعالى- قد بيَّن أنَّ من طرق رفع البلاء تقوى الله -عزَّ وجلّ- في كلِّ وقت وبخاصَّة عند البلاء.
قال -تعالى-: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾، وقال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾، أي يجعل له فرجاً من كلِّ ما يضيق به الناس، فالحكمةِ من البلاء هي أن يرجع الناس إلى تقوى الله -تعالى- لا إلى معصيته.