كيف مات موسى عليه السلام
كيف مات موسى عليه السلام
جاءت العديد من الروايات التي تُبيّن كيفية موت موسى -عليه السلام-، ومنها رواية أبي هُريرة -رضي الله عنه- التي يذكر فيها أن الله -تعالى- أرسل ملك الموت إلى موسى -عليه السلام-، ولمّا جاءه لطمه وفقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى الله -تعالى-، وأخبره أنّ نبيّه لا يُريد الموت، فردّ الله -تعالى- إليه بصره وأخبره بأن يرجع إليه ويُخبره بأن يضع يده على ثور، وأنّ له بكل شعرة غطتها يده زيادة سنة في عمره، فقال له: ثُمّ ماذا؟، فقال: الموت، فاختار الموت، ودعا ربه أن يُقرّبه من الأرض المُقدسة رمية حجر، وذلك لما فيها من الشرف والفضيلة، ولم يسأله القُرب من بيت المقدس؛ مخافة افتتان الناس به، وجاء في الرواية الأُخرى لموته أنّ ملك الموت جاءه وقال له: أجب ربك؛ أي الموت، فلطمه موسى -عليه السلام- على عينه وفقأها له وذلك في حديث النبي -صلى الله عليه وسلّم-: (جاء ملَكُ الموتِ إلى موسى لِيقبِضَ رُوحَه فقال له : أجِبْ ربَّك فلطَم موسى عيْنَ ملَكِ الموتِ ففقَأ عيْنَه)، وقد تعدّدت أقوال أهل العلم في مسألة لطم موسى -عليه السلام- لملك الموت، وفيما يأتي استعراض لأقوالهم:
- القول الأول: موسى -عليه السلام- لم يعرف ملك الموت؛ لأنه جاءه على هيئة رجل ودخل بيته من غير إذنه، وأراد الدفاع عن نفسه فقام بلطمه وفقأ عينه، وهذا قول الإمام أبو بكر من خزيمة.
- القول الثاني: موسى -عليه السلام- كان سريع الغضب، وكان إذا غضب رفع شعر بدنه جبته؛ فكان ذلك سبباً لضربه ملك الموت وهذا ما نقله القرطبيّ، وقد بيّن ابن العربي أنّ ذلك لا يصحّ بحقّ الأنبياء.
- القول الثالث: الأنبياء -عليهم السلام- لهم ميزة عن باقي البشر عند الموت؛ فهم يُخيّرون عند موتهم، وملك الموت لما جاءه لم يُخيّره، فلطمه وفقأ عينه؛ اختباراً له، لعدم تخييره له، ومما يدُلّ على صحة هذا القول أنه لما خيره بين الموت والحياة اختار الموت، وقد قال بذلك القرطبيّ.
ونقل الإمام البغوي في تفسيره عن وهبعن قصة وفاته: إنّ موسى -عليه السلام- خرج ذات يوم فمرّ بجماعة من الملائكة يحفرون قبراً جميلاً؛ لما فيه من الخُضرة والبهجة، فسألهم: لمن تحفرون هذا القبر، فأجابوه: لعبد كريم على ربه، فقال لهم: إنّ هذا العبد بمنزلةٍ عاليةٍ عند ربه، فأخبرته الملائكة بأن يكون هو؛ فوافق موسى -عليه السلام- على ذلك، فاضطجع فيه، ثُمّ مات، وقد مات -عليه السلام- في التيه بعد أخيه هارون -عليه السلام- بثلاثِ سنين، وله من العُمر مئة وعشرون عاماً، وقيل مئة وثماني عشر.
السنين الأخيرة لموسى عليه السلام
ذكر أهل السّير والمؤرخون أمر موسى -عليه السلام- وقومه بعد أنْ أمره الله تعالى أنْ يسير بهم إلى بيت المقدس؛ وذكروا أنّه لما كانوا بالقرب منها، اختار موسى -عليه السلام- اثنا عشر رجلاً من أسباطهم؛ ليأتوه بخبر الجبّارين الذين كانوا يسكنون بيت المقدس، وبعد أنْ ذهبوا حيث أمرهم لقيهم رجلٌ من الجبّارين، فأخذهم إلى امرأته، وأخبرها أنّهم يزعمون العزم على قتلهم، وأراد أن يطأهم برجله؛ فمنعته، وطلبت إليه أن يُطلق سراحهم؛ ليخبروا قومهم بما رأوا، فاتّفق الاثنا عشر رجلاً على كتم ذلك عن بني إسرائيل؛ فنكث عشرة منهم العهد وأخبروا قومهم بما رأوا، وكتم رجلان منهم الخبر عن بني اسرائيل ، وأخبرا موسى وهارون -عليهما السلام- فقط.
ولما طلب إليهم موسى -عليه السلام- منهم دخول الأرض المُقدّسة امتنعوا عن السير خوفاً من القوم الجبّارين، قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ* قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)، وحين ذاك غضب موسى -عليه السلام- منهم ودعا عليهم؛ فعاقبهم الله -تعالى- بالتيه أربعين سنة، فندم موسى -عليه السلام-؛ لعدم حملهم الطعام معهم، فأنزل الله -تعالى- عليهم المنّ والسلوى، وتؤكّد الروايات أنّ موسى عليه السلام بقي فترة التيه يأمر قومه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ثم مات أخوه هارون -عليه السلام- في التيه.
ما بعد وفاة موسى
استخلف الله -تعالى- يوشع بن نون فتى موسى -عليهم السلام- على بني إسرائيل بعد وفاة موسى -عليه السلام-، وبعد انقضاء مدّة التيه خرج بهم مُتوجّهاً إلى بيت المقدس، وأمرهم الله -تعالى- حين دُخولها بقوله: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، فقابلوا كرم الله -تعالى- لهم بالجُحود والنُكران، فاستحقوا غضبه، ولمّا دخلوا الأرض المُقدسة بدأ يوشع باستكمال فُتوحاته، وتقسيم الأراضي التي غنمها على جميع أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، وبعد وفاته تولّى قيادة بني إسرائيل قُضاتهم، وقد كان عصر العبد الصالح يوشع عصراً مزدهراً بالإيمان والحقّ، وقد بلغت الأرض المقدسة أوجَ ازدهارها في حكم داود وابنه سليمان -عليهما السلام- قبل أن يخرج بنو إسرائيل عن منهج الله -تعالى- ويستجلبوا بمعاصيهم غضبه وسخطه؛ ويُحرموا لأجل ذلك من تملّك الأرض المقدسة التي يورثها الله من يشاء من عباده الصالحين، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).