شرح قصيدة المتنبي في مدح كافور الإخشيدي
شرح القصيدة
يقول أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبي في قصيدته التي قالها مادحًا كافور الإخشيدي:
المقطع الأول
كفى بكَ داءً أن ترى الموتَ شافيا
- وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
تمنّيتها لما تمنّيت أن ترى
- صديقًا فأعيا أو عدوًّا مُداجيا
إذا كنتَ ترضى أن تعيشَ بذلّةٍ
- فلا تستعدّنّ الحسام اليمانيا
ولا تستطيلنَّ الرّماح لغارةٍ
- ولا تستجيدنَّ العتاق المذاكيا
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى
- ولا تثْقى حتّى تكون طواريا
يقول المتنبي يكفيك ألمًا في هذه الحياة أن ترى في الموت الذي هو غاية الشّدّة دواء تستطبّ به، فغاية البلية أن يصبح الموت أمنية، لقد تمنّيت الموت بعد أن فقدت الأمل من أن تجد صديقًا وفيًّا أو عدوًّا ساترًا لعداوته، فإذا رضيتَ بعيشك في ذلٍّ وهوان فاترك السّيف اليماني لأهله فلا حاجة لك به.
وإذا رضيت بالذّلّ أيضًا فلا تتخذ الخيل الجيّد ولا الرماح الطّوال، فتلك لا تتخذ إلّا لرفع المذلّة، فإنّ الأسد لا يُهاب ولا يُخاف منه إذا ما بقي خجولًا من جوعه، بينما يهابه من حوله إذا افترس والتهم.
المقطع الثاني
حببتك قلبي قبل حُبّك من نأى
- وقد كان غدّارًا وكنت أنت وافيًا.
وأعلم أنّ البين يشكيك بعده
- فلستَ فؤادي إن رأيتكَ شاكيا
فإنّ دموع العين غدر بربّها
- إذا كنّ إثر الغادرين جواريا
إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى
- فلا الحمد مكسوبًا ولا المالُ باقيا
وللنفس أخلاقٌ تدلّ على الفتى
- أكان سخاءً أم كان تساخيا
يقول الشاعر لقد منحتك حبّي أيّها القلب قبل أن تحبّ من ابتعد عنّا، وقد غدر بنا وبحبّنا، فكن أنت وفيًّا لي ولا تتذكره، ولتعلم أيّها القلب بأنّك ستعاني من فراقه، ولكننّي سأتبرّأ منك إن اشتكيت لوعة الفراق والشّوق.
إنّما دموع العين إذا ما سالت بعد فرقة الغادرين بصاحبها إنّما هي غادرة مثلهم، إذا ما العطاء لم يتجرّد عن المنّة والفضل، فإنّ هذا العطاء غير محمود ولا مشكور وسيتلف هذا المال ويزول فضله، وإنّ أخلاق الإنسان تدلّ عليه وتشير إليه، فيعرف إذا ما كان كرمه طبعًا منه أم تطبّعًا.
المقطع الثالث
أقِلَّ اشتياقًا أيّها القلب ربّما
- رأيتك تصفي الودّ من ليس جازيا
خلقت ألوفًا لو رحلت إلى الصّبا
- لفارقتُ شيبي موجع القلب باكيا
ولكنّ بالقسطاط بحرًا أزرته
- حياتي ونصحي والهوى والقوافيا
وجردًا مددنا بين آذانها القنا
- فبتن خفافًا يتّبعن العواليا
تماشى بأيدٍ كلّما وافت الصّفا
- نقشْنَ به قلب البزاة حوافيا
هنا يقول المتنبي خفّف اشتياقك أيّها القلب فإنّني قد رأيتك تمنح الشوق و الحب الصادق لمن لا يستحقه ولا يبادلك إياه، إنّ الإنسان قد خلق ألوفًا، فلو فارقت شيبي إلى أيّام الصّبا أجمل أيّام حياتي لبكيت على فراق هذا الشيب وكان موجعًا لقلبي.
في هذه الحال من الألفة قصدت مصر وحملت حبي ونصحي وشعري، وأزرته أيضًا خيلًا مددتُ رماحي بين آذانها فأصبحت تركض بخفّة وتلاحق أعالي الرماح، فإنّ هذه الخيول تمشي بلا نعال وتؤثّر حوافرها في الصّخور.
المقطع الرابع
وتنظر من سود صوادق في الدّجى
- يرين بعيدات الشخوص كما هي
وتنصب للجرس الخفي سوامعًا
- يخلن مناجاة الضّمير تناديا
تجاذب فرسان الصّباح أعنّة
- كأنّ على الأعناق منها أفاعيا
بعزمٍ يسير الجسم في السرج راكبًا
- به ويسير القلب في الجسم ماشيا
يقول الشاعر إنّ هذه الخيول تنظر بعيون سودٍ تصدقن ما ترين، فترى الشّخص البعيد كهيئته وهو قريب، وعندما تسمع هذه الخيول صوتًا خافتًا تراها تنصب آذانها لسماعه حتّى تكاد لشدّة سمعها تسمع حديث الضمائر وكأنه نداء قوم لقوم.
تمسك فرسان هذه الخيول في الصّباح عند الغارة سير اللّجام فيها، فكأنّ أعناقها لشدّة طولها أفاعٍ، وقد انطلقنا إلى القتال بعزمٍ وقوّة كأنّ الجسد يسبق سروج الخيل في الانطلاق، وكأنّ القلوب تسبق الأجساد في السير نحو القتال.
أفكار القصيدة
من الأفكار الرئيسة في قصيدة المتنبي:
- وصف أسوأ الأمور التي قد يصل بها الإنسان.
- النصح والإرشاد المتعلّق بأمور القلب.
- وصف الخيل الخارج إلى القتال.
شرح المفردات في القصيدة
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في قصيدة المتنبي السابقة:المفردة | معنى المفردة |
مداجيا | المداجي هو المداري الساتر للعداوة. |
تستعدي | استعدى فلانًا يعني استعان به. |
العتاق | الخيل الكريمة. |
جردًا | خيل قصار الشعر. |
القنا | هي الرماح. |
العوالي | جمع عالية وهي صدر الرمح مما يلي السنان. |
المناجاة | السرار والحديث الخفي. |
الأعنة | جمع عنان وهو سير اللجام. |