كيف كانت حياة الرسول قبل البعثة
نسب النبي محمد
حظي النَّبيُّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بنسبٍ شريفٍ ورفيعٍ، وشهد له بذلك جميع من في الأرض حتَّى أعداؤه، فهو محمَّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كُلاب، وهو من قبيلة قريش، من بني هاشم، وقد عُرف عند العرب رفعةُ مقام هذه القبيلة فاختار الله -تعالى- نبيّاً من أفضل بقاع الأرض في أفضل زمانٍ، ومن أعلى القبائل مقاماً.
وكان جدُّه عبد المطَّلب من أشراف قومه وساداتهم، وكان مسؤولاً عن سقاية الحجَّاج ورفادتهم، ووالد النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- هو عبد الله بن عبد المطَّلب، وهو أحسن أولاد عبد المطَّلب، واختار له والده زوجةً من أفضل نساء قريشاً نسباً ومكانةً فزوَّجها إيَّاه وهي آمنة بنت وهب.
اختار الله تعالى نبياً من أشرف الأقوام، فهو من قبيلة قريش من بني هاشم، وجّده عبد المطلب من سادة القوم، وأبيه عبدالله من أحسن أولاد عبد المطلب، وأمّه آمنة من أفضل نساء قريش نسباً.
طفولة ونشأة النّبي محمد
نشأ محمَّد نبيُّ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتيماً، فقد حملت به أمُّه آمنة وكان أبوه عبد الله في يثرب آنذاك، فمرض مرضاً شديداً ومات ودفن في يثرب، وفيما يأتي مراحل طفولته-صلى الله عليه وسلم-:
ولادة النبي محمد
ما اسم أم الرسول؟
وضعت السَّيدة آمنة بنت وهب مولودها في مكَّة، وقد تعدَّدت الرِّوايات في تحديد مكان ولادته، فيقال إنَّه ولد في الدَّار التي عند الصَّفا، وقيل في شعب بني هاشم، قيل إنَّها كانت بالرَّدم أو بعسفان.
وكان ذلك في عام الفيل الثَّاني عشر من ربيع الأوَّل على الرَّاحج من أقوال المؤرِّخين، وكان يوم الاثنين، ويوافق هذا التَّاريخ يوم الثَّاني والعشرين من شهر إبريل من عام خمسمئةٍ وواحدٍ وسبعين للميلاد.
و كان مولد النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مختلفاً ، فقد روت أمُّه آمنة بنت وهب أنَّها رأت نوراً يخرج من فرجها تضيء منه قصور الشَّام، ولمَّا علم عبد المطَّلب بقدوم حفيده فرح فرحاً شديداً، وقام بتسميته محمّداً، ولم يكن هذا الاسم مألوفاً آنذاك؛ فقد سمَّاه ذلك ليحمده أهل الأرض وأهل السَّماء، كما فرح أعمامه لمولده؛ فهو ابن أخيهم المفقود، ومن ذلك أنَّ أبا لهب أعتق جاريته ثويبة؛ لأنَّها زفَّت له خبر ولادة محمَّد.
رضاعة النبي محمد
توالت المرضعات اللّواتي أرضعن محمداً، وهنَّ كما يأتي:
- أمُّه آمنة بنت وهب: وقد أرضعته أيَّاماً قليلةً، قيل إنَّها ثلاثة أيَّام أو سبعةٌ أو تسعةٌ فقط.
- ثويْبة: وهي جاريةٌ لأبي لهب، وكانت قد أرضعت قبل النَّبيِّ ابناً لها يسمَّى مسروح، وكانت ثويبة قد أرضعت قبله أيضاً حمزة بن عبد المطَّلب -رضي الله عنه-، ثمَّ أرضعت بعد النَّبيَّ أبا سلمة المخزومي، فهؤلاء كانوا إخوة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- من الرِّضاعة، ولكن لم ترضع ثويبة نبيَّ الله مدَّة طويلةً.
- حليمة السَّعدية: كان العرب يحرصون على إرسال أبناءهم إلى البادية منذ نعومة أظفارهم؛ وذلك ليتعلَّموا الفصاحة والبلاغة هناك، وكان في ذاك الزَّمن يشتهر بنو سعد بفصاحتهم وإرضاعهم لابناء المدن، فأرسلوا محمّداً ليسترضع عند السَّيدة حليمة السَّعدية، فأرضعته مع ابنها، ومكث عندها سنتان، ولمَّا عادت به إلى مكَّة حيث أمُّه آمنة، خافت عليه حليمة من الوباء الذي كان منتشراً في مكَّة آنذاك، فأرجعته معها، وكان مقدم محمَّد على قرى بني سعد خيراً لهم، فكانت أغنامهم تدرُّ لهم خيراً كثيراً ومن حولهم يشكون من الجدب والقحط.
وفاة أم النبي محمد وكفالة جده
بلغ محمَّد من العمر ستَّ سنواتٍ، فاصطحبته أمُّه آمنة في زيارةٍ إلى يثرب حيث أخواله، وفي طريق عودتها مرضت مرضاً شديداً، وتوفِّيت في منطقةٍ تسمَّى الأبواء تقع في الطَّريق ما بين مكَّة والمدينة ودُفنت فيها، بعد ذلك كفل النَّبيِّ جدُّه عبد المطلب عند عودته من يثرب.
وفاة جد النبي محمد وكفالة عمه
ما اسم عم الرسول الذي قام بكفالته بعد وفاة جده؟
كان عبد المطَّلب يحبُّ محمَّداً حبّاً شديداً ويُجلسه مجالس الرِّجال ويحدِّثه ويداعبه، وكان لعبد المطَّلب مجلسٌ عند الكعبة لا يقترب منه أحد، ولكنَّه كان يسمح لمحمَّد أن يجلس معه، فقد كان يحسُّ أنَّه سيكون لهذا الصَّبيِّ شأنٌ كبيرٌ.
ولكن لم يلبث عبد المطَّلب طويلاً في كفالته لمحمَّد حتَّى مات بعد عامين وله من العمر ثمانين سنةً، وكان محمَّد يبلغ من العمر ثماني سنوات، ولكنَّه أوصى قبل وفاته أن يكفل محمّداً عمُّه أبو طالب، لأنَّه شقيق والده عبد الله، فكفله أبو طالب وقام على رعايته.
ذهاب النبي محمد مع عمه للتجارة
كان أبو طالب رحيماً بابن أخيه وعطوفاً عليه، بل كان يؤثره على أولاده ويخصُّه عنهم في الطَّعام والشَّراب واللِّباس، وكان يصطحبه معه أينما يحلُّ، ولمَّا أصبح شابّاً وله من العمر اثنتي عشرة سنةً وكان أبو طالب يتجهَّز للخروج في تجارةٍ إلى بلاد الشَّام، تضمُّ شيوخاً من سادات قريش، فوافق محمَّد على مرافقة عمِّه، ولمَّا وصلوا إلى الشَّام إلى منطقة بصرى التقوا براهبٍ يسمَّى بحيرة، وبشَّره بالنُّبوَّة وطلب من أبي طالب أن يعود به إلى مكَّة خوْفاً عليه من اليهود.
كانت طفولة النبي -صلى الله عليه وسلم- زاخرة بالأحداث، إذ فقد أباه وهو جنين في بطن أمه، ثمّ فقد أمّه وجدّه في عمر صغير، وتربّى وترعرع في بيت عمّه أبي طالب.
شباب النّبي محمد
عمل النّبي محمّد
كان محمَّد في فترة شبابه شابّاً خلوقاً ومطيعاً لعمِّه أبي طالب الذي كان يعيش في كنفه، ولكنَّ دلال عمِّه له لم يمنعه من العمل والكسب والاعتماد على النَّفس، فقد كان عمُّه يُعيل الكثير من الأبناء، ممَّا دفع محمَّد على العمل والكسب بنفسه ، فكانت مهنة الرَّسول قبل البعثة في الأعمال الآتية:
- رعي الغنم: فقد بدأ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالعمل في رعي الأغنام منذ صغره، وكان يرعاها لأهل مكَّة مقابل مبلغٍ زهيدٍ، وكان تسخير الله -تعالى- له لهذا العمل فيه حكمةٌ جليلةٌ؛ وهي أنَّ الله -تعالى- مهَّد له برعيه الأغنام من أجل الرِّعاية الأكبر وسياسة أمَّةٍ بأكملها، فإنَّ رعي الأغنام وإطعامها وسقايتها وعلاجها والمحافظة عليها من أيِّ افتراسٍ أو ما شابه، ما هو إلَّا تعليمٌ له برعاية الرَّعية والخوف عليهم والمحافظة عليهم، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ).
- التّجارة: كانت التِّجارة المهنة الأشهر لأهل مكَّة، وكان عمُّه أبو طالب يعمل فيها، فاصطحبه معه مرَّاتٍ في رحلاته التِّجاريّة، وعلَّمه البيع والشِّراء، ولكنَّ العمل مع عمِّه لم يكن يكسب منه ربحاً كثيراً، وكان يُعرف محمَّد قبل البعثة بأمانته وصدقه، فعرضت عليه السَّيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- أن يعمل عندها ويدير تجارتها، فعمل معها في التِّجارة وهو في أوائل العشرين من عمره.
زواج النبي محمد
عمل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عند السيِّدة خديجة بنت خويلد، وكانت سيِّدةً من نساء مكًّة تتَّصف بالجمال والحكمة وتملك الكثير من المال، وكان عمرها أربعين سنةً، وقد تزوَّجت زوجان من قبل ولكنَّها ترمَّلت، فطمع الكثير من أهل مكَّة بالزَّواج منها لكنَّها رفضت.
ولمَّا رأت خُلق محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- في تجارته، وكانت تعلم من ابن عمِّها وهو ورقة بن نوفل أنِّ محمّداً له شأنٌ عظيم، عندئذ عرضت نفسها على النَّبيَّ، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرون عاماً، فخطبها له عمُّه أبو طالب وتزوَّجها فكانت أوَّل زوجاته، و أنجبت له جميع أولاده .
امتازت مرحلة شباب النبي -صلى الله عليه وسلم- بجهده وعمله في رعي الأغنام والتجارة، ثم زواجه من خديجة بنت خويلد، ورعايته لأموالها.
صفات وأخلاق النبي محمد قبل البعثة
عُرف محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- منذ صغره وقبل بعثته بالأخلاق الكريمة ، وقد شهد له بذلك أعداؤه، فقد كان يقول النَّضر بن حارث حينما سمع بدعوة النَّبيِّ وغضب كفَّار قريش على ذلك، فوصفه قائلاً: "لقد كان محمد فيكم غلاما حدثاً، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة"، وكانت أهمُّ الأخلاق التي عرف بها هي ما وصفته به خديجة:
- الأمانة، وقد لقَّبه قومه لذلك بالصَّادق الأمين.
- صِدق الحديث.
- مساعدة الضَّعيف وإكرام الضَّيف.
- صلة الأرحام.
- نصرة المظلوم والإعانة على نوائب الحقِّ.
- الوفاء بالعهد.
- التَّرفع عن عادات الجاهليَّة الأولى، فلم يسجد لصنمٍ أبداً، ولم يتقرَّب لكاهنٍ، ولم يقل شِعراً ولم يشرب خمراً، ولا مارس رذيلة قطّ.
اتصف محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل بعثته بين قومه بصفات عديدة؛ كالصدق، والأمانة، والوفاء بالعهد، ونصرة المظلوم.
مواقف تدلّ على النبوة قبل البعثة
كانت حياة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- منذ صغره تشير وتدلُّ على أنَّه ليس كسائر القوم، ومن مواقف النبي قبل البعثة ما يأتي:
البركة التي حلّت على حليمة السعدية
كانت حليمة السَّعدية تُرضع ابناً لها، وكانت تشكو من قلَّة لبنها وعدم شبع ابنها منها، وكانت فقيرة معدمةً، ولمَّا جاءت إلى مكَّة مع نساء بني سعد يبحثن عن مراضع لهنَّ، كنَّ يبحثن عن ولدٍ له أهلٌ أغنياء، فعزفن جميعهنَّ عن استرضاع محمَّد؛ لأنَّه يتيمٌ، فلم يبق لحليمة غيره فأخذته، ولمَّا عادت به ووضعته على ثدييها فإذا بالبركة تدرُّ بهما ويرضع منها حتى يشبع هو وابنها.
وكانت عندهم شياهٌ لا لبن فيها فقام زوج حليمة ليلتمس منهنَّ شيئاً حتَّى وجد فيهنَّ الخير الكثير وشرب هو وزوجته ما رواهما حدَّ الشَّبع، فنزلت البركة على أهل البيت من أوَّل يومٍ بات عندها محمَّدٌ فيه، ولمَّا عادت ديارها وكانت تمرُّ بقحطٍ آنذاك والنَّاس يشكون من الجدب وقلَّة الأمطار والزَّرع، كانت دواب حليمة السَّعدية تعود من رعيها شبعةً وتدرُّ لهم خيراً كثيراً على خلاف ماشية القوم التي كانت هزيلةً، فعلمت حليمة وزوجها أنَّهم في خير أصابوه ببركة هذا الصَّبي.
حادثة شقّ صدر النبي
حصل مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حادثةً عجيبةً في صغره تشير إلى أنَّه سيكون نبيّاً، فبينما كان يلهو مع الأطفال إذ جاءه الوحي فصارعه وقام بشقِّ صدره، واستخرج من صدره عَلَقَةً، ثمَّ أتى بطست مصنوع من الذَّهب، وكان مملوءاً بماء زمزم وقام بغسل قلبه فيه، ثمَّ أعاد قلبه إلى صدره، ففزع الغلمان الذين كانوا معه وهرعوا إلى مرضعتهم حليمة ظنّاً منهم أنَّ أحداً قتل محمّداً، وقد ظلَّ أثر الشَّقِّ في صدره الشَّريف يُرى، ثمَّ غسل الله -تعالى- قلبه مرَّة أخرى في حادثة الإسراء والمعراج.
حادثة الراهب بحيرة
اصطحب أبو طالب ابن أخيه محمّداً في سفره إلى الشَّام؛ من أجل أن يعلِّمه شؤون التِّجارة، ولمَّا وصلوا إلى مكانٍ يسمَّى البصرة كان هناك راهبٌ في صومعته يدعى بحيرة، فعرف أنَّ هذا هو نبيُّ هذه الأمَّة وأخبر من معه بذلك، ولمَّا سألوه كيف عرف ذلك، قال أنَّه يعرف علامات قدوم النَّبي من كتبهم، وقال أنَّه لما وصلت تلك القافلة العقبة سجد الحجر والشَّجر، وهما لا يسجدان إلَّا لنبيٍّ.
ثمَّ أوصى هذا الرَّاهب أبا طالب أن يرجع به إلى مكَّة وأن ينتبه عليه في الطَّريق؛ لأنَّ اليهود يحرصون على قتله، وأخبرهم أنَّه ردَّ بعضاً منهم جاءوا يبحثون عنه وقد أحسُّوا بقدوم النَّبيِّ في هذا الشَّهر، ولكنَّ الرَّاهب بحيرة قام بردِّهم، وهذه قصَّةٌ صحيحةٌ ثبتت صحَّتها عند التِّرمذي وعند الحاكم وغيرهم، تدلُّ على نبَّوة محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- قبل مبعثه.
حادثة الحجر الأسود
كانت الكعبة في أيَّام الجاهليَّة عبارة عن أحجار فوق بعضها، ولم يكن بنيانها متيناً ولا طين فيه، فأراد العرب إعادة بنائها وترميمها من جديد، ولمَّا بدأوا بذلك ووصلوا إلى ركنِ الحجر الأسود اختلفوا فيما بينهم حول من سيضعه، طمعاً من كلِّ قبيلةٍ أن تنال هي شرف وضع الحجر الأسود، وتزايدت حدَّة الخلاف بينهم حتَّى همُّوا بالحرب والقتال من أجل ذلك، وظلَّ الخلاف قائم بينهم أيّاماً، ثمَّ وصلوا إلى رأيٍ سديدٍ وهو أن يتركوا الحكم بهذا الأمر لأوَّل رجلٍ يدخل عليهم البيت الحرام.
فدخل عليهم محمَّد -صلّى الله عليه وسلّم- وكان له من العمر خمساً وثلاثين سنةً، ففرحوا عند رؤيته لإجماعهم على أنَّه صادقٌ أمينٌ، فكانت رجاحة عقل محمَّد في حلِّ هذا النِّزاع، فقد طلب منهم وضع الحجر الأسود في رداءٍ ثمَّ يحمل هذا الرِّداء شابٌّ من كلِّ قبيلةٍ، ففعلوا ذلك، ولمَّا اقتربوا حمله النَّبيُّ بيديه الشَّريفتين ووضعه في مكانه، وهذه الحادثة فيها إشارةٌ قويَّةٌ على حِكمة محمَّد وتميُّزه وأنَّه ذو شأنٍ عظيم.
مواقف التجارة مع خديجة
كان محمَّد -عليه الصَّلاة والسَّلام- يعمل مع خديجة بنت خويلد قبل نبوَّته، وكانت ترى فيه من الصِّفات ما لا يوجد في تاجرٍ غيره من أمانةٍ وصدقٍ، ولمَّا سافر في أوَّل تجارةٍ لها وكانت قافلتها إلى البصرى حينها، حصلت على المال الكثير من هذه التِّجارة، وكان المبلغ مضاعفاً عن كلِّ الرَّحلات التي كانت لها، وحلول البركة على مال خديجة لعمل محمَّد معها ما هو علامةٌ أخرى من علامات النُّبوَّة.
تعرض النبي لعدد من المواقف كانت إشارة على بعثته منها: حادثة شق صدره وهو صغير، وحادثة الراهب بحيرة، وحادثة نقل الحجر الأسود في مكة.
مواقف خلُقية من الحياة اليومية
كانت أخلاق النَّبيِّ قبل بعثته كلُّها تدلُّ على نبوَّته، فلا توجد زلَّةٌ واحدةٌ في سيرته منذ اليوم الأوَّل من ولادته، ومن المواقف التي كانت في حياته اليوميَّة التي تدلُّ على ذلك:
- نومه ليلة المغاني: إذ كان ومعه غلام يرعيان الغنم في مكَّة، فسمعا غناءً وأودع غنمه عند صاحبه، وذهب من أجل السَّمَر هناك، ولمَّا وصل وجلس يستمع للدُّفوف والمزامير ضرب الله -تعالى- على أذنيه فنام، ولم يفق إلَّا في اليوم التَّالي من حرِّ الشَّمس، فعصمه الله -تعالى- حتى في طفولته التي لا يحاسب عليها من كلِّ هفوةٍ.
- امتناعه عن التّعرّي أمام الكعبة: وذلك عندما صغيراً والغلمان تلهو حول الكعبة، وقد كانوا يحملون الحجارة على إزارهم ويلعبون بها، ولكنَّ محمَّداً لمَّا همَّ بفعل ذلك كما الصِّبيان، إذا بشيء يمنعه عن خلع إزاره فجعل يحمل الحجارة على ظهره ورقبته ويلهو مع الغلمان.
- وقوفه في عرفات والمزلفة: وقد كانت النَّاس تقف هناك، في حين تمتنع قريش عن ذلك، لكنَّه كان يقف على عرفة قبل مبعثه.
- خلوته واعتزاله النّاس: فقد كان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يحبُّ الاختلاء بنفسه ويخرج بعيداً عن ضجيج بلده وزحمة قومه؛ ليتفكَّر في الخلق وفي ملكوت السَّماوات والأرض.
امتنع النبي قبل بعثته عن التعري أمام الكعبة وعن سماع الغناء، وكان يقف على جبل عرفات وكان كثير العزلة والخلوة.
دروس وعبر من حياة الرسول قبل البعثة
إنّ حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فيها دُّروس عديدة منها ما يأتي:
- اختيار الله -تعالى- للنَّبيِّ من قومٍ لهم نسبٌ رفيعٌ أدعى لقبول الدَّعوة عند عرضها على النَّاس، فالنَّاس في الغالب يقلِّلون من شأن الشَّخص غير المعروف نسبه، فكان محمَّدٌ من قومٍ لهم مكانتهم وشرفهم بين القبائل.
- عيش النَّبي يتيماً دون أبٍ وأمٍّ أكسبه معانٍ إنسانيَّةً ساميةً، تجعله رقيق القلب مرهف الحسِّ على صحابته وأبناء أمَّته، وقد جعله ذلك شخصاً مسؤولاً يتحمَّل الصِّعاب وحده؛ تمهيداً له على تحمُّل مشاقِّ الدَّعوة.
- اعتماد النَّبيِّ على نفسه منذ صغره وحرصه على الكسب من عمل يده، وهي صفةٌ لا بدَّ أن يتمثَّل بها الدَّاعي.
- عصمة النَّبيِّ من الوقوع في الأخطاء وارتكاب الزلَّات في شبابه، ليكون ماضيه خالٍ من أيِّ خطأ فلا يكون حجَّةً لأيِّ مُغرض للطعن في النَّبيِّ.
- سفر النَّبيِّ وتجواله في البلاد عند تجارته أضفى إليه معارف كثيرة وتجارب جديدة، جعلته يتعرَّف إلى البلدان وأحوال النَّاس وتعلَّم من ذلك الكثير وصُقلت شخصيَّته من معاشرته أصنافاً من العباد.
لقد أعدّ الله سيدنا محمّد للرسالة قبل البعثة بكثير، فإنّ نسبه وشرف قومه، وصفات شخصيته الفريدة، واعتماده على نفسه بالتجارة والسفر، كلّها كانت مقدمّات لبعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-.