كيف حارب الإسلام الفقر
الفقر
يطلق الفقر على الحالة التي تكون فيها الموارد لا تكفي حاجة صاحبها، ويطلق أيضاً على الحاجة والعوز والضعف، والفقير هو الشخص الذي لا يملك أقلّ قوت يومه، كما ويطلق عليه درويش، ومن حكمة الله -تعالى- أنْ جعل النّاس متفاوتين في الأرزاق والنعم، كما أنّ التفاوت من مبادئ الحياة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، فالحكمة من ذلك تتمثّل بالحدّ من تنازع طبقات المعيشة بين الناس، وتحقيق الرضى بقضاء الله -تعالى- وقدره على عباده، كما أنّ الفقر يُعدّ نوعاً من أنواع الابتلاءات التي تصيب العباد، وكذلك لغَيرهم من الأغنياء، ولذلك نصّت الرسالات السماوية على العديد من المبادئ والقيم التي تحذّر من طغيان وسلطة الأغنياء على الفقراء، والحثّ على التعاون والتعايش بين الطبقتين على حدٍ سواءٍ، فالحكمة من التفاوت أنّ فيه إصلاحٌ للمجتمعات، وتنظيمٌ للحياة، وإعمارٌ للكون، ودليل ذلك قول الله عزّ وجلّ: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فإن كانت جميع فئات المجتمع ذات سعة وغنى؛ لانتشر البغي والظلم في الأرض، إلّا أنّ الإسلام حارب الفقر، وحدّ منه بالعديد من الوسائل والطرق.
معالجة الإسلام لمشكلة الفقر
أولى الإسلام اهتماماً خاصاً بالحدّ من الفقر، وحثّ على محاربته وذلك بالعديد من الوسائل والأساليب والطرق، وفيما يأتي بيان بعضها:
- الحثّ على السعي والعمل والكسب، فالقادر يجب عليه أنْ يجتهد في تحصيل رزقه، مع العلم بأنّ الرزق مكتوبٌ من الله تعالى، إلّا أنّه يجب على العبد السعي والعمل للوصول إليه، وليس لأيّ أحدٍ أنْ يحتجّ بعدم القيام بأيّ عملٍ بأنّ الله -تعالى- كتب عليه الفقر، أو عدم العمل، ويجب أيضاً على المسلم أن يتواضع، ولا يتكبّر على أيّ نوعٍ من أنواع العمل، فالعمل والسعي المشروع شرفٌ، كما أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُرغّب الصحابة بالمهن ويحثّهم عليها، ومن الجدير بالذكر أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مارس رعاية الغنم قبل البعثة، ثمّ عمل بالتجارة، وكذلك جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، فالعمل عبادةٌ يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى.
- وجوب نفقة الأغنياء على أقاربهم الفقراء؛ إنْ كان سبب الفقر عدم القدرة على العمل، أو الشيخوخة، أو وفاة ربّ الأسرة أو المنفق، ودليل ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ)، كما ويعدّ ذلك أيضاً من صلة الأرحام، ممّا يجعله سبباً في سعة الرزق.
- الزكاة ؛ حيث إنّ الفقير له حصةٌ من أموال الزكاة ، وممّا دلّ على ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ)، وذلك من الحقوق التي أوجبها الله تعالى للفقراء.
- الصدقة ابتغاء مرضاة الله تعالى، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- خصّ بالذكر الصدقة على الأقارب والجيران، وبيّن أنّ الصدقة على الأقارب مضاعفةٌ، ومن صور تقديم الصدقة للجيران الفقراء؛ تقديم الخبز لهم، أو الطعام، وتقديم الملابس لهم في الأعياد.
- الوقف الخيري؛ أيّ جعل عينٍ من الأعيان من غير مالكٍ لها، على أنْ تكون منفعتها صدقةً في الأمور المباحة، إلّا أنّ الوقف يجب أنْ يكون في الأعيان الثابتة، مثل: العقارات، والأراضي، وكذلك في الأصول المنقولة التي تبقى منفعتها، ولا تتغيّر بعد استخدامها، فإن كانت المنفعة تزول؛ فتعتبر صدقةً وليس وقفاً، وبالوقف تتحقّق العديد من الفوائد للمجتمع، منها: استمرار المسلمين في الانتفاع منه، والاستمرار كذلك في الحصول على الأجر والثواب من الله -تعالى- ببقاء عين الوقف وأصله.
- تحريم الربا ، والقمار، والغش في البيوع؛ حيث إنّها تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل ، أو إلى فقدها بشكلٍ كاملٍ.
آثار الفقر على المجتمع
يؤثّر الفقر على المجتمعات بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ على مختلف المستويات، وبمختلف أنواع التأثيرات، وفيما يأتي بيان بعضها:
- يؤثر الفقر بشكلٍ كبيرٍ على التعليم، فالفقير لا يلقي للتعليم بالاً، فأولوياته محصورةٌ في سدّ احتياجاته من الأكل، والشرب، واللباس، والعلاج؛ ممّا يجعل التعليم بالنسبة له من الأمور الثانوية؛ وذلك بسبب عدم قدرته على تحصيله، وبالتالي يرى الفقير أنّ الأفضل له ولأولاده عدم الالتحاق بالمدارس، وإنّما الالتحاق بما يحقّق لهم مصدراً للدخل، ممّا يؤدي بدوره إلى اقتصار التعليم على الأغنياء، وزيادة معدلات البطالة؛ فالفقراء لا يرفدون الأسواق بما تحتاجه من متطلباتٍ، كما أنّ ذلك يؤدي إلى ارتفاع نسبة الجرائم، وتفشّي الرذائل والفواحش.
- يؤثر الفقر على إبداع أفراد المجتمع ، ممّا يؤدي إلى عدم الابتكار، فيتعطّل المجتمع عن التقدّم والتطوّر؛ وذلك بسبب قلّة إمكانات الفقير، وعدم قدرته على مواكبة التطورات الحديثة، فالمواكبة تحتاج إلى قدراتٍ ماديةٍ كبيرةٍ، وينتج عن الفقر أيضاً انتشار الأميّة في المجتمعات، وانتشار الأمراض أيضاً، فالمرض يُلازم المجتمع الفقير.
- يعيق الفقر تنمية الإنسان، بل إنّه العائق الأكبر أمام التنمية، فالفقير يعجز عن استغلال الكثير من الأمور الممنوحة بالنسبة له بسبب فقره، ممّا يؤدي إلى عدم تطوّره، كما يحرمه أيضاً من الرفاهية، ممّا يؤدي إلى انعزاله عن المجتمع بشكلٍ كبيرٍ.
- يؤدي الفقر إلى انتشار الأمراض بين أفراد المجتمع وتفشيّها، ويرجع السبب في ذلك إلى التغذية السيئة، مع عدم القدرة على توفير الدواء المطلوب لعلاج الأمراض، وذلك واضحٌ بشكلٍ كبير في الدول النامية، ممّا يؤدي إلى زيادة أعداد الوفيات ، وذلك عائدٌ إلى النقص في الخدمات، والرعاية الصحية، وكذلك الخدمات الأساسية من المياه الصالحة للشرب، وتوفير السكن المناسب.