كيف تدعو إلى الله
الدعوة إلى الله
جعل الله -تعالى- نبيه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- قدوةً للمؤمنين في شتى مناحي حياتهم، وجعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قدوتهم في الدعوة إليه كذلك، ولقد علّم الله -تعالى- نبيه طريقة الدعوة إليه في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وقال الله -تعالى- كذلك: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فالله -عزّ وجلّ- يؤكّد أنّ أولى الخطوات وأثبتها في طريق الدعوة إليه، أن يكون الداعية صاحب حكمةٍ وعلمٍ بأسلوبه في حواره ونقاشه، ويجب أن يكون ذو قولٍ لطيفٍ، فيلجئ الداعية إلى الترغيب تارةً، وإلى الترهيب تارةً أخرى، ويجادل بالأسلوب الحسن في حال التطرق إلى شبهةٍ أو اختلافٍ، ويعين الداعية على ذلك علمه الواسع حين يحاور سائلاً، فإنّ ذلك أدعى أن يقنع السائل بالحجة السليمة الواضحة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ).
وكما أنّ للداعية أسلوباً محدّداً يلفه اللين واللطف، فإنّ لشخصه كذلك صفاتٌ يفضّل أن تتوافر فيه، حتى يتقن رسالته في الدعوة إلى الله تعالى، فمن صفات الداعية التي عليه أن يتحلّى بها: أن يكون قدوةً للناس من حوله، فيكون أول من يطّبق الأفعال التي يأمر بها من حوله، وأول من يجتنب النواهي التي يحث على تركها، وأن يكون أكثرهم بعداً وخشيةً من الحرام ، فالقدوة شيءٌ أساسيٌ في الدعوة إلى الله سبحانه، والأسبق في قبول الناس لدعوته؛ هو من ظهرت عليه الأخلاق التي يدعو الناس إليها، ودليل ذلك قول الله -تعالى- لنبيه محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، فإنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- هو الداعي إلى الله تعالى، وقدوة المؤمنين فيما يدعوهم إليه.
كيفية الدعوة إلى الله
هناك أمورٌ يجب على الداعي إلى الله أخذها بعين الاعتبار، إضافةً إلى غزارة العلم، ولين الجانب، فإنّه إن تحلّى بتلك الأخلاق حقق مقصوده، وازداد إنجازه بإذن الله، وفيما يأتي بيان ذلك:
- الإخلاص لله -تعالى- في طريقه، فعلى الداعية أن يذّكر نفسه دائماً، أنّه يقصد بذلك العمل مرضاة الله سبحانه، ولقد كان الشافعيّ -رحمه الله- يقول: (وددت أنّ الناس تعلموا هذا العلم، ولم ينسب إلى منه شيءٌ).
- عدم سؤال الناس أيّ منفعةٍ جراء تقديم النصح والإرشاد لهم، فإنّ الناس تُقبل على من زهد مما في يدها، ودليل ذلك قول الله -تعالى- مبيناً أنّ النّاس تقبل ممّا لا يسأل الأجر: (اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، وفي الآية تنبيهٌ آخرٌ على أن يكون الشخص من المهتدين القدوات، كما أُسلف الذكر.
- الصبر على طول الطريق، وتأخر النتائج، حيث يقول الله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)، فإنّ الداعي إلى الله يجب أن يدرك أنّ هداية الناس، وإقبالهم على دعوته، قد لا تتم بسهولةٍ ويسرٍ، أو أنّها ستظهر نتائج فوريةً، فالصحابة مكثوا وقتاً طويلاً تحت العذاب والاضطهاد، فصبروا على ذلك، حتى أظهر الله -تعالى- دعوتهم، وحقق عزّتهم.
- العلم بأنّ هذه الدعوة هي الميراث الذي تركه الأنبياء ، وإنّها دعوةٌ عامةٌ شاملةٌ، يجب أن تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، فعلى الداعية أن يبّلغ دعوته مهما كانت يسيرةً في عينه، إلى من استطاع من الناس، حتى ينتشر الدين في العالم كلّه، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (بلغوا عني ولو آيةً).
فضل الداعي إلى الله
رتّب الله -تعالى- للدعاة إليه عظيم الأجور، وفيما يأتي بيان ذلك:
- الداعي إلى الله من خير الناس على الأرض، ودليل ذلك قول الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فكانت الخيرية سببها الدعوة إلى الله سبحانه.
- الفلاح والنجاح في الآخرة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
- شرُف الداعي إلى أنّ الله -تعالى- وصف كلامه بأحسن الكلام، حيث قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
- شمول الداعي إلى الله برحمة الله سبحانه، ودليل ذلك قول الله تعالى: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ).
- كسب أجور من دعوه إلى الله، فهي أجورٌ لم يعمل الدعاة بها، لكنّها نزلت في صحائف حسناتهم، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
- وصف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أجر من اهتدى على يديه شخصٌ، بأنّ أجره خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وغربت، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رجلًا واحدًا، خيرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حمرُ النَّعَمِ).
أنواع الدعوة
قد تكون الدعوة جماعيةً؛ أيّ أنّ الفرد يدعو ضمن جماعةٍ، وذلك النوع من الدعوة والتنظيم ضروريٌّ؛ لحاجة الأمة إلى تكاتف الجهود، وتعاون الأفراد في نشر دعوتهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وإنّ ذلك دليلٌ على مشروعية العمل في الدعوة على شكل جماعاتٍ، وهناك دعوةٌ فرديةٌ، ولها عدّة أشكالٍ: فقد تكون بدعوة فردٍ فرداً آخراً، أو جمعاً من الناس؛ لما يصلح حالهم ويرضي ربّهم، وقد تكون بدعوة فردٍ فرداً يمارس منكراتٍ لا يرضاها الله سبحانه؛ فينبهه على إثمه، ويحذّره سوء عواقبه. والشكل الثالث للدعوة الفردية، يكون بتعاهد الداعية لأخٍ له في الله تعالى، يمشي معه متسلساً في التذكير والنصح ، حتى يستقيم أمره على منهج الله ورسوله في الأخلاق، وسائر العبادات.