كيف تتخلص من وسوسة الشيطان في الصلاة
كيفية التخلّص من وسوسة الشيطان في الصلاة
توجد عدَّة أمور يَستطيع المسلم اللُّجوء إليها ليدفع عنه وسوسة الشَّيطان ، ومنها ما يأتي:
- ما رواه سماك بن الوليد أبو زميل -رضي الله عنه- حيث قال: (سألتُ ابنَ عباسٍ! فقلتُ: ما شيءٌ أجدُه في صدري؟ قال: ما هو؟ قلتُ: واللهِ ما أتكلمُ به! قال: فقال لي: أشيءٌ من شكٍّ؟ قال: وضحِك، قال: ما نجا من ذلك أحدٌ، قال: حتى أنزل اللهُ عز وجل {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِك} الآية، قال: فقال لي: إذا وجدتَ في نفسِك شيئًا فقلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}).
- قول "لا إله إلا الله"؛ حيث قال النَّووي باستحباب التَّهليل لِمن وجد في نفسة وسوسةً في الوضوء أو الصَّلاة أو غيره؛ لأنَّ الشيطان يَخنس -أي يبتعد- عند ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ويعدُّ التَّهليل رأس الذِّكر، لِذا فهو نافعٌ في إبعاد الوسوسة.
- قراءة آية الكرسي.
- قراءة المُسلم للمَعوّذتين في أذكار الصَّباح والمساء .
- الحضور مبكّراً للصَّلاة، والاستعداد الجيد لها في الوضوء، وأن يُشغل المسلم نفسه بقراءة القُرآن والذِّكر والنَّوافل قبل صلاة الفريضة، وأن يُجاهد نفسه وفكره بالتَّركيز والحضور أثناء الصَّلاة، وأن يستعيذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم قبل قراءة الفاتحة في الرَّكعة الأولى بقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".
- لجوء المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب الإعانة منه في التَّخلص من الوساوس.
- المُداومة على جهاد الوسوسة وعدم الاستسلام والانقياد لها، مع الصَّبر والثَّبات واتِّباع الطُّرق المذكورة آنفاً باستمرار لإبعاد الشيطان وكيده.
- اتِّباع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهَديه في جميع أموره وخاصَّة فيما تقع الوَسوسة به؛ لأنَّ الوسوسة فيها مشقَّة وتكلُّف، وسُنَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأحوال السَّلف خِلاف ذلك؛ فنجد مثلاً أنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يُسرف في الوضوء ولم يَشقَّ على نفسه مثلاً؛ بل كان يتوضّأ بالمُدِّ -والمُدّ يُقدّر بأربعُ حَفنات بحفنة الرَّجل الوسط، أو بِملء كفيِّ الرَّجل المُعتاد إذا مدَّ يديه بهما، ويساوي 650 جرام تقريباً.
- وكان -عليه الصلاة والسلام- يَغتسل بالصَّاع إلى خمسة أمداد، أي بكميّةٍ قليلةٍ لا تتطلَّب التكلُّف والمشقَّة التي يفعلها المُوَسْوَس لضمان إتمام الوضوء أو الغُسل، وقد نهى الرَّسول -عليه الصَّلاة والسلَّام- عن الاعتداء في الوضوء والطَّهارة كما ورد في الحديث: (جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَه عن الوُضوءِ، فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هذا الوُضوءُ فمن زاد على هذا فقد أساءَ أو تعدَّى أو ظلم).
وتُعرَّف الوَسوَسة في اللُّغة أنَّها الكلام أو الصَّوت الخفي، أمَّا في الاصطلاح فتُعرَّف بأنَّها حديث النَّفس، وكل ما يُلقيه الشَّيطان في القلب من الأفكار السَّيئة التي لا نفع فيها ولا خير ولا صلاح، وتُنسب الوَسوسة إلى الشَّيطان؛ حيث قال الله -سُبحانه وتعالى-: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)،
أسباب الوَسواس في الصَّلاة
إنّ للوسواس بشكلٍ عامٍ وفي الصَّلاة بشكلٍ خاصٍ أسباباً عدِّة؛ ولعلَّ أهمّها قلَّة العلم الشَّرعي ، وبما يحتويه القرآن والسُّنة من الأحكام، وقلِّة العلم بفعل الصَّحابة -رضوان الله عليهم-؛ إذ إنَّ العلم الشَّرعي سبيلٌ لمواجهة الجَهل والذي قد يُبنى عليه الوسواس لاحقاً، كما أنَّ الاسترسال مع الوسواس والأفكار الدَّخيلة معه مدخلٌ لتقوية الوسواس واستمراره؛ إذ لا بدّ من قطع هذه الأفكار وعدم الانقياد لها، وقد تزيد الغفلة وعدم ذكر الله -سبحانه وتعالى- من الوسوسة؛ إذ لا يجتمع ذكر الله مع الوسوسة، كما أنَّ عدم الاتباع للسُّنة النَّبويّة المُشرَّفة سببٌ من الأسباب كذلك.
ويجدر الانتباه إلى أمرٍ متكرّرٍ يقعُ فيه أغلب المُوَسْوَسين ويزيد من الوَسوسة من حيث لا يحتسبون؛ ألا وهو ظنُّهم أنَّ الاستجابة للوساوس فيها نوعٌ من الاحتياط والحذر بل والورع أيضاً، وأنَّه خيرٌ من التَّساهل والتَّفريط في أمور الدَّين، وأنَّ فيه تطبيقٌ لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ)، وقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ)، ومرجعُ ذلك هو قلَّة العلم الشَّرعي كما أشرنا سابقاً؛ فلو فَقه المعنى المَقصود من هذه الأحاديث لعلِم أنَّ المراد بها ليس اتِّباع الوسوسة، وأنّ الوَرع الذي يدَّعيه المُوَسْوَس هو في حقيقته تشدّدٌ في الدِّين.
فمثلاً لا يُعدُّ ترك استعمال الماء لمُجرد احتمال نجاسته من باب اتِّقاء الشُّبهات؛ بل يجب على المسلم في هذه الحالة ألا يَلتفت إلى هذا الاحتمال لعدم وجود دليل عليه، كما لا تُعدُّ المبالغة في الوضوء أو الغُسل أو غسل الملابس لتطهيرها نوع من الورع، بل هو اعتداءٌ وإفراطٌ منهيٌّ عنه، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِنَّهُ سيكونُ في هذِهِ الأُمَّةِ قومٌ، يعتدونَ في الطُّهورِ والدعاء).
حكم الوَسواس وأثره على الصَّلاة
الأصل في المسلم مدافعة الخواطر وحديث النَّفس أثناء الصَّلاة، حيث ثبت عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، والمراد بحديث النَّفس هو مَا تسترسِل النَّفْس معه، أمَّا ما يُباغت الإنسان من هواجس وأفكار لا يد له فيها فإنَّ ذلك معفوٌّ عنه، والوسوسة في الصَّلاة إن كانت قليلة فلا تُبطل الصَّلاة باتِّفاق أهل العلم، ولا يُطالب المسلم بالإعادة وتبرأ ذمَّته منها، ولكنَّها تُنقص الأجر؛ فلا يُؤجر إلا بقدر حُضور قلبه فيها، ولهذا شُرعت السُّنن الرَّواتب لتَجبر النَّقص الذي يحصل في الفرائض.
وأمَّا إن غلب الوسواس على أكثر الصَّلاة، فتعدّدت آراء فقهاء الحنابلة في حكم الصَّلاة عندها، وقال ابن تيمية إنّ ذلك لا يُبطلها؛ لأنَّ الخشوع في الصَّلاة سُنَّة، ولا تَبطل الصَّلاة بترك السُّنن، ولكن بالرُّغم من عدم بُطلان الصَّلاة بالوسوسة إلا أنَّها تُنقِص العبادة وتُشتِّت الفِكر، لذا لا بدّ من المُداومة على جهادها وعدم الاسترسال معها.